خطبة عيد الفطر المبارك عام (1412هـ).

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تتنزل الرحمات، أحمده سبحانه شرع لنا الأعياد، وأفاض لنا السرور، ونور  قلوب المؤمنين بنور التقوى والحبور، وأشكره على آلائه ونعمه، وتوفيقه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى،{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك وخليلك محمد، ما تعاقب الليل والنهار،وعلى آله وصحبه المقربين الأخيار، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي تترى، ألا وإن يومكم هذا يوم شريف، فضله الله وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفيض عليهم فيه من جوده وكرمه، فاشكروه على إكمال عدة الصيام، واذكروه وكبروه على ما هداكم وحباكم من نعمة الإسلام، واعبدوه حق عبادته، واتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أفردوه وحده بالعبادة، فإنه خلقكم لها كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

فيجب له علينا غاية الذل والخضوع، وكمال المحبة، والإنابة، والإقبال عليه، والإعراض عن  كل ما سواه، وإخلاص العمل لوجهه الكريم، ولا يستهوينكم الشيطان بصرف شيء من العبادة لغير الله كالدعاء، والنذر، والاستعانة، والاستغاثة، والخوف، والرجاء، والرغبة، والرهبة، وغير ذلكم من أنواع العبادة، فإنه سبحانه المستحق للعبادة وحده، وهو العالم بالظواهر ومكنون الضمائر، يعلم حاجة عباده إليه، وقد أمرهم أن يرفعوا حوائجهم إليه، ووعدهم الاستجابة، وهو القادر على كل شيء { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 82]، ويقول جل شأنه: { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14].

فتدبروا عباد الله كتاب ربكم تفلحوا، وتفهموا سنة نبيكم تهتدوا، وحافظوا على الصلاة فإنها عماد الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، وعليكم ببر  الوالدين، فإنه أعظم الحقوق بعد حق الله، وحق رسوله r ، وعليكم بصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والأيتام، وتدرعوا بالصبر على أقدار الله، واجتنبوا الربا، فإنه من الموبقات، وصاحبه محارب لله ولرسوله، واحذروا من بخس المكاييل والموازين والمقاييس، والغش والخداع في المعاملات، ووقروا اليمين بالله في الخصومات، فقد قال r : « من اقتطع مال امرئ  مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة . فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله ؟ قال: « وإن كان قضيبًا من أراك » ([2]).

واحذروا الإفك والبهتان والغيبة والنميمة وشهادة الزور، وإياكم  والكبر والازدراء، والفخر والخيلاء، وعليكم بالتواضع، وخفض الجناح، والتواصل والتراحم.

عباد الله: اتقوا الله في يدينكم، واعملوا على نصرته، ورفع رايته، والذود عن حياضه، فإن الله تكفل بالنصر لمن نصر دينه، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 40].

اتقوا الله يا قادة الأمة الإسلامية بالعمل على تطبيق شرع الله، على عباد الله، فهو الذي يكفل لهم السعادة، ويحقق لهم الأمن والسيادة.

اتقوا الله أيها العلماء والدعاة في دعوة الناس إلى دين الله، وتصبيرهم بحقيقته، وترغيبهم فيه، وحثهم على التمسك به، وشرح محاسنه، ومزاياه، والالتزام بما ورد في الكتاب والسنة، وما جاء عن سلف هذه الأمة من التعليم والتوجيه، وتجنبوا النقل من مصادر لا علاقة لها في ديننا، مما لا يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين، ومما هو بعيد عن واقع مجتمعاتنا الإسلامية.

اتقوا الله يا حملة الأقلام ويا أرباب الفكر، ورجال الصحافة، والإعلام، فيما تقولون وتنشرون، راقبوا الله في ذلك، وتذكروا أنكم مسؤولون عنه يوم القيامة، فلا تقدموا للأمة إلا ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، بما يتفق وفطرتهم السليمة، وعقيدتهم الصحيحة.

أيها المسلمون: احذروا أن تكونوا من الذين نهى الله نبيه عنهم، وعن طاعتهم، ومعاشرتهم، ممن وصفهم I بقوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28].

إن أمثال هؤلاء كثيرون في المجتمعات الإسلامية فهم يتسمون بالإسلام، ولم يلتزموا بالعمل بما أمروا به، ولم ينتهوا عما نهو عنه، وأطلقوا أبصارهم وأسماعهم وألسنتهم بما لا يحل لهم وأصبحوا يخوضون في كل أمر لا يردعهم عنه إيمان، ولا تقيد بتعاليم الإسلام، فنجد البعض يتعمدون الكذب والافتراء، ويطلقون كلمات الطعن والازدراء، وربما كذب أحدهم، ولبس على الناس بقوله: يقال: كذا ، أو قيل كذا، وزعموا كذا، فيقول هذا وهو المفتري لذلك، أو ينقل ما يقال وهو يعلم أنه كذب.

ولقد حذر r من ذلك كما في حديث حذيفة بن اليمان t  بقوله r : « بئس مطية الرجل زعموا » ([3])  ، فبعض الناس يقول: زعموا، وهو يعلم أن هذا الزعم كذب لا أصل له، ولكن صادف هوى في نفسه، ووجد  من هذه المقولة متنفسًا له، وأظهر ما في صدره من محبة الشر والإشاعات المغرضة، وتلفيق الأكاذيب، ورواية الأخبار، تحت ستار (زعموا) و (قيل)، و(يقال) متنصلًا من المسئولية في ذلك، ولكن هيهات أن يسلم من جراء ذلك، وإثم رواية الأخبار، والأقاويل المكذوبة، وإشاعة البلبلة بين الأمة.

ولقد صح عنه r قوله: « كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع » ([4]). لأن كل ما يسمعه المرء يختلط فيه الصدق بالكذب والحق بالباطل، فيحدث ذلك بلبلة، وإشاعة للشر والفساد، والبغضاء والنزاع، والله I  أرشدنا إلى التثبيت في الأخبار ، وحذرنا من اتباع ذوي الأهواء والفساد، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6].

عباد الله اعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وكونوا كما كان عليه سلف هذه الأمة من الوحدة والتضامن واجتماع الكلمة، فإن دين الإسلام دين ألفة واعتصام، ووحدة ووئام، وإن مما يؤسف له ما نرى من تفرق ونزاع بين بعض المسلمين، فنشأ في كثير من بلاد الإسلام أحزاب متعددة، وأصبحت الموالاة والمعاداة لدى البعض من أجل هذا الحزب أو ذاك، دون  النظر إلى مصلحة الإسلام والمسلمين،
{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53].

ولقد حذر القرآن الكريم من التفرق والاختلاف والنزاع، حيث يقول جل شأنه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: 46]، لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن الموالاة والمعاداة يجب أن لا تكون إلا الله ولدين الله، فعلى المسلم أن يتقي الله، وأن تكون موالاته ومعاداته في الله، ومن أجل دين الله، وحري بالمسلمين جميعًا أن يتحدوا من أجل خدمة الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وأن ينبذوا التفرق والاختلاف، وأن يكونوا كما وصفهم خالقهم بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات: 10].

عباد الله: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات التي أمر بها الإسلام، وأوجبها الله تعالى على العباد، حماية للدين والأخلاق، ودرءًا للفساد والأضرار عن العباد والبلاد، فعلى كل مسلم القيام  به في حدود قدرته واستطاعته وفق شرع الله وهدي نبيه r، وقد جعل الإسلام إنكار المنكر على مراتب ثلاث، فقال عليه الصلاة والسلام: « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » ([5]).

فالتغيير باليد مسؤولية ولي الأمر، أو من يقوم مقامه ممن كلف بذلك،  والتغيير باللسان للعالم المؤهل بعلمه، المعروف بحلمه وحكمته،والتغيير بالقلب لمن ليس له التغيير باليد أو باللسان، فالمسلم مأمور بإنكار المنكر وتغييره في حدود قدرته واستطاعته دون تقصير وإخلال أو زيادة وتعد،  فكما أن المرء يأثم بالتقصير في إنكار المنكر  فإنه قد يلحقه الإثم أيضًا بتعديه في الإنكار وتجاوزه ما لم يأذن به الشرع، كأن ينكر ما لم ينكره الشرع ظنًا منه أن هذا الأمر منكر لجهله، أو ينكر باليد وهو ممن ليس له ذلك، أو يكون أسلوبه في إنكاره باللسان بغلظة وفظاظة مما قد يورث العداوة، ويمنع من قبول الحق.

وإن من التعدي في الإنكار للمنكر أن يصل إلى حد البحث عن العورات، وتتبع الزلات، والتجسس، فإن ذلك مما نهى عنه الإسلام وحذر  منه .

يقول الله U : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] ويقول r : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا » ([6]).

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا مخالفة أوامر ربكم، واحرصوا على الالتزام بهدي المصطفى r في دعوته، والتزموا الحكمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن ذلك أدعى للقبول، وأحرى للاستجابة وتحقيق الهدف المأمول. وإنه يا عباد الله يجب على من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أن يتقبل ذلك بصدر منشرح، ولا يأنف من قبول الحق ممن جاء به؛ لأنه يرشده إلى ما فيه صلاحه ورشده، وإن عدم قبول الحق من الكبر الذي نهى الله عنه ورسوله، وقد ذم سبحانه المعرضين عن قبول الحق، فقال:{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } [المدثر: 49 - 51]

أيها المسلمون: إن المتأمل لواقع المسلمين اليوم يجد أنهم في بعض بلاد المسلمين وغيرها يعانون من الظلم والاضطهاد والبطش والاستبداد، سلبت حقوقهم، واغتصبت أراضيهم، وقليل من المسلمين يحاول الوقوف معهم ومساندتهم، فأين كثير من أهل الإسلام عن إخوانهم أولئك؟

إن مسؤولية الدول والجماعات والأفراد مسؤولية عظمى في الوقوف مع إخوانهم، ومناصرتهم، وإنقاذ منكوبيهم، والعمل على استرجاع حقوقهم، وإصلاح ذات بينهم، عملًا بقوله r :

« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » ([7]).

عباد الله إن دين الإسلام قد أكمله الله للأمة، وأتم به النعمة، فتمسكوا به، واحذروا من التفريط فيه أو الإفراط، ومن الغلو والجفا فهو الدين الكامل الشامل لكل ما تحتاجه البشرية في إصلاح أحوالها، وهو الذي تحصل به سعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك به، وسار على نهجه، فما تم عدل، ولا تكامل أمن، ولا سعدت أمة إلا بتطبيقه، والتحاكم إليه، وإقامة حدوده، ونشر تعاليمه، والكل منا يعلم ما يحصل في بعض بلاد المسلمين، من التفكك بين الشعوب وقادتها، وعدم الأمن، واضطراب الأحوال، بسبب الانحراف عن تعاليم الإسلام، وعدم تطبيق شريعة الله على عباد الله، فساءت بذلك أحوالهم، وكثر الاختلاف والنزاع فيما بينهم، وهذا مصداق ما روي عن ابن عباس t قال: (( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله باسهم بينهم )) ونحمد الله أن وفق قادة هذه البلاد لتطبيق شريعة الله وتنفيذ أحكامها، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فعم العدل في ربوعها، والأمن في أرجائها، ورغد العيش في أنحائها، والتآلف بين أفرادها ومستوطنيها .

أيها المؤمنون: استقيموا على طاعة مولاكم، ولا تعرضوا عن إلهكم بعد إقبالكم عليه في الشهر الكريم، شهر الصيام والقيام، فالإله هو الرب  المعبود في رمضان وجميع الأزمان، فاستقيموا إليه واستغفروه لعلكم ترحمون، وتذكروا عباد الله بهذا الاجتماع اجتماعكم يوم العرض الأكبر على الله{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] في ذلك الموقف حين ينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 88 - 96].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابهن ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، واعبدوه حق عبادته، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله: عليكم بالتخلق بأخلاق القرآن، والتأدب بآداب سيد الأنام، حسنوا أخلاقكم مع إخوانكم المؤمنين، مع أقاربكم، وجيرانكم،  فما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق. حسنوا أخلاقكم مع أهليكم وأزواجكم فقد قال r : (( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم )) ([8]).

أيتها المرأة المسلمة: اتقي الله، وحافظي على ما أوجب الله عليك، في دينك وأمانتك، وما استرعاك الله عليه، مري أبناءك بالصلاة، وعوديهم على الطاعات، وعلى الصدق، والأمانة، ومكارم الأخلاق، وحذريهم من الكذب، والغيبة، والنميمة، وبذاءة اللسان، حافظي على كرامتك،  وعرضك، لا تزاحمي الرجال في الأسواق، والمتاجر، والتجمعات.

أيها المؤمنون والمؤمنات: إن الله أوجب على الأمة الإسلامية التعاون على البر والتقوى، والتناصح فيما بينها، والنصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

عباد الله: اشكروا الله على ما حباكم من نعمة الأمن والاستقرار، وعلى ما هداكم ومن عليكم من نعمة دين الإسلام،وتحكيم شريعة الله في هذه البلاد، وعلى تواجد الخيرات والأرزاق فيها، وتذكروا ببهجتكم  وسروركم في هذا اليوم المبارك المعوزين والمضطهدين في بعض الأقطار من إخوانكم المسلمين، الذين تعلو وجوههم الكآبة والحزن، وترجف قلوبهم من الخوف وقلة الأمن بمطاردة أعدائهم، أعداء الإسلام بالقنابل المحرقة،  والأسلحة الفتاكة، وبالاضطهاد  في  دينهم وحريتهم وكرامتهم، يغتصبون بلادهم وأوطانهم{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج: 8] وهم مع ذلك صابرون مناضلون في بسالة وتضحية، فهذا شهيد، وذاك جريح، وآخر أسير، فكم أيموا النساء، ويتموا الأطفال، وشتتوا الأسر، وفرقوا بين الأمهات وأطفالهن،فتذكروا إخوانكم في تلك البقاع، واشكروا الله على أمنكم واستقراركم.

وإن من شكر النعم القيام بأمر الله، والإحسان إلى أولئك المجاهدين، والمضطهدين، وإسعافهم بما تجود به نفوسكم من أموالكم، ومما رزقكم الله، شكرًا لله على نعمه، وإعانة لإخوانكم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، والراحمون يرحمهم الرحمن، وإن الصدقة تدفع البلاء، وتزيد في المال{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }[التغابن: 17].

عباد الله: إن نبيكم r قد ندبكم لصيام ستة أيام من شوال ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب t أن رسول الله r قال: (( من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر )) ([9]) فبادروا إلى فعل الطاعات، وتسابقوا إلى الخيرات.

ألا وصلوا عباد الله على خير البرية أجمعين، ورسول رب العالمين، نبي الهدى، والرسول المجتبى، فقد أمركم مولاكم بذلك في محكم كتابه{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار، وصحابته المهاجرين منهم والأنصار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن العشرة المفضلين، وأهل بدر، والعقبة، وعن أصحاب الشجرة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا يارب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وأفغانستان، وفي جميع أقطار المسلمين، وفي كل موطن يضطهد فيه عبادك المؤمنون، اللهم قوي عزائمهم، وسدد سهامهم، وآراءهم، وأجمع كلمتهم على الحق والهدى، اللهم اغفر  للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، ووفق ولاة أمورهم للعمل بكتابك، وبسنة نبيك .

اللهم احفظ إمامنا بحفظك، وأيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وأيده بالإسلام، وأيد الإسلام به، وانصر به الحق وأهله، واجمع به كلمة المسلمين يارب العالمين. اللهم كن له على الحق مؤيدًا ونصيرًا، ومعينًا وظهيرًا. اللهم اجعل بطانته صالحة تعينه على الحق إذا ذكر، وتذكره إذا نسي.

اللهم ادفع عنا وعن جميع المسلمين كل ذي شر وفساد، ومكر وعناد،  اللهم من أراد ببلاد المسلمين سوءًا فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وعمله وبالًا عليه. اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا ، وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل: 90] فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

([2])    رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (137)، والنسائي في كتاب آداب القضاة، رقم (5324).

([3])    رواه أبو داود في كتاب الأدب، رقم (4972)، وأحمد في مسنده (5/401).

([4])    رواه مسلم في المقدمة رقم (5).

([5])    رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (49).

([6])    رواه البخاري في كتاب الأدب (6066)، ومسلم في كتاب البر والصلة رقم (2563).

([7])    رواه البخاري في كتاب الأدب (10/438) ومسلم في كتاب البر والصلة رقم (2586).

([8])    رواه الترمذي في متاب الرضاع، رقم (1162)، وأحمد في مسنده (2/250).

([9])    رواه مسلم في كتاب الصيام رقم (1164).

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 2خطبة عيد الفطر المبارك 1412هـ.doc102.5 كيلوبايت
 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تتنزل الرحمات، أحمده سبحانه شرع لنا الأعياد، وأفاض لنا السرور، ونور  قلوب المؤمنين بنور التقوى والحبور، وأشكره على آلائه ونعمه، وتوفيقه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى،{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود." data-share-imageurl="">