قبس من دعوة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)

 

الحمد لله الذي منًّ على هذه الأمة ببعثة أفضل المرسلين، واختصها بأكمل وأفضل شرائع الدين, أحمده سبحانه وأشكره, وشكره واجب على جميع العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, سيد الخلق أجمعين, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد: فيا عباد الله, اتقوا الله -تعالى- واشكروه على ما هداكم إليه, وما خصكم به من النعم التي تفوق العد والحسبان, وتذكروا الأحوال التي كانت عليها الأمم قبل بعثة الرسول الكريم r, لا سيما العرب فإنهم كانوا في جاهلية جهلاء, وضلالة عمياء, كانت فيهم الشرور المتنوعة, ضلال في العقائد والعبادات, يعبدون الأوثان, ويسجدون للأصنام, ونسوا خالقهم، وفاطر الأرض والسماوات، كان فيهم الفساد في الأخلاق, فيهم الجفاء والغلظة, فيهم الفرقة والخلاف, فيهم التفكك والشتات, فيهم التحاسد والتباغض، والتدابر والتنافر، فيهم السلب والنهب، فيهم قتل الأولاد، ووأد البنات، فيهم القساوة والشدة، نزعت الرأفة والرحمة من بينهم، فلما منًّ الله ببعثة هذا النبي الكريم، الرؤوف الرحيم؛ جمع الله به الشمل، وأسعد به بعد الشقاوة، وهدى به بعد الضلالة، وليًّن به القلوب بعد القساوة، وطهرها بعد تلوثها بأوضار الشرك والمعاصي، ونوّرها بعد ظلمة الجهل بنور الوحيين, عالج أمراضها الفتاكة في الأخلاق والمجتمعات بأنجع الوسائل, وأيسرها علاجًا سماويًا، سما بالنفوس إلى المراتب العالية بدعوته إلى الله، بدعوته إلى الحق، دعوته إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، دعوته إلى قطع علائق الخوف، والرجاء والرغبة والرهبة من أي حد سوى الله.

دعاهم إلى أن يتوجهوا بقلوبهم، وأفئدتهم، وأعمالهم إلى الله وحده، يتوجهون إليه بالمحبة المتضمنة للذل والخضوع، والانكسار له وحده، يتوجهون إليه بالدعاء والخشية والإنابة والتوكل عليه، دعاهم إلى إخلاص جميع أنواع العبادة لله، دعاهم إلى كلمة التوحيد، إلى قول: لا إله إلا الله، دعاهم إلى قوله U :{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].

حينما دعاهم إلى التوحيد، ورسخ في نفوسهم أمرهم بأهم العبادات بعد الشهادتين، وأوجب الواجبات بعد التوحيد، إلى الصلوات الخمس، إلى الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه؛ المشتملة على أنواع الذل والخضوع لله، ففيها الوقوف والإطراق والذل بين يدي إلهه، وعدم الالتفات بقلبه وقالبه لغير ربه، فيها تلاوة أم القرآن، وما تضمنته من التحميد والتعظيم والإقرار بالعبودية، وطلب الاستعانة والهداية منه وحده، ففيها الركوع والانحناء، وطأطأة الرأس، والانكسار بين يدي رب العزة؛ فيها السجود ووضع أشرف الأعضاء وهو الوجه على الأرض، يضع أنفه وجبينه ويديه وبقية أعضاء السجود على الأرض، تواضعا وذلا لمولاه، إنها حقا لمن أعظم العبادات، وأشرفها، وأكثرها ثوابا لمن أداها بخشوعها، وأركانها وواجباتها وسننها، لقد أرشد المصطفىr إلى أن تؤدى جماعة في بيوت أذن الله أن ترفع؛ لتكون مثابة للمؤمنين، يتوجهون إلى الله متساوية قبلتهم وصفوفهم، لا تفاضل بين فقيرهم وغنيهم، وأميرهم ومأمورهم، تصفو فيها قلوبهم وتزكو نفوسهم، وتتوثق روابط الألفة، وأواصر المحبة بينهم، وذلك درس عظيم من دروس الإسلام، ومجتمع رفيع من مجتمعات الدين الإسلامي، لا يطاوله تعليم من تعاليم المدنية، ولا نظرية من النظريات الفلسفية، لقد اعتنى ديننا بصيانة المجتمع من الأمراض الخلقية، عن طريق التآلف والتعاطف والتوادد، يحقق ذلك كله شهود الجماعة في الأعياد والجمع والأوقات.

واهتم بالنظافة لهذه الاجتماعات؛ دفعا لما يتأذى به المؤمنون، وصيانة لسلامة المجتمع وصحته، أمر بنظافة البدن والثوب والمكان الذي تؤدى فيه هذه الصلاة، حث على التطيب وأخذ الزينة عند الذهاب والتوجه إلى هذه البقعة لأداء الصلاة، وهي المساجد كما قال U: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أمر بقطع الروائح الكريهة، وعدم قربان المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا، وعلى قياسه كل من لابس شيئا مما تكرهه النفوس، وتنفر منه، ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: « من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا. أو قال: فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته ».

عباد الله: إن المساجد لها أثرها الفعال في تقويم الأخلاق، والتنشيط على العبادة، والتفقه في الدين، لقد كانت المساجد دورا للفتوى، ومعاهد للدراسات، ومنطلقا للدعوة والتوجيهات، جددوا عباد الله مهمة المساجد بالمحافظة على الجماعة، بالمحافظة على الوعظ والتذكير بالتدريس والتوجيه، بتلاوة القرآن، بتعلمه وتعليمه، بمدارسة سنة المصطفىr، والتفقه بها أعطوها حقها من الإجلال والتعظيم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36،37].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله العليم الحكيم، شرع الشرائع، وأشاد منار الدين، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على ما هداكم، وعظموا أوامر ربكم، واستقيموا إليه، واستغفروه، ألا وإن من أعظم أنواع الاستقامة؛ الاستقامة على الفرائض، ومن أهمها هذه الصلاة التي هي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فحافظوا على أدائها جماعة في المساجد، فإن المحافظة عليها في المساجد من علامات الإيمان لقوله r: « إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان » .

ومن فوائد الصلاة في المساجد: كثرة الخطا إليها التي تكتب بها الحسنات، وتحط بها الخطيئات، ومنها: سماع الذكر، والمواعظ النافعة في الدين والدنيا، ومنها: أن يكتب له ثواب صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، ومنها: أن الملائكة تدعو له ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فحافظوا عليها رحمكم الله.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 4 - قبس من دعوة الرسول الكريم.doc73 كيلوبايت
 

الحمد لله الذي منًّ على هذه الأمة ببعثة أفضل المرسلين، واختصها بأكمل وأفضل شرائع الدين, أحمده سبحانه وأشكره, وشكره واجب على جميع العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, سيد الخلق أجمعين, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين." data-share-imageurl="">