من منافع الحج ومناسكه

الحمد الله الذي جعل بيته حرماآۤمنا، وجعل حجه على المستطيع فرضا لازما أحمده سبحانه وأشكره على فضله إحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوه وامتثلوه أمره ولاتعصوه واشكروه على هدايتكم إلى دينه الذي ارتضاه لنفسه، ورضيه لنا دينا. وبناءه على خمس دعائم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإقام الصلاة. وإيتاء الزكاة. وصوم رمضان. وحج البيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.

ففي الشهادتين الإقرار بالتوحيد وإخلاص العمل لله. وتجريد المتابعة للمرسل r، وقصر أنواع العبادة لله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته، فلا خوف ولا رجاء إلا من الله، ولا رغبة ولا رهبة إلا إليه ولا توكل ولا اعتماد إلا إليه ولا دعاء إلا إليه: إن الدعاء هو العبادة، كما في الحديث، بل هو مخ العبادة: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر:13،14].

 إن في إقام الصلاة والمحافظة عليها القرب من الله سبحانه، والتذلل بين يديه، والتعرض لمغفرته ورضوانه.  إنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وإن في إيتاء الزكاة تزكية النفوس وتطهيرها من الشح والبخل، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وتنمية الأموال. إن في الصيام تعويد النفس على الصبر في طاعة الله ومضاعفة الأجر.

 أما الحج ففيه تحمل المشاق وإتعاب البدن والسخاء بالمال، فقد اشتمل على العبادة البدنية والمالية، وفيه تتجلى عظمة الإسلام، ومقاصده السامية، وأهدافه النبيلة، ففيه تعارف المسلمين على اختلاف شعوبهم وأوطانهم في مجتمع إسلامي كبير، يتجدد كل عام لا يشبهه أي تجمع في الدنيا. إن اجتماع المسلمين في عرفات يذكر باجتماع الخلائق يوم الحشر والميعاد، يوم العرض والحساب، يوم تجزي كل نفس بما كسبت إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ذلك يوم التغابن ذلك:{ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].

 إن المسلمين في وقوفهم بعرفة وتذكرهم لهول ذلك الموقف الرهيب تعلوهم الهيبة والخشوع، والذل والانكسار، بين يدي ربهم ومليكهم، كاشفي رؤوسهم، متذكرين بلباسهم هذا حلة خروجهم من الدنيا وتجردهم منها فكأنهم تجردوا لله عن أمور دنياهم، وأقبلوا عليه طالبين مغفرته ورضوانه، مستجيبين لدعوة خليل الرحمن، حينما أمره الله بالنداء لحج هذا البيت الحرام بقوله سبحانه:{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } [الحج: 27].متبعين ما رسمه لهم سيد الأنام محمد r حينما حج حجة الوداع، وقال في المشاعر المعظمة: (( خذوعني مناسككم )).

 إن المسلم يتذكر هاهنا كيف نشأ الإسلام في هذه البقاع غريبا، ثم انتشر في ربوع الدنيا، و كيف ثبت بفضل الله ورحمته، وسيطر بالحق على أكبر نواحي المعمورة حينما جاهد أهله، جاهدوا أنفسهم، وجاهدوا أعداء الله، وطبقوا تعاليمه، صغيرها و كبيرها على أنفسهم وعلى كل أحد، صغير وكبير، وسيد ومسود، و أمير و مأمور، و غني و فقير.

 ثم تأملوا ما وصل إليه المسلمون اليوم من ضعف و تشتت، بسبب بعدهم عن حقيقة دينهم، وعدم تطبيقه، ورغبة الكثيرين عنه، فلما ضيعوا أمر الله أضاعهم الله، جزاء وفاقا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }[محمد: 38].

أيها المسلمون: راجعوا دينكم، وارجعوا إلى ربكم، وتمسكوا بهدي نبيكم، يحصل لكم العز والتمكين والنصر المبين: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد: 7].

 عباد الله: إنكم في هذا اليوم ذاهبون إلى منى والسنة أن تصلوا صلاة الظهر فيه قصراً في وقتها، وصلاة العصر قصراً في وقتها، وتصلون صلاة المغرب في وقتها، وتصلون صلاة العشاء قصرا في وقتها، ثم تصلون صلاة الفجر في وقتها و بعد طلوع الشمس تذهبون إلى عرفات فإذا زالت الشمس سن لكم أن تصلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً في أول وقت الظهر، كفعل نبيكم r ثم تقفون بعرفات، وتكثرون الدعاء والاستغفار، والتوبة الصادقة، والالتجاء إلى الله، بمغفرة الذنوب، والثبات على دينه. وتلحون في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء، وتكررون الذكر الوارد عنه r في دعائكم بعرفة، فقد كان يكثر من قوله: ((لاإله إلاالله وحده لاشريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)).

 ثم بعد غروب الشمس تذهبون إلى مزدلفة، فإذا وصلتم إليها صليتم المغرب والعشاء جمعا، وتقصرون صلاة العشاء؛ إذا هذه سنة رسول الله r، وتبيتون بها، ثم في أول وقت الفجر تصلونها، وتقفون تذكرون الله، وتدعونه، ثم تنصرفون قبيل طلوع الشمس.

 أما الضعفة من النساء والصبيان فقد رخص لهم بالانصراف بعد نصف الليل ويتحقق ذلك بغروب القمر تلك الليلة، فإذا وصلتم إلى منى رميتم جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نحر الهدي من كان معه الهدي، وحلقتم رؤوسكم أو قصر تم، ثم تذهبون إلى البيت الحرام في ذلك اليوم إن تيسر، وإلا بعده، وتطوفون طواف الإفاضة، ويسعى من كان قرنا أو مفردا - إذا لم يكن سعى مع طواف قدومه - ومن كان متمتعا فعليه سعي لحجه غير سعيه لعمرته، ثم ترجعون إلى منى وتبيتون بها ليالي أيام التشريق الثلاثة، وترمون الجمار ومن شاء أن يتعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه.

ثم لم يبق عليكم من أعمال حجكم سوى طواف الوداع عند إرادة السفر ويكون وداع البيت آخر شيء يعمله الحاج. اللهم تقبل منا جميع المسلمين، وارزقنا جميعا التمسك بكتابك و سنة نبيك.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ }[الحج: 27، 28].

  نفعني الله وإياكم بالقران الكريم وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد الله حمدا كثيرا كما أمر، وأشكره، وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد البشر، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد واله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله - تعالى - حق تقاته، اتقوه في جميع أفعالكم وأحوالكم، اتقه في حركاتكم وسكناتكم. اتصفوا بالتسامح والرفق فيما بيناكم.

الكثير منكم في الطريق إلى الحج إلى الوقوف بعرفات وبالمشعر الحرام ربما يحصل له شيء من المضايقات فينبغي للمسلم أن يتصف بالتسامح والتحمل والحرص على الكلام اللين وترك الفاحش من الكلام.

على المسلم أن يجعل هذه الآية الكريمة نصب عينه وهي قوله U :{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }[البقرة: 197].

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 11من منافع الحج ومناسكه.doc76 كيلوبايت
الحمد الله الذي جعل بيته حرماآۤمنا، وجعل حجه على المستطيع فرضا لازما أحمده سبحانه وأشكره على فضله إحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوه وامتثلوه أمره ولاتعصوه واشكروه على هدايتكم إلى دينه الذي ارتضاه لنفسه، ورضيه لنا دينا." data-share-imageurl="">