وجوب امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه

 

الحمد لله الكبير المتعال، له العزة والمجد والإجلال، أحمده سبحانه، وأشكره على جوده المتوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، من نال بحسن خلقه غاية الكمال، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، أفضل الخلق أجمعين، وأزكى الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، وأطيعوه، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، واعلموا أن على المسلم حقوقًا أوجبها الإسلام، وحث عليها، وجعلها من مقومات الدين، ورتب عليها الثواب العظيم، والفضل الجسيم . يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90] .

فالله عز وجل يأمر بالعدل فيما يتعلق بحقوقه وما افترضه على عباده، وبالعدل فيما يتعلق بحقوق العباد بعضهم مع بعض، والعدل هو القيام بالواجب على وجهه سالمًا من التفريط والإفراط، ومن أعظم ما يدخل فيه من حقوق الله، تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، علمًا، وعملًا، واعتقادًا، ومحبة ً وإجلالًا، وتعظيمًا، ظاهرًا، وباطنًا، والقيام بما هو من حقوقها ولوازمها، وهو أداء الفرائض، والواجبات الشرعية بإخلاص، ونية صادقة، وتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله بمحبته وطاعته r، ومتابعته متابعة صادقة، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، سواء ما يلائم النفس، أو ما لا يلائمها، لقوله r: (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) ([1]).

وأمر سبحانه بالإحسان، وهو أمر بالعطف والبر والصلة والشفقة على من تحت يدك، وعلى المحتاجين إليك، بجاهك، وبعلمك، ومالك، وما استطعت من أصناف الإحسان وضروب الخير واستعمال الرفق في جميع شؤونك، عملًا بقوله r: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء » ([2]) ، وقد أخبر سبحانه بمحبته للمحسنين بقوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[البقرة:195].

وأمر سبحانه بإيتاء ذي القربى، أي إعطاء القرابة حقها، من صلة وزيارة، ومساعدة، بما يحتاجونه منك، وأكد سبحانه حق القرابة في عدة آيات من كتابه، قال عز وجل:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ }[النساء:1] ويقول عليه الصلاة والسلام: (( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه )) ([3])، ومعنى ينسأ له في أثره: أن يؤخر في أجله وعمره، وإن أحق القرابة بالبر الوالدان ثم الأقرب فالأقرب .

ونهى سبحانه عن الفحشاء والفحشاء كل أمر قبيح فاحش من الأمور التي حرمها الشرع وحذر منها، وعن المنكر أي ما أنكره الشرع وحذر منه، ومن أعظم المنكرات الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، والزنا، وعقوق الوالدين، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله .

ونهى سبحانه عن البغي، وهو التطاول على الناس بالظلم والتكبر عليهم، والازدراء لهم، والحقد، والحسد، وإن البغي عاقبته وخيمة ويخشى من تعجيل عقوبته في الدنيا، مع عقوبة الآخرة، ويعود وباله وثمرة بغيه على من اتصف به يقول سبحانه: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ }[يونس:23] .

ولقد حذر منه r بقوله: « إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفجر أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد » ([4]).

أيها المسلمون: هذه أوامر ونواه إلهية، يجب على كل مسلم امتثال أوامرها، واجتناب نواهيها، وهي مواعظ قرآنية، ينبغي تذكرها في كل حين، ويجب العمل بها بقدر المستطاع، وهي تعاليم من تعاليم ديننا الحنيف، يحرص المسلم أن يتصف بها ليتم إسلامه، ويكمل إيمانه، ويكون من عباد الله المؤمنين، الذين وعدهم الله مغفرة، وأجرًا عظيمًا .

ولقد كان من توجيهاته r ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه » متفق عليه ([5]). وعند الترمذي والنسائي: « والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم » ([6]) وعند البيهقي: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله » وسئل r عن الإسلام فقال: « أن يسلم قلبك لله عز وجل، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» ([7]).

فاتقوا الله عباد الله{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }[البقرة:281] .

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

([1])    ذكره النووي في الأربعين وقال: حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .

([2])    رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان رقم (1955) .

([3])    رواه البخاري في كتاب الأدب رقم (5986) .

([4])    رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم (2865) .

([5])    رواه البخاري في كتاب الإيمان، رقم (10)، ومسلم في كتاب الإيمان، رقم (41) .

([6])    رواه الترمذي في كتاب الإيمان، رقم (2627)، والنسائي في الإيمان وشرائعه رقم (4995) .

([7])    رواه أحمد في مسنده (16579) .

 

الحمد لله الكبير المتعال، له العزة والمجد والإجلال، أحمده سبحانه، وأشكره على جوده المتوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، من نال بحسن خلقه غاية الكمال، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، أفضل الخلق أجمعين، وأزكى الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ." data-share-imageurl="">