الحصول على الحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح

 

 

الحمد لله الهادي إلى طريق السعادة، مَنَّ على من شاء فجعله من أهل الحسنى والزيادة. أحمده سبحانه وأشكره على إفضاله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله - تعالى - حق تقاته، واعملوا لطاعة مولاكم ومرضاته، فإن السعادة الكاملة هي سعادة الدارين، وإليها يسعى ذوو العقول والبصائر، وإن أكبر أسباب السعادة وأعظمها هو الاقتداء والاهتداء بأوامر القرآن الكريم، واتباع طريق الرسول الأمين، والتخلق بأخلاق أصحابه الكرام، والسلف الصالح الأعلام، فلقد جعلوا كتاب الله وسنة نبيه إمامهم، وساروا على نهجه المستقيم، ولم تستول عليهم الشهوات البهيمية ولا النزعات الشهوانية، فأولئك الذين وصفهم خالقهم العالم بظواهرهم وسرائرهم بقوله - سبحانه -: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان: 63 - 66].

وأولئك الذين عرفوا حقيقة الدنيا وأنها عرض زائل، يأكل منها البر والفاجر، وأن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة، فاقتصروا من الدنيا على ما يقيم الأود، ويحفظ المهج، كما قال عليه الصلاة والسلام: (( حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه )).

وإن التقلل من الدنيا، وعدم تعلق القلب وانشغاله بها، سبب قوي من أسباب الراحة العاجلة، والطمأنينة الكاملة، وأقوى العوامل على الإقبال على الله والأنس به، وبذكره، والتلذذ بطاعته وعبادته، وانشراح الصدر لها: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]. وإن طمأنينة القلب وسعادة الحياة ينشدها كل الناس ويبحث عنها، فبعضهم يرى أنها في جمع المال وكثرته بين يديه، فهو غايته، وإن لم يمتع به؛ كما ينبغي.

ويرى بعضهم أن السعادة والطمأنينة تحصل بالراحة؛ راحة الجسم وقلة العمل، والإخلاد إلى الكسل. ويراها بعضهم في حصول الشهوات، ومتطلبات حظوظ النفس من الملاذ، وما تهواه. وكل هذا في الحقيقة لا يجدي شيئا ولا تحصل به السعادة، فإن الدنيا مهما أوتي فيها الإنسان فهي محل الأنكاد والأكدار، وهي مطبوعة على تنغيص الأوقات وتكدير الأحوال، ولا تصفوا على حالة لعاقل.

وإنما الحياة الطيبة والسعادة الأبدية لأهل الإيمان، الذين عرفوا أن الدنيا من أولها إلى آخرها متاع قليل؛ كما قال سبحانه: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]. فأولئك إن حصل لهم نعمة الدنيا لم تكن سببا إلى الركون إليها، ولا الطمأنينة فيها، ولا لأمن مكرها بل هم على حذر من تقلبها. وإن حصل عليهم بؤس وشدة وتكدير بال، وتضييق حال، لم يسخطوا ولم يحزنوا، ولم يهنوا ولم يستكينوا لذلك؛ بل هم كما قال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 146].

فهم يصبرون على ما يصيبهم من اللأواء والشدة، ولا يقنطون من رحمة الله، ولا ييأسون من روح الله، ولا يقلقهم ما يفوتهم من أمور الدنيا وبهجتها ولذتها، ولا يفرحهم الحصول على شيء من ذلك، وإنما كمال سرورهم ومنتهى فرحهم بما يعطيهم الله من مواهبه الدينية؛ من علم نافع وفهم صائب وعمل صالح؛ كما قال سبحانه:{ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وكما قال - جل وعلا - : {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 171]. وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن حصول السعادة والحياة الطيبة في هذه الدنيا، إنما هو لأهل الإيمان مع ما يدخره الله لهم في الآخرة من النعيم المقيم، والثواب الجسيم، فتكمل لهم السعادتان دنيا وأخرى؛ يقول سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].  

فاتقوا الله عباد الله، ولا تغرنكم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها، وقووا إيمانكم بكثرة تلاوة كتاب ربكم، وتفهمه، والعمل به، والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل، وقراءة سيرة نبيكم rوسنته، والاستعداد لما أمامكم، يقول r : «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ».

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الحمد لله الهادي إلى طريق السعادة، مَنَّ على من شاء فجعله من أهل الحسنى والزيادة. أحمده سبحانه وأشكره على إفضاله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله - تعالى - حق تقاته، واعملوا لطاعة مولاكم ومرضاته، فإن السعادة الكاملة هي سعادة الدارين، وإليها يسعى ذوو العقول والبصائر، وإن أكبر أسباب السعادة وأعظمها هو الاقتداء والاهتداء بأوامر القرآن الكريم، واتباع طريق الرسول الأمين، والتخلق بأخلاق أصحابه الكرام، والسلف الصالح الأعلام، فلقد جعلوا كتاب الله وسنة نبيه إمامهم، وساروا على نهجه المستقيم، ولم تستول عليهم الشهوات البهيمية ولا النزعات الشهوانية، فأولئك الذين وصفهم خالقهم العالم بظواهرهم وسرائرهم بقوله - سبحانه -: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان: 63 - 66]." data-share-imageurl="">