اغتنام أيام العمر بالعمل الصالح

 

الحمد لله الباقي على الدوام، يحيى ويميت، وإليه المرجع والمآب، جعل الدنيا دار عمل واكتساب، والآخرة دار جزاء وثواب، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن مرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، مؤذن بزوال الدنيا وخرابها، وعلامة على فناء جميع ما فيها، فكل حي مصيره للذهاب، وكل ما على صعيد الأرض كائن للتراب: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].

 فها أنتم تودعون عامًا قد انقضى، وطويت صحائفه على ما فيها من خير وشر، وفرح وترح، وطاعة ومعصية, فيا سعادة المتقي يوم لقاه، ويا خسارة من شقي يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ذهبت حلاوة المعصية، وبقيت مرارتها، وسوء منقلبها، وذهب نصب العبادة، وبقيت حلاوة ثوابها، وعظم أجرها، وهكذا تنقضي الأعمار كما انقضى هذا العام. وإنكم عباد الله تستقبلون عامًا جديدًا لا يدري أحد منا هل يستكمله أو تخترمه المنية قبل ذلك؟

إنما العمر أنفاس محدودة، وأيام معدودة، وكلنا يعلم ذلك، ولكن حب الدنيا وطول الأمل استوليا على النفوس، وران على القلوب سوء أعمالنا؛ فقست القلوب عن التأثر بالمواعظ، وأعرضت عن الناصح والواعظ، لا تلين عند تذكير ووعيد، ولا تتأثر عند تخويف وتهديد، كأننا من طول الأمل سكارى، والكل معترف بواقعنا هذا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 1، 2].

 أما آن لك أيها الغافل الرجوع إلى ربك، وإصلاح حالك قبل زوالك، أما آن لك أن تتوب إلى ربك من سوء صنيعك، وتستغفره من سيء قبيحك، قبل أن يغلق عنك باب التوبة، فلا يبقى لك سوى الحسرة والندامة، أما آن لك أن تبعد عن مشابهة من قصَّ الله علينا خبرهم، وأوضح لنا نبأهم، وقال معاتبًا عباده المؤمنين ومحذرًا عن مشابهتهم:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

فيا عباد الله، الله  الله في استدراك ما مضى بالتوبة والإنابة، وإصلاح ما بقي في طاعة مولاكم، والمحافظة على ما أوجب عليكم، والبعد عما حرم عليكم، فقد أفلح من أطاع ربه، وخسر من تمادى في ذنبه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 1 - 7].

ولا تكونوا عباد الله من المعرضين عن طاعة الله، النابذين لأوامر ربهم، فما أسوأ حالهم، وما أشد أسفهم حينما يتساءل المؤمنون، وهم في نعيمهم، وينادون المجرمين وهم في جحيمهم يقولون توبيخًا لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ  } [المدثر: 42 - 48].

 ما أعظمها من خسارة! وما أشدها من حسرة! أولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا يعملون، أولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، ذلك يوم التغابن: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} [عبس: 34 - 37]

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 7اغتنام أيام العمر بالعمل الصالح.doc67 كيلوبايت
 

الحمد لله الباقي على الدوام، يحيى ويميت، وإليه المرجع والمآب، جعل الدنيا دار عمل واكتساب، والآخرة دار جزاء وثواب، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">