تحقيق الإيمان

 

الحمد الله على جوده وإحسانه، وأشكره على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، اتقوه بقلوب صادقة، وأعمال مخلصة، وأفعال مستقيمة، حققوا إيمانكم بربكم بالعمل بما يرضيه، وأداء ما أوجبه عليكم من أعمال القلوب، وأعمال الأبدان، فإن تحقيق الإيمان إنما يكون بالأعمال الصالحة المنبئة عما تكنه الضمائر، وما يختلج في القلوب، واحذروا مما قد يتوهمه، أو يقصد التلبيس به بعض الناس الذين ضعف الإيمان في قلوبهم، وثقلت الطاعات عليهم، وغلبت الشهوات على نفوسهم، ومع ذلك يدّعون الإيمان الكامل، ويدعون الاستقامة في الدين، وهم في الحقيقة لم يتصفوا بما تسمَّوا به، ولم يعملوا بما يقولون بألسنتهم، فإن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقرفي القلوب، وصدقته الأعمال؛ولهذا يقول بعض الناس إن الدين في الضمير، والإيمان بالقلب، وهم لا يقصدون بهذه المقالة الموهمة الإيمان الذي هو الإيمان بالله، وملائكته، كتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، والالتزام بأداء أركان الإسلام، وإنما يقصد أهل هذه المقالة في هذا الوقت:الاكتفاء بما يدّعون في قلوبهم بدون عمل، وبدون التزام بشرائع الله، وما افترضه الله على عباده من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم والحج، يريدون أن يكونوا مؤمنين بمجرد الدعوى الخالية من الحقيقة تلبيسًا، وتدليسًا، وتوهيمًا لضعفاء البصيرة، وتغريرًا بهم، يريدون أن يكونوا في عداد المسلمين، وهم لم يصدقوا في إيمانهم، ولم يركعوا لله ركعة، ولم يصوموا. هل يكون مؤمنا من لم يحقق إيمانه؟ هل يكون مؤمنا من لا يؤدي الصلاة؟ والنبي r يقول: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ».

هل يكون مؤمنا من لا يؤدّي زكاته معتقدًا أنها ليست واجبة؟هل يكون مؤمنًا من لا يحج ولا يصوم ولا يلتزم بفعل المأمورات الشرعية، مدعيًا أن هذا ليس من الدين وأن الدين في الضمير فقط؟ لو كان صادقًا في دعواه بما في ضميره لنهاه عن ارتكاب المنكرات، واتباع الشهوات، لو كان صادقا في دعواه لهداه ضميره للقيام بالواجبات الشرعية، والأوامر الإلهية، لو كان صادقا في دعواه لاتصف بصفات المؤمنين حقا الذين وصف الله لنا أعمالهم وبيّن لنا أفعالهم بقوله سبحانه: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال:2-4].

هذه صفات عباد الله المؤمنين، فمن ادّعى أنه مؤمن فليعرض نفسه وعمله على هذه الآية، هل هو متصف بها أو لا؟أما من يدّعى الاتصاف بالدين وهو لم يعمل عمل المسلمين، ولم يتصف بصفات المؤمنين، ولم يؤد ما أوجب الله عليه من أركان الدين، فهل يكون مؤمنا حقا؟والله U بيَّن لنا حقيقة الدين بقوله سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[البينة:5].

أما من أعرض عن كتاب الله، وابتعد عن هدي رسول الله، ولم يحكم بما أنزل الله، ولم يعمل بما أوجب الله عليه من الأعمال التي جعلها رسول الله أركانا للدين، ودعائم للإيمان، فكيف يكون مؤمنا؟لهذا تجد كثيرا من هؤلاء الذين ثقلت عليهم التكاليف الشرعية، والأوامر الإلهية، وأطلقوا العنان لأنفسهم في ارتكاب المحظورات، وترك المأمورات، واتباع الشهوات يقولون: (الدين في الضمير) دعوى مجردةٌ من الحقيقة، إنهم لو صدقوا في دعواهم؛لظهر ذلك على ألسنتهم بكثرة ذكر الله، وتلاوة كتابه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقيام بالواجبات، والبعد عن المحرمات، ولكن واقع أصحاب هذه المقالة بعكس ذلك، فإن أفعالهم تنبئ عن عدم صدقهم في دعواهم، وإنما يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، كما يقول المنافقون:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة:14].

فاحذروا عباد الله من هؤلاء المضللين، وكونوا مع الصادقين في إيمانهم، الصادقين في أقوالهم، المخلصين في أعمالهم:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(16)الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:16- 17].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 1 - تحقيق الإيمان.doc71.5 كيلوبايت
 

الحمد الله على جوده وإحسانه، وأشكره على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، اتقوه بقلوب صادقة، وأعمال مخلصة، وأفعال مستقيمة، حققوا إيمانكم بربكم بالعمل بما يرضيه، وأداء ما أوجبه عليكم من أعمال القلوب، وأعمال الأبدان، فإن تحقيق الإيمان إنما يكون بالأعمال الصالحة المنبئة عما تكنه الضمائر، وما يختلج في القلوب، واحذروا مما قد يتوهمه، أو يقصد التلبيس به بعض الناس الذين ضعف الإيمان في قلوبهم، وثقلت الطاعات عليهم، وغلبت الشهوات على نفوسهم، ومع ذلك يدّعون الإيمان الكامل، ويدعون الاستقامة في الدين، وهم في الحقيقة لم يتصفوا بما تسمَّوا به، ولم يعملوا بما يقولون بألسنتهم، فإن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقرفي القلوب، وصدقته الأعمال؛ولهذا يقول بعض الناس إن الدين في الضمير، والإيمان بالقلب، وهم لا يقصدون بهذه المقالة الموهمة الإيمان الذي هو الإيمان بالله، وملائكته، كتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، والالتزام بأداء أركان الإسلام، وإنما يقصد أهل هذه المقالة في هذا الوقت:الاكتفاء بما يدّعون في قلوبهم بدون عمل، وبدون التزام بشرائع الله، وما افترضه الله على عباده من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم والحج، يريدون أن يكونوا مؤمنين بمجرد الدعوى الخالية من الحقيقة تلبيسًا، وتدليسًا، وتوهيمًا لضعفاء البصيرة، وتغريرًا بهم، يريدون أن يكونوا في عداد المسلمين، وهم لم يصدقوا في إيمانهم، ولم يركعوا لله ركعة، ولم يصوموا." data-share-imageurl="">