مكانة الإيمان والعمل الصالح

 

الحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، ومنَّ علينا بلباس الإيمان خير لباس، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مجيب السائلين، ومثيب العاملين . وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وقدوة الصالحين . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بالإيمان والإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحققوا إيمانكم بربكم بالعمل بما يرضيه، والبعد عن أسباب سخطه ومعاصيه، فإن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال . إن الله سبحانه وصف المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح، وفي كل موطن ذكر فيه الإيمان أردفه بذكر العمل الصالح، فالإيمان المجرد من العمل الصالح ومن القيام بأداء الأركان الإسلامية والأوامر الإلهية لا يفيد صاحبه شيئًا، ويكون مجرد دعوى لا حقيقة لها، لأنه بدعواه الإيمان المجرد من العمل ما زاد أن لبس سترًا رقيقًا لا يستر عورة، ولا يقي من حر أو قر، وإنما ينم عن هوى متبع ومحبة للفسوق والفجور، وإذا تخلف العمل دل على تخلف الإيمان، ولذلك أجمع الصحابة y على قتال من ادعوا الإيمان وامتنعوا من أداء الصلاة وأداء الزكاة، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا }[الكهف:107] ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] ويقول جل شأنه: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة:17].

وأما العمل بدون إيمان فهو لا يفيد صاحبه، ولا يغني عنه شيئًا، ولا يعدوا أن يكون مظهرًا من مظاهر التزييف والنفاق وهو عند الله عمل غير صالح، يقول سبحانه: { أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[الأحزاب:19]،{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].

لقد اقتضت حكمة الله أن جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، وأمرهم سبحانه بالعمل الصالح:{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[المؤمنون:51] فدعاهم للقيام بالعمل الصالح، النابع من صميم الإيمان، طاعة لله، وخضوعًا لعظمته، وجلاله، وبعدًا عن التعاظم والتكبر على الله، وعلى عباد الله، حتى لا تكون حياة هذه الأمة خسرًا، وسلوكها ونهجها زورًا، وعملها هباء منثورًا، وحث عباده المؤمنين على أن يراقبوا الله في عملهم، ويبتغوا به وجه الله حتى يكون عملهم خالصًا لله، صوابًا على وفق شريعة الله، وهدي نبيه r، حقًا لا يخالطه الباطل، وصدقًا لا يشوبه الكذب، محققًا للنفع العظيم في الدنيا والآخرة .

عباد الله: ربما ظن بعض الناس ممن غلبت عليهم الشهوات، وثقلت عليهم الطاعات، واستولت عليهم الأنفس الأمارة بالسوء، فحسنت لهم الميل إلى الدعة، والركون إلى ترك التكاليف الشرعية، وسول لهم الشيطان فقادهم إلى الأماني والغرور وما تهوى الأنفس، وزج بهم فيما يسخط الله، وفيما يضرهم ولا ينفعهم، قال سبحانه محذرًا عباده من تسويل الشيطان لهم:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[النساء:120] .

عباد الله: ربما اعتقد البعض أن الحرية واللذة لا تكمل له، ولا يتم له التمتع بالشهوات ولا اللذات إلا بالبعد عن الدين، وترك الواجبات، واتباع الشهوات المحرمة والتخلي عن الفضائل، والتحلي بالرذائل، وهكذا تسول له نفسه وتمنيه، ويحسن له الشيطان ذلك بغروره ويعده ويمنيه، ولو فكر تفكير عقل وروية، وتأمل ببصيرة بعيدة عن عواطفه وأمانيه، لعلم أن السعادة الدنيوية، وانشراح الصدر، وحصول الطمأنينة، وهدوء البال، والحياة الطيبة لا يجدها حقيقة إلا بالإيمان بالله والعمل الصالح كما قال سبحانه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:97].

والحياة الطيبة هي السعادة بكل معانيها، فما يظنه بعض الناس من هذه الظنون السيئة التي تبعدهم عن الله، وعن طاعته، ويقولون: إن الإيمان والعمل الصالح نفعه وفائدته متأخرة، وأنها من أعمال الآخرة فقط، وهم إنما يريدون العاجلة، ويذرون الآخرة، ولا يدري هذا القائل أن هذا مجرد ظن خاطئ، وقول بلا علم{ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات:12]. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}[النجم:23] بل إن الإيمان والعمل الصالح ثمرتها تجنى في الدنيا عاجلًا، وفي الآخرة آجلًا، وإن المؤمنين الذين  يعملون الصالحات هم الذين حصلت لهم السعادة التامة في العاجل كما تحصل لهم السعادة الكاملة في الآجل، يقول سبحانه: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران:148].

فمن أراد بعمله الصالح الله والدار الآخرة حصل له النفع والسعادة في الدنيا والآخرة{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

وأما من أراد بعمله النفع الدنيوي فقط، ولم يرد ثواب الآخرة، حصل له ثواب الدنيا، وفاته ثواب الآخرة، يقول سبحانه:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } [الشورى:20]. ويقول سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[هود:15-16]، فعلى المؤمن أن يقصد بعمله الصالح من عبادة الله، وبر بالوالدين، وصلة للأرحام، ومعاملة حسنة، أو صدقات أو إحسان إلى الناس أن يقصد بكل ذلك وجه الله والدارة الآخرة، ليحصل له ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة .

عباد الله: إن ثمرة الإيمان والعمل الصالح يجنيها المؤمن الصادق في دنياه قبل آخرته، ويجد أثرها في نفسه،وفي ذريته، ويحصل له الأمن  والطمأنينة والسكينة والهناء والسلامة من كل قلق روحي أو عناء نفسي .

يقول سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[يونس:62-64] لقد وعد الله سبحانه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن يزرع محبتهم في قلوب الناس تفضلًا منه بدون سعي منهم لذلك، ولا تكلف، فيعترف لهم الخلق بالفضل، ويحبونهم، ويطلقون عليهم كلمات التبجيل، والثناء الجميل. يقول سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }[مريم:96].

إن المؤمن الصادق في إيمانه وعمله، يدفع الله عنه كيد أعدائه، ويصرف عنه أذيتهم. { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }[الحج:38].{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].

بالإيمان والعمل الصالح يحصل التمكين في الأرض والاستخلاف فيها، والأمن والاستقرار،{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[النور:55].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 3 - مكانة الإيمان والعمل الصالح.doc78 كيلوبايت
 

الحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، ومنَّ علينا بلباس الإيمان خير لباس، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مجيب السائلين، ومثيب العاملين . وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وقدوة الصالحين . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بالإيمان والإحسان إلى يوم الدين ." data-share-imageurl="">