الدعوة إلى الله وفضلها

الحمد لله الملك العلام الداعي إلى دار السلام، دعا عباده إلى ما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم، وأمر نبيه أن يدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة. أحمده سبحانه وأشكره في كل آن، وأسأله المزيد من فضله والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العز والسلطان، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى سبيل الرشد والرضوان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه دعاة الحق والصلاح، والتابعين لهم بإحسان.

 أما بعد: فقد قال الله U : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33].

أيها المسلمون: إن هذه الآية الكريمة لهي أدل دليل على أن الدعوة إلى الله من خير الأعمال وأزكاها وأحسنها عند الله؛ الدعوة إليه سبحانه وإلى سبيله؛ الدعوة إليه وحده لا شريك له، لا لمذهب من المذاهب المعارضة لتعاليم الإسلام، ولا لغرض من الأغراض، ولا لهوى من الأهواء المخالفة لهدي القرآن والسنة، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا، هذه هي الدعوة الحقة، دعوة التمسك بدين الإسلام، يدعى لها العربي وغير العربي، يدعى لها القريب والبعيد، يدعى لها الموالي والمعادي. إنها دعوة الحق، إن القيام بها واجب على كل أحد بحسبه؛ ليست مقصورة على طائفة معينة من الناس، ولا زمن مخصوص من الأزمنة، ولا لجيل دون آخر.

هذه دعوة ينال العز والشرف والكرامة كل من قام بها، كائنا من كان؛ سواء أكان عربيا أم غير عربي، وسواء أكان ملكا أم سواه، حكومة أو شعبا. من قام بهذه الدعوة كان منصورا ومؤيدا، يؤيده الله بحفظه وكلاءته ومعونته، ويجعل له أنصارا وأعوانا من عباده المؤمنين {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 40].

جاء عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه تلا هذه الآية الكريـــمة: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33].  فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين.

أيها المسلمون، إن الله شرفكم بالإسلام، وزينكم بزينة الإيمان، فاعرفوا قدر هذه النعمة الكبرى التي هي أعظم نعمة، وقوموا بواجبها، واجتهدوا في تأييدها، واصمدوا في وجوه أعدائها، فإن الله - سبحانه - أمركم بنصرة الحق وأهله وحمايته، وبمقت الباطل وخذلانه، وخذلان أصحابه، حتى لا ينشر الباطل على الناس ظلمه، ولا يشوه الحق بزيفه ويهدم أعلامه.

فاتقوا الله عباد الله، و الزموا الحق وأيدوه، وتواصوا به وآزروه، وكونوا له أعوانا وأبرارا، وجنودا وأنصارا، فلا بقاء لأمة لا تقدس الحق وترفع رايته، ولا خير في مجتمع لا ينصره ويعلي كلمته، فقد كتب الله لأهل الباطل الخيبة والخسران، وكتب لأهل الحق الفلاح والنجاح والعزة والسلطان: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21].

 إن في سيرة خير المرسلين لنا أسوة، وفي طريقة أصحابه لنا قدوة، لقد بذلوا في سبيل الدعوة إلى الله أموالهم ونفوسهم؛ حتى أعز الله بهم الإسلام وأظهره، وأذل بهم الكفر ودمره.

أيها المسلمون: اتقوا الله في دينكم، واعملوا صالحا لأنفسكم، وخافوا عاقبة ما أنتم عليه من التفريط والإهمال، وتمسكوا بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين فإن التمسك بكتاب الله وهدي نبيه r  هو الحق المبين وماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وإن دعاة السوء على الأبواب؛ وقادة الإلحاد قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم في كثير من البلاد، والغزاة المخربين للمبادئ السامية والأخلاق الفاضلة قد شمروا عن ساق الجد والاجتهاد، وليس هناك حصن ينجي سوى هذا الدين، دين الإسلام القويم، الذي ضمن لمن اعتنقه وحققه السيادة والسيطرة والعز والكرامة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الحج: 78].

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

أول الخطبة الثانية

 الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله وحده والاستقامة عليه الدعوة إلى الله؛ الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله r، الدعوة على بصيرة، إنها طريقة الأنبياء والمرسلين، إنها طريقة أفضل الخلق أجمعين، إن الله أمر نبيه محمدًا r  بذلك، يقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108]. دعوة إلى توحيد الله، إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله، لا لمذهب معين، أو نحلة خاصة، أو مبدأ من المبادئ التي لا تتمشى مع هدي الرسول الكريم r، أو دعوة إلى عصبية أو حمية جاهلية، أو قومية، أو وطنية، لا لهذا كله، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وليكون الدين لله وحده، والعبادة لله خالصة من جميع شوائب الشرك والبدع، كما قال سبحانه:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 14 - الدعوة إلى الله وفضلها.doc70.5 كيلوبايت
الحمد لله الملك العلام الداعي إلى دار السلام، دعا عباده إلى ما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم، وأمر نبيه أن يدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة. أحمده سبحانه وأشكره في كل آن، وأسأله المزيد من فضله والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العز والسلطان، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى سبيل الرشد والرضوان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه دعاة الحق والصلاح، والتابعين لهم بإحسان." data-share-imageurl="">