الدعوة إلى الله

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، وفّق من شاء من عباده إلى الطريق القويم. أحمده سبحانه على فضله العميم، وأشكره على نواله الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا الله - سبحانه - حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتّقوه في أعمالكم، اتقوه في أقوالكم، اتقوه في جميع شؤونكم، واعلموا عباد الله أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال، وأنفعها في الحال والمآل، إن الدعوة إلى الله، وإلى توحيده، وإفراده بالعبادة، هي طريقة الأنبياء والمرسلين، بعث الله رسله مبشرين ومنذرين، فبلغوا عن الله أمره، وجاهدوا في سبيل الدعوة حق الجهاد، وقد أثنى الله - سبحانه – عليهم، وعلى أتباعهم في القيام بها، وبيّن أنها من أفضل الأعمال وأزكاها، وأحسنها عند الله، يقول سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

إنها الدعوة إلى الله، وإلى دينه، وإخلاص العبادة له وحده، دعوة إلى تحقيق التوحيد، والاعتماد على الله، وعدم التعلق بأحد من المخلوقين، والأمر بالتضرع والالتجاء والتوكل والرغبة والرهبة إلى الله -سبحانه- الذي بيده كل شيء، وغيره لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا، يقول U: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 13، 14].

لقد أمر الله نبيه محمدًا r أن يعلن بالدعوة إلى الله فقال سبحانه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

 فهذه دعوته r ودعوة من قبله من المرسلين، ودعوة أتباع المرسلين إلى يوم الدين، دعوة إلى إخلاص العبادة لله على علم ويقين من الله، وبراءة من الشرك وأهله، دعوة يراد بها وجه الله، لا لغرض من الأغراض، لا لقومية، ولا لوطنية، ولا لطمع مادي، أو طلب جاه، ولا لهوى من الأهواء المخالفة لكتاب الله أو سنة نبيه، ولا لمذهب يتعارض مع تعاليم الشريعة، دعوة لتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله لله، يدعى لها العربي وغير العربي، يدعى لها القريب والبعيد، يدعى لها الموالي والمعادي، يدعى لها الأفراد والجماعات، إنها دعوة إلى الحق، إن القيام بها واجب على كل أحد بحسبه، ليست مقصورة على طائفة معينة من الناس، ولا في زمن مخصوص، أو لجيل دون آخر، هذه دعوة ينال العزَّ والكرامة والشرف والسعادة كلُّ من قام بها، كائنًا من كان، سواءً كان عربيًا أو غير عربي، وسواءً كان رئيسًا أو مرؤوسًا، حكومة أو شعبًا، من قام بهذه الدعوة كان منصورًا ومؤيدًا، يؤيده الله بحفظه وكلاءته، ومعونته، وتوفيقه، ويجعل له أنصارًا وأعوانًا من عباده المؤمنين: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

روي عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه تلا هذه الآية الكريمة:  {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] فقال رحمه الله: (( هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته وقال: إنني من المسلمين.

أيها المسلمون: إن الله شرفكم بالإسلام، وزينكم بزينة الإيمان، فاعرفوا قدر هذه النعمة الكبرى التي هي أعظم نعمة، وأفضل منة، وقوموا بواجبها، واجتهدوا في تأييدها، واصمدوا في وجوه أعدائها، فإن الله أمركم بنصرة دينه، والوقوف مع الحق وأهله، وحمايته، وبمقت الباطل وخذلانه، وخذلان أوليائه، حتى لا ينشر الباطل على الناس ظلامه، ولا يشوه الحق بزيفه، ويهدم أعلامه، والزموا الحق وأيدوه، وتواصوا به وآزروه، وكونوا له أعوانًا وأنصارًا، وجنودًا أبرارا، فلا بقاء لأمة لا تقدس الحق، وترفع رايته، ولا خير في مجتمع لا ينصره ويعلي كلمته، لقد كتب الله لأهل الباطل الخيبة والخسران، وكتب لأهل الحق الفلاح والنجاح، والعز والسلطان
{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].

إن في سيرة خير المرسلين لنا أسوة، وفي طريقة أصحابه لنا قدوة، لقد بذلوا في سبيل الدعوة إلى الله نفوسهم وأموالهم، حتى أعز الله بهم الإسلام وأظهره، وأذل بهم الكفر ودمره.

أيها المسلمون: اتقوا الله وأدوا أماناتكم بالنصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، واعملوا صالحًا لأنفسكم، وخافوا عاقبة ما أنتم عليه من التفريط والإهمال، وتمسكوا بكتاب ربكم، وهدْي نبيكم، فإن هذا هو الحق المبين، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وإن دعاة السوء على الأبواب، وقادة الإلحاد قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم في كثير من البلاد، والغزاة المخربون للمبادئ السامية، والأخلاق الفاضلة، قد شمروا عن ساق الجد والاجتهاد، وليس هناك حصن يُنجي سوى هذا الدين القويم، الذي ضمن الله لمن تمسك به وحققه الغلبة والسيادة والعزة والكرامـة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8].

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله على نعمائه، وأشكره على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأخلصوا له القول والعمل، واعلموا أيها المؤمنون أن الإسلام يحتم علينا جميعًا القيام بالدعوة إلى الله، بالدعوة إلى دينه، والتكاتف والتضامن بدعوة الناس إلى التمسك به وبتعاليمه، وتحكيم شريعته، والتخلق بأخلاق القرآن، وأخلاق سيد المرسلين، إنها دعوة حق، ملؤها الإيمان والإخلاص، وحب الهداية للآخرين، دعوة شعارها قول صادق، وعمل خالص، وبصيرة نافذة، دعوة إلى الله، وإلى كتابه، وسنة نبيه r ، دعوة لا تقتصر على كلمة تقال في اجتماع، أو تذاع من مذياع، أو تلقى من منبر فقط، بل هي عمل وتعليم، وتخطيط وتنظيم، وبيان وتبيين، ومجادلة بالتي هي أحسن، دعوة يطرق لها كل باب، ويسخر لها كل وسيلة، من مدارس ومساجد وأندية، ومنابر، ومجتمعات ومجالس، وأجهزة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة.

إن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء، وشعار الأتقياء، وعمل الخلفاء، لا عمل أفضل وأحسن منها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 15 - الدعوة إلى الله.doc75 كيلوبايت
الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، وفّق من شاء من عباده إلى الطريق القويم. أحمده سبحانه على فضله العميم، وأشكره على نواله الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا الله - سبحانه - حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتّقوه في أعمالكم، اتقوه في أقوالكم، اتقوه في جميع شؤونكم، واعلموا عباد الله أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال، وأنفعها في الحال والمآل، إن الدعوة إلى الله، وإلى توحيده، وإفراده بالعبادة، هي طريقة الأنبياء والمرسلين، بعث الله رسله مبشرين ومنذرين، فبلغوا عن الله أمره، وجاهدوا في سبيل الدعوة حق الجهاد، وقد أثنى الله - سبحانه – عليهم، وعلى أتباعهم في القيام بها، وبيّن أنها من أفضل الأعمال وأزكاها، وأحسنها عند الله، يقول سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]." data-share-imageurl="">