التخلق بأخلاق القرآن الكريم

الحمد لله العليم الحكيم، أنزل كتابه هدى ورحمة للمؤمنين، وبعث رسوله رحمة للعالمين، يأمر بإخلاص العبادة لله، وبمكارم الأخلاق، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا-عباد الله-أن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق؛ليظهره على الدين كله، بعثه بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، بإخلاص العبادة لله وحده، وبالدعوة لمكارم الأخلاق، والأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والعطف على المساكين، والإحسان إلى الفقراء والأيتام، أنزل عليه هذا القرآن العظيم، الذي جعله نورا وهدى للناس وشفاء لما في الصدور، أنزله لنتدبره، ونتفهم معانيه، ونعمل به، ونأتمر بأوامره، وننتهي عن نواهيه:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

إن أكمل الخلق وأشرفهم وأعلمهم بالله هو رسوله محمد r، الذي وصفه الله بالخلق العظيم في قوله سبحانه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[القلم:4].

ولما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه r قالت: «كان خلقه القرآن». فمعنى هذا أن من أراد أن يقتدي برسول الله، ويتصف بصفاته، ويتخلق بأخلاقه الكريمة التي أثنى الله عليه بها فليتدبر القرآن، ويأتمر بأوامره، وينته عن نواهيه، ويتأدب بآدابه، وليتعرف على سنة المصطفى r، ويتفهمها، وليقرأ سيرته، فإنها تطبيق لما جاء في القرآن الكريم، وتفسير له، فالقرآن يأمر بالتقوى، والنبي r أتقى الناس. يقول سبحانه: { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ }[البقرة:41]. ويأمر بإخلاص العبادة لله وحده:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] [البينة:5]. { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }[الفاتحة:5]. {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }[النحل:51]. { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }[المائدة:23]. {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }[الجن:18]. {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر:13- 14]. {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}[يونس:106] إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بإخلاص العبادة لله وحده، وعدم الالتفات بطلب الحاجات، والعون والمدد إلا من الله القادر على كل شيء: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

إن من أخلاق القرآن الكريم وتعاليمه الأمر بالصبر، والحث عليه، وبيان فضله وعاقبته يقول سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة:153]. { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ }[النحل:127].{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43].

القرآن يأمر بالعدل والقيام بالقسط، ويأمر ببر الوالدين، وبصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والأيتام، وينهى عن الفحشاء والمنكر، ويحذر من البغي، وأذية الناس، وينهى عن التعرض لدمائهم، وأعراضهم، وأموالهم:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل:90].

القرآن يأمر بالعفو والتسامح، والصفح والتحمل، والحلم يقول سبحانه:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].ويقول سبحانه في صفة عباده المؤمنين:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }[الفرقان:63]. أي يقولون قولا سالما من المعائب، سالما من السب والشتائم، سالما من السفه والكلام المذموم، يكرمون أنفسهم عن رديء الكلام.

أيها المسلمون: عليكم بالأخذ بتعاليم القرآن، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه،، والوقوف عند حدوده، والبعد عن مساخط الله والتحلي بمكارم الأخلاق، والبعد عن مظاهر الجبروت والكبرياء، والانتقام من الناس، والاعتداء عليهم، ومحبة الشر والفساد والإضرار بهم.

عباد الله: إن من تخلق بالأخلاق القرآنية الكريمة، واتصف بشمائله السامية، وسلك سبيل الهدى والاستقامة، وسلم المسلمون من لسانه ويده؛ حصلت له السعادة في الدنيا والآخرة:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97].

وأما من أعرض عن تعاليم القرآن، واتصف بسيئ الأخلاق، وتجرد من الصفات الحميدة، وكان مصدرًا للأذى والتمرد، وداعية للتفرق والتنازع ؛فهو حري أن يكون ممن قال الله-تعالى-فيه:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. فمن كان هذا وصفه فقد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

سلك الله بنا وبكم سبيل الهداية، وجنبنا طريق الغواية، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واتبعوا أوامر كتاب ربكم، وخذوا بسنة نبيكم تفلحوا، وتخلقوا بأخلاق القرآن تهتدوا.

لقد ذكر الله من الأخلاق العالية، والصفات السامية، ما قصه عن لقمان حينما وصى ابنه بوصايا نافعة، وخصال حميدة لنتأسَّى ونتصف بها، يقول سبحانه -حكاية عن لقمان في وصيته لابنه-:{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [لقمان:17-19].  

ومن توجيهات نبيكم r: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 1التخلق بأخلاق القرآن الكريم.doc78.5 كيلوبايت
الحمد لله العليم الحكيم، أنزل كتابه هدى ورحمة للمؤمنين، وبعث رسوله رحمة للعالمين، يأمر بإخلاص العبادة لله، وبمكارم الأخلاق، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">