حول مساعدة المضطهدين والمحاربين في دينهم

الحمد لله الرؤوف الرحيم، ذي السلطان العظيم، والمن القديم، والفضل الجسيم، أحمده سبحانه المنعم المتفضل، وعد المتقين في مرضاته بالخلف المعجل {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أغنى وأقنى، وأعطى وأجزل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أكمل الناس هدى، وأزكاهم محتدًا، وأكرمهم نفسًا، وأسخاهم يدًا، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين بذلوا نفوسهم، وأموالهم في سبيل الله، فنالوا المنى والدرجات العلى، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمه التي تترى، وعلى آلائه التي لا تحصى، وتذكروا عباد الله أن الله U عقد الأخوة بين المؤمنين من أجل إيمانهم بربهم، ووصفهم بصفات تتجلى فيها حقيقة الإسلام، وحقيقة الإيمان، ويتبين فيها المؤمن الصادق في إيمانه، والمتصف بحقيقة إسلامه، وجعل سبحانه لذلك علامة تتضح من فعله وسلوكه وبذله ورأفته بإخوانه وتعاطفه معهم، وبذل جهده في سبيل التعاون معهم، بهذه الأوصاف تتجلى صفات المسلم، وبها تتضح حقيقة المؤمن، ولقد قال الله U : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] وقال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا » ([1])،« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » ([2])،« المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه -أي لا يتخلى عنه وقت الشدائد- من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة » ([3]).

عباد الله: هذه صفات وصفها رسول الله r للمسلم الحقيقي الذي اتصف بالإسلام ظاهرًا وباطنًا، سلوكًا وعملًا مع إخوانه المسلمين، المحتاجين إليه، والمضطرين لعونه ماديًا ومعنويًا، وفي هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة يحث r المسلمين على التعاطف والتراحم فيما بينهم، وكشف الكربات عنهم، مهما استطاع العبد المؤمن بنفسه وماله وقلمه ولسانه ودعائه، يؤيد ذلك الحديث الآخر: « لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » ([4]).

عباد الله: إن إخوانًا لكم في الإسلام في كثير من بلاد العالم قد حل بهم نكبات، وتوالت عليهم الشدائد والأزمات، تسلط عليهم أعداء الإسلام بسبب إسلامهم ومجاهرتهم بإيمانهم، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8]، تطالعكم أجهزة الإعلام الإسلامية وغيرها في كل مكان بما يجري على إخوانكم المسلمين من التقتيل والتعذيب، والإبادة والتشريد في أنحاء العالم، شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا، كل ذلك يمر على الأسماع والأبصار بالأجهزة المسموعة والمرئية في الصحف والمجلات والرسائل والنشرات.

فيا عباد الله: أين الأخوة الإيمانية التي عقدها الله بين المؤمنين بقوله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]؟! أين الأخوة الإسلامية التي عقدها رسول الهدى بقوله r: (( المسلم أخو المسلم)) ([5]) ؟! أين الغيرة على إخوانكم في الدين؟! أين الذين يسارعون إلى مرضات الله؟!.

أيها المسلمون: اتصفوا بالأخوة الإيمانية فيما بينكم، وحققوا الأخوة  الإسلامية بين أفرادكم وجماعاتكم.

إنه يجب علينا القيام بما نستطيع من مساعدة لإخواننا المسلمين الذين يضطهدهم أعداؤهم، ويسلبون ممتلكاتهم ويسفكون دماءهم ويقذفونهم في ظلمات السجون.

إن من واجب المسلمين عون هؤلاء ماديًا ومعنويًا بالمال، والتأييد بالأقلام والألسن، والدعوات المتتالية ليلًا ونهارًا، لعل الله أن ينقذ إخوانكم من محنتهم، وتسلط الأعداء عليهم.

فيا أصحاب الأموال أغيثوا إخوانكم بما تجود به نفوسكم، اغتنموا قدرتكم على الإنفاق، اغتنموا حياتكم قبل الممات بالأعمال، الصالحة والجهاد في سبيل الله، وإن بذل المال في سبيله من أفضل الأعمال وأجل القربات عند الله يقول سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261].

إن إخوانكم في أمس الحاجة إلى صَدَقاتكم، وزكواتكم، وما تجود به أنفسكم من أموالكم، تشدون أزر المجاهدين، وتفرجون بها كرب المكروبين، وتمسحون بها دموع الأيتام والمساكين، وتواسون  بها الأيامى والأرامل والمحتاجين، وتخففون بها عن الجرحى والمصابين.

لقد روي عن سبعة من أكابر أصحاب النبي r كلهم يحدث عن رسول الله r أنه قال: (( من أرسل بنفقة في سبيل الله، وأقام في بيته، فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم، ثم تلا r قوله تعالى: { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }» رواه ابن ماجة وغيره([6]).

وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن خالد الجهني t أن رسول الله r قال: « من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا » ([7]).

عباد الله: إن إخوانًا لكم في بعض البلاد قد منَّ الله عليهم بكسر قيود الإلحاد التي طالما وأدت أديانهم وحرياتهم، وألبستهم ثياب المهانة والذلة والقهر والتعذيب، فأزالها الله عنهم بقدرته سبحانه، لكنهم اليوم قد ابتلوا بأعداء الإسلام من ملاحدة وصليبيين ومن يشايعهم ممن يرون في الإسلام  خطرًا على مصالحهم، الكل يريد أن يزيل اسم الإسلام، ويمحق المسلمين، ولكن قوة الله غالبة، فقد وعد سبحانه المؤمنين بالنصر والتمكين، ووعد بإظهار دينه على جميع الأديان {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة: 32] ونحمد الله U أن حقق  للمسلمين نصرًا مؤزرًا في بعض بلاد المسلمين لما جاهدوا وصبروا، واعتصموا بالله، وساندهم إخوانهم المؤمنون في بعض بلاد الإسلام، ماديًا ومعنويًا، فحصل لهم النصر المبين، تحقيقًا لوعده سبحانه، حيث يقول: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7].

وإنا نبتهل إلى الله U أن يجمع كلمتهم على الحق والهدى، وأن يوفقهم لتحكيم شرع الله، وتحقيق الأخوة الإيمانية فيما بينهم، ونسأله سبحانه أن يعيذهم من نزغات شياطين الجن والإنس الذين يحاولون بكل جهدهم التفرقة بين المسلمين، والكيد لهم بشتى الوسائل، وربما لبسوا لباس  الصديق الناصح، وهم يريدون أن يشعلوا نار الفتنة بينهم.

اللهم اجمع كلمة المجاهدين على الحق، ووحد صفوفهم، والطف اللهم بإخواننا المضطهدين في دينهم في كل مكان، وأعنهم، وسدد سهامهم وآراءهم يارب العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين، فأصبحوا بنعمته إخوانًا، وملأ قلوبهم رحمة وحنانًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]،{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، كما أمركم بذلك ربكم سبحانه، وإن من أهم ما يجب التعاون فيه الجهاد في سبيل الله، ضد أعداء دينه، جهادًا بالنفس والمال والفكر، وإن ترك التعاون من القادرين عليه بأموالهم، وعدم البذل في سبيله، وترك  المساندة للمجاهدين والمضطهدين في دينهم منذر بخطر عظيم لمن تركه مع القدرة على ذلك، فقد جاء الحديث عن رسول الهدى r كما في حديث أبي أمامة t  عن النبي r أنه قال: « من لم يغز، أو يجهز غازيًا، أو يخلفه في أهله بخير،  أصابه الله سبحانه بقارعة أو داهية قبل يوم القيامة » ([8]).

فبادروا رحمكم الله بالأعمال الصالحة ما دمتم في زمن الإمكان، وإن لكم يا عباد  الله إخوانًا من المسلمين مضطهدين في كثير من البلاد، وهم في أمس الحاجة إلى مساعدتكم، ومساندتكم لهم في جهادهم، لا سيما ما يجري الآن على إخوانكم في البوسنة والهرسك قد تسلط عليهم أعداؤهم الحاقدين على الإسلام، فأعينوا إخوانكم المسلمين وواسوهم، فإن الأخوة الإيمانية تقتضي ذلك، كما قال r : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ([9]).

فاغتنموا عباد الله قدرتكم، واغتنموا حياتكم قبل موتكم، فقد قال I : { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المنافقون: 10، 11].

 

 

 

 

([1])    رواه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2585).

([2])    رواه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2586).

([3])    رواه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2580).

([4])    رواه البخاري في كتاب الإيمان رقم (12).

([5])    تقدم تخريجه .

([6])    رواه ابن ماجة في كتاب الجهاد، رقم (2761).

([7])    رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، رقم (2843) ورواه مسلم في كتاب الإمارة رقم (1895).

([8])    رواه ابن ماجة في سننه في كتاب الجهاد رقم (2762).

([9])    تقدم تخريجه .

الحمد لله الرؤوف الرحيم، ذي السلطان العظيم، والمن القديم، والفضل الجسيم، أحمده سبحانه المنعم المتفضل، وعد المتقين في مرضاته بالخلف المعجل {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أغنى وأقنى، وأعطى وأجزل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أكمل الناس هدى، وأزكاهم محتدًا، وأكرمهم نفسًا، وأسخاهم يدًا، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين بذلوا نفوسهم، وأموالهم في سبيل الله، فنالوا المنى والدرجات العلى، وسلم تسليمًا كثيرًا." data-share-imageurl="">