الخوف من المعاصي

الحمد لله مجيب السائلين، ومثيب الطائعين، المنتقم من الظالمين: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].

أحمده سبحانه على جزيل نواله، وأشكره على ترادف إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، واعلموا أن الله -سبحانه -خلقكم لتعبدوه وتوحدوه، وأمدكم بالنعم الوافرة لتشكروه، وقد وعدكم على شكره الجزاء الوافر والسعادة في دنياكم وأخراكم، فاعرفوا حق خالقكم، وقدروه حق قدره، واشكروه حق شكره، فإنه سبحانه شكور حليم يجزل العطاء لمن أطاعه واتقاه، وقد جعل جزاء الشاكرين الزيادة من الخير والعطاء، والتوفيق لما يحب ويرضى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

ووعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات العيشة الهنية في الدنيا، والسعادة الأبدية في الأخرى، كما قال سبحانه: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97].

كما أنه سبحانه شديد العقاب لمن تمرد عليه وعصاه، وبارزه بالذنوب والمعاصي، وقد جعل سبحانه جزاء من خالف أمره وعصاه الذلة والهوان، وضيق الصدر، وشتات الأمر في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى يقول سبحانه:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

وإن صاحب المعصية إذا استمر عليها ولم يقلع عن ذنبه ومعصيته، فإنه يخشى عليه من العقوبة العاجلة، في هذه الدنيا، مع ما يدخر له من العذاب والنكال في الآخرة، وإن عذاب الآخرة هو العذاب الأليم السرمدي، الذي لانهاية له، ولا أمد له ينتهي، فما أشقى من تعرض لسخط الله، وما أسوأ مصيره، يقول سبحانه عن أهل المعاصي الذين أفرطوا فيها ونسوا خالقهم، وأمنوا مكره، وعذابه: ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف:55]. أي: فلما أغضبونا باستمرارهم على الطغيان، وعدم الرجوع إلى الله، والتوبة إليه، والإقلاع عما هم عليه من الذنوب والمعاصي، فكان عاقبة أمرهم أن الله I عاجلهم بالعقوبة، وأنزل بهم بأسه كما قال تعالى عن الأمم السابقة التي كذبت رسله ولم تمتثل أمره:{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].

وقال على لسان نبيه شعيب- عليه السلام -مخاطبا قومه، ومحذرا لهم من مغبة الذنوب، والمعاصي: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89]. إنه لمما يؤسف له أشد الأسف، أن كثيرا من الناس إذا من الله عليهم بالنعم الوافرة، والصحة والعافية لم يؤدوا شكر هذه النعم، ولم يقوموا بواجبها، ولم يصرفوها فيما يعود عليهم نفعه في دينهم، ودنياهم، ومعاشهم ومعادهم، ولكن قد جعلها الكثيرون سلما لنيل الشهوات المحرمة، وارتكاب ما نهوا عنه من الظلم، والفواحش، واتخاذ الآلهة من دون الله، وإشراك غيره في عبادته، فالبعض منهم صرفوا نعم الله فيما يسخطه، وأضافوا نعمه لغيره، وصرفوا العبادة لغير الله فجعلوا يتضرعون ويلجأون إلى غيره من أصحاب القبور، والأموات، ويعظمونها، وينذرون لها، ويبذلون الأموال الطائلة في التقرب لغيره: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر: 19]. وأعرضوا عن قوله سبحانه:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 13، 14].

والبعض من الناس صرف نعم الله في ارتكاب المنهيات في المعاملات من أنواع الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، والظلم والتطاول على عباد الله، وأذيتهم، والاستيلاء على بعض حقوقهم، ومنهم من استعمل نعم الله في الشهوات المحرمة، فكم مرتقب أيام الصيف، وأوقات الإجازات والسياحة ليذهب إلى بعض البلاد المنحرفة سلوكا، وأخلاقا، ليسلك مسلكهم، ولينغمس في فتنتهم، فيذهب دينه ودنياه، ومروءته، ورجولته، وأدبه وشيمته، وشرفه، وشهامته، فبئس الحال ويا سوء المنقلب والمآل: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].

أما يخاف أولئك العقوبة العاجلة، أما يحذرون سخط الله، فكم معجب بكثرة ماله، وحسن شبابه، وبهجة عيشه، وتمام صحته، هجم عليه المرض، فحال دونه ودون تنفيذ رغباته، وأصبح يعاني أمراضه، ويكابد آلامه، وقد آيس من آماله، ويتذكر القبر ووحشته، ويقلب كفيه على سوء عمله، وفوات أمله، ويقول: {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11].

وربما عوقب بهجوم الموت عليه بغتة، فلم يفق إلا وهو في عسكر الأموات في قبره وحيدا يوحشه عمله السيء، ويقولوا: يا ليتني قدمت لحياتي، ألا فليتق الله عاقل نصح لنفسه قبل حلول رمسه، وذهاب عمره، فقد قال r: (( الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني )).

واعلموا -عباد الله-أن الله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، والله يحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده، وقد قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } [الزمر: 53، 54].

ويقول سبحانه:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الغفور الرحيم، عالم الغيب والشهادة، أحمده سبحانه وأسأله الحسنى والزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وآله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا المعاصي، فإنها تزيل النعم، وتوجب النقم، وإيَّاكم وطول الأمل، ومتابعة النفس في أمانيها، وآمالها، وطاعة الشيطان في تسويله، وفيما يمليه من الإغراء على الفواحش والمنكرات، والبعد عن الطاعات، فإنه عدو مبين، يحاول بكل جهده ويجلب بخيله ورجله على بني آدم؛ ليضلهم عن سبيل الحق والسعادة، وليسلك بهم طريق الظلم والشقاوة، يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير، يقول سبحانه محذرا ومبينا عداوته لنا:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 2الخوف من المعاصي.doc81.5 كيلوبايت
الحمد لله مجيب السائلين، ومثيب الطائعين، المنتقم من الظالمين: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].

أحمده سبحانه على جزيل نواله، وأشكره على ترادف إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان." data-share-imageurl="">