التحذير من الرؤيا المكذوبة على المصطفى (صلى الله عليه وسلم)

الحمد لله الذي بصر عباده المؤمنين، وأبان لهم سبيل الحق واليقين، وكشف لهم بما وهبهم من العلم والمعرفة الطريق المستقيم، أحمده سبحانه، وأشكره على ما أنعم به من بيان النهج القويم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الناصح الأمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واعلموا أن المصطفى r  قد ترككم على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، وأبان لكم طريق الرشاد لتسلكوه، وأوضح لكم طريق الغي والفساد لتجتنبوه، فهو عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم لم يمت حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، وبصر به بعد العمى، وهدى به بعد الضلالة، فعليكم بالتمسك بسنته، والاهتداء بهديه، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

إن كتاب الله بين أيديكم، وسنة نبيه بين أظهركم، تتلون القرآن وتقرؤون سنة خير الأنام، وتعلمون أنه بعد موته r  انقطع الوحي، وكمل التشريع، واستكملت الشريعة أصولها وفروعها وقواعدها ومسائلها، فهي الشريعة الكاملة الشاملة، فمن عرفها واقتنع بها، وحمد الله على هذه النعمة فقد هدي إلى صراط مستقيم. فمن خالف ذلك فمخالفته دليل على فساد في تصوره، ونقص في عقله، وريب في إيمانه؛ يقول سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. ويقول سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

ويقول الصحابي الجليل أبو ذر t : لقد تركنا محمد r  وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا.

ولقد ظهر بعد رسول الله r  دجالون كذابون، وأخبر عليه الصلاة والسلام بوقوع ذلك؛ فمنهم من يزعم أنه نبي، ومنهم من يكذب الأحاديث على رسول الله، يعتمد الكذب فيها لغرض من الأغراض، إما لطمع من الأطماع، وإما ليأتي بشيء غريب على الناس؛ ليشتهر بذلك بينهم، وإما لتأييد بدعته، أو انتصار لمذهبه، أو سذاجة وتغفيلا، بقصد التخويف، والزجر عن المعاصي، أو سوى ذلك من الأغراض المتنوعة، وكل ذلك قد حصل، ويحصل في جهات متعددة، وأزمنة متطاولة، ولكن يقيض الله لذلك العلماء الراسخين، والجهابذة العارفين، والقادة المصلحين؛ لصد هذا الافتراء، وبيان بطلانه للناس، حتى يزول أثره وتنطمس معالمه كما روى عنه قوله: « يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ».

وهكذا دواليك طائفة تقوم بالفساد والتضليل، وأخرى تجاهد في الله، وتقف في وجوه أعداء الله، وتمحص الحق، وتبين زيف الباطل. والحق - والحمد لله - يعلو ولا يعلى عليه:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].

وإنه - يا عباد الله - في هذه الأزمنة القريبة ما بين آونة وأخرى يتكرر ظهور ورقة ضعيفة هزيلة في مبناها ومعناها، تردها الفطر والعقول السليمة، لا تروج إلا على أقل الناس علما، وأضعفهم بصيرة، والعاقل يعرف بطلانها بعقله، قبل علمه، ولكن مع ذلك قد راجت على كثير من الناس، لغلبه الجهل وقلة العلم. هي رؤيا منام مكذوبة؛ مشتملة على الباطل، متناقضة في عباراتها، لا يعرف لها أساس، ولم يوجد لها أصل، تعددت ألفاظها واختلفت عباراتها، فتارة يقول صاحبها: إنها رؤيا منام. وتارة يقول: إنها في اليقظة، وحينا يحلف ويكرر الأيمان؛ لعلمه بباطله، فيؤيد باطله بالأيمان الفاجرة كما فعل إبليس مع أبينا آدم:  {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ } [الأعراف: 21، 22].

هذه الرؤيا تنسب لرجل يسمى نفسه: الشيخ أحمد، حامل مفاتيح حرم الرسول، يصف نفسه بالعبادة والتهجد وتلاوة القرآن تزكية لنفسه. والله يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]. ثم ذكر من الكذب الصريح ما يرده القرآن، وسنة خير الأنام؛ أحيانا يقول: مات على غير الإسلام أربعون ألفا، وحينا يقول: مائة وستون ألفا. ومن أين له ذلك؟ والرسول r  لم يقل مثل ذلك وإنما قال له الله في القرآن:{ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } [الأنعام: 50].  والعلم عند الله وحده، وتارة يعطي هذه الرؤيا وصفا يفضلها به على القرآن. وتارة يحكم بالخلود في النار على أقوام ، وحينما يحرم آخرين من رحمة الله ، ويحكم على آخرين بالكفر ، وعلى آخرين بالفقر، وآخرين بالغني.

وهذا ليس بغريب ولا شيء جديد، فالدجالون كثيرون ولكن العجب ممن يصدق بها، ويعمل بما فيها، ويكتبها، ويوزعها على الناس، تضليلاً وافتراءً . إنه لا يفعل ذلك إلا من ينطبق عليه وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t لبعض الناس بقوله: همج رعاع، أتباع كل ناعق،  يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

 فاتقوا الله عباد الله وتيقظوا، ولا تكونوا من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق، فإن هذه الوصية المزعومة يردها القرآن والسنة، لما اشتملت عليه من الباطل، وإنه يجب على ولاة الأمور الأخذ بيد الحزم والقوة على كل من يروجها بين الناس، فإن هذا من التقول على رسول الهدى، والرسول r  يقول: (( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )). والله U يقــول : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [الأنعام: 21].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدى سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

 الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمره وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد البشر. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا عباد الله، واعملوا بطاعته تربحوا، وتمسكوا بسنة نبيه تفلحوا، ولا تلتفتوا إلى ما خالف سنته مما يقذفه بعض المغرضين، أو الجاهلين، من الأمور المحدثة في الدين، فإن رسول الهدى r  ما ترك شيئا مما هو خير لنا في ديننا ودنيانا إلا أوضحه ودل عليه، ولا شيئا مما هو شر علينا في ديننا ودنيانا إلا حذرنا منه. وتذكروا وقوفكم غدا بين يدي الله عز وجل، لتجزوا بأعمالكم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8].

 

 

 

الحمد لله الذي بصر عباده المؤمنين، وأبان لهم سبيل الحق واليقين، وكشف لهم بما وهبهم من العلم والمعرفة الطريق المستقيم، أحمده سبحانه، وأشكره على ما أنعم به من بيان النهج القويم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الناصح الأمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين." data-share-imageurl="">