الخمر أم الخبائث

الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده، وأبان لهم طريق الحسنى والزيادة، وسلك بهم سبيل الفلاح والسعادة، أحمده سبحانه، وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه؛ أرسله رحمه للمؤمنين:
{ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [الأعراف: 157]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه، وامتثلوا أوامره وانتهوا عن نواهيه، وتدبروا كتاب ربكم، فلقد أبان لكم أحسن السبل وأهدى الطرق الموصلة إلى سعادة الدين والدنيا، وحذركم أشد التحذير من أسباب الشقاء، وطرق الفساد، المؤدية إلى كل خسران في الدنيا والآخرة. وقد خاطبكم سبحانه في كتابه العزيز باسم الإيمان؛ تنبيها على أن المؤمن هو الذي يتلقى أوامر ربه بانشراح صدر؛ ويبادر إلى الامتثال للأوامر الإلهية. كما وصف الله عباده المؤمنين بقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55].

و إن مما حذركم الله منه، وبين سوء عاقبته ما ذكره U  بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]. إن الله سبحانه يبين لنا تحريم الخمر، والخمر: ما خامر العقل؛ أي: غطاه من أي نوع، ومن أي صنف من أصناف الأشربة، فكل ما أسكر وذهب بالعقل فهو حرام، حرمه الله بالقرآن الكريم كما في هذه الآية، وحرمه رسوله r بقوله: « كل مسكر حرام » .

وحذر سبحانه منها أشد التحذير، وبين أنها من عمل الشيطان، وأعمال الشيطان كلها خسران وشقاء، وبين أن الشيطان يريد منا بتعاطيها أن يوقع بيننا العداوة والبغضاء، وأن يصدنا بها عن ذكر الله الذي هو حياة القلوب وطهارتها، وأن يصدنا بها عن الصلاة التي هي قوام الدين، ومن أهم أركانه العظام، ومبانيه الجسام، فالخمر أم الخبائث وأقوى أسباب الشرور والفساد، فإن سكر اختل عقله، وذهب شعوره، فربما تسلط فآذى الناس في أنفسهم وأموالهم، وربما وصل أذاه إلى القتل، فهي سبب لكل شر على شاربيها، وعلى جلسائهم. فكم وقع شاربها في قتل النفس بغير حق ! وكم وقع في الفاحشة الشنعاء ! وربما أدت به إلى الكفر، والعياذ بالله !.

وقد جاءت الشريعة بالأدب الرادع لشاربها؛ وهو أن يجلد أربعين جلدة، أو ثمانين جلدة، كما هي سنة بعض الخلفاء الراشدين. وجاء الوعيد على شاربها في الآخرة بقوله عليه الصلاة والسلام: « من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب » . وما أشدها من عقوبة ! وما أعظمه من حرمان !.

 عباد الله: كيف يرضى من وهبه الله نعمة العقل أن ينزل نفسه منزلة المجانين والحيوانات التي لا تعقل؟! إن كثيرًا من العرب في جاهليتهم حرموها على أنفسهم قبل تحريم القرآن خوفا من أن يصدر منهم بسبب شربها ما يشينهم، أو يقدح في مروءتهم، أو يسقط من قدرهم، فالشرع يحرمها، والمروءة تنفر منها، والعقل يحاربها. كيف يتعاطاها مسلم عاقل ذو مروءة؟! وكيف يسعى رجل لبيب في جنونه؟!

وأن الميسر أيها المسلمون، كما حرمه الله وحرمه رسوله لمن أعظم ما يوقع في العداوة والبغضاء ويثير الحسد، وينمى الأحقاد، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة؛ كما قال U : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

والميسر هو القمار، وهو محرم بالكتاب والسنة؛ لما يحدث بسببه من ضغائن وأحقاد وعداوات وأكل للمال بالباطل، فإن من قامر ربما غلب وقهر وأخذ ماله قهرًا، فلم يبق له شيء فيشتد حقده على من أخذ ماله، والقمار - أيضًا - يصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأن صاحبه يعكف بقلبه عليه، ويشتغل به عن جميع مصالحه ومهماته، حتى لا يكاد يذكر الله لاستغراقه فيه، يسهر ليله فيضر بدنه بالسهر، ويكسل في نهاره عن أداء عمله وكسب رزقه، وربما فوت على نفسه وقت الصلاة، أو فضيلة الجماعة؛ ولهذا قال أمير المؤمنين على t لما مر على قوم يلعبون بالشطرنج: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [الأنبياء: 52]، وروي عنه  t أنه قال لما رآهم يلعبون: ما لهذا خلقتم ! فالقمار محرم سواء أكان بعوض أو بدون عوض، لما اشتمل عليه من إثارة العداوة والأحقاد والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

فاتقوا الله عباد الله، وانتهوا عما نهاكم عنه مولاكم، ولا تستهويكم أنفسكم: { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. ولا يغرنكم الشيطان بغروره: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 91، 92].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الكبير المتعال، ذي العظمة والجلال، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. أحمده سبحانه، وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن النبي r قال « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن » .

وروي عنه r أنه قال: « لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» فاتقوا الله عباد الله حق تقاته.

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 13الخمر أم الخبائث.doc72 كيلوبايت
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده، وأبان لهم طريق الحسنى والزيادة، وسلك بهم سبيل الفلاح والسعادة، أحمده سبحانه، وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه؛ أرسله رحمه للمؤمنين:
{ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [الأعراف: 157]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">