التحذير من فاحشة الزنا

الحمد الله العظيم القاهر، المطلع على السرائر والظواهر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]. أحمده سبحانه، وأشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله-تعالى- اتقوه حق تقاته، واحذروا من سخطه وأليم عقابه، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بامتثال أوامره، والبعد عن معصيته، فلقد حذركم سبحانه نفسه يقول U:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28]. ألا يخاف العبد من ربه وخالقه، وهو يقدم على ما حرّم الله عليه، وهو يعلم تحريم ذلك، ويعلم أن الله مطلع عليه في سره وجهره، أما يمنعه من اقتراب الحرام إيمانه وإسلامه، أما يحول بينه وبين الفواحش يقينه وخوفه.

إن من أعظم الفواحش فاحشة الزنا، الفاحشة النكراء، الفاحشة الشنعاء، الفاحشة التي طالما كانت سببا لفساد الأديان، وفساد الأخلاق، وفساد الأنساب، التي هي سبب من أسباب فشو الأمراض والأسقام، سبب من أسباب الفقر والذل ومهانة النفس، إنها خصلة من ابتُلى بها فُقدت شهامته، وذهبت مروءته، وقلت عزيمته، إنها تجعل مكان العفاف الفجور والوقاحة، ومكان الحشمة التفسخ والخلاعة، لقد حذر منها القرآن غاية التحذير، وحذر منها البشير النذير، يقول الله U:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

فالقرآن يحذر من مقاربة الزنى، وهي مبالغة في التحرز منه، ومن دواعيه؛ لأن الزنى تدفع إليه الشهوة الغريزية، فلذلك حذر من مقاربته لضمان السلامة منه، لأن الاقتراب من أسباب دواعيه يعسر معه التحرز إلا من عصمه الله، لذا حرّم الشرع الخلوة بالأجنبية، ونهى عن الاختلاط بين الجنسين، ونهى عن التبرج بالزينة، وأمر بالزواج ورغَّب فيه، وجاء الحث على تسهيل أمر الزواج وعدم التغالي في المهور، وعدم رد الأكفاء وورد عنه r قوله: « إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ».

فكل ذلك من أسباب المحافظة والبعد عن هذه الجريمة النكراء، والفاحشة الكبرى، وإذا كان الله قد حذرنا من مقدمات الزنى ودواعيه، فالتحذير من ارتكابه أولى وأحرى وأشد، لم يحرم الله الزنى عبثا، ولكن لما يترتب عليه من شرور، وفساد كبير، إن الزنى من أفحش الفواحش وأكبر الفضائح، وأعظم القبائح، أعظمها خطرا على المجتمع الإسلامي، بل على المجتمع الإنساني، يقتل الرجولية، ويذيب الحرية، ويهتك الأعراض، ويبدد الأموال، ويؤدي إلى اختلاط الأنساب، ويفضي بالأمة إلى الفناء، ويفسد الأخلاق، ويدعو إلى الشقاق والفساد، ويوقع في أنواع كثيرة من البلايا والأمراض، سبب قوي من أسباب تنوع الأمراض.

لقد أمر الله بردع مرتكبيه بأقسى العقوبات، وأمر نبيه وعباده المؤمنين بإقامة الحد عليه، ونهاهم عن الرأفة بمن يتعاطاه يقول I: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2].    

فهذا نوع من أنواع عقوبة الزانى، وهناك عقوبة أخرى هي أشد، وهو رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت، كما صحت بذلك سنة المصطفى r، فِعْلا منه وقولا، فقد رجم r وجلد، وغرب عن الوطن، هذه العقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، روى البخاري-رحمه الله- عن سمرة بن جندبtعن النبي r قال: « رأيت اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إلى الأرض الْمُقَدَّسَةِ» فذكر الحديث إلى أن قال: «فَانْطَلَقْنَا إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فإذا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حتى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فإذا خَمَدَتْ رَجَعُوا فيها وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عراة، وفسره في آخر الحديث بأنهم « الزناة والزواني ».

وفي الحديث: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليمٌ» فذكر منهم «الشيخ الزاني » ، فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد الله الرؤوف الرحيم، البر الجواد الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واتعظوا بمواعظ القرآن، واعتبروا بحوادث الزمان، واعلموا أن الله-سبحانه-أخبر في كتابه العزيز أنه ما من مصيبة تحدث إلا وسببها الذنوب والمعاصي، كما قال I:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30]. وقال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم: 41]. قال بعض العلماء على هذه الآية الكريمة: ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنوعًا من الفساد: في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، والمراد بالفساد: الذنوب، وما توجبه من العقوبات والانتقام؛ لقوله سبحانه: { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: 41]، فهذه حالنا، وإنما أذاقنا اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا، لما ترك على ظهرها من دابة، كما قال سبحانه:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ } [النحل: 61].

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 14التحذير من فاحشة الزنى.doc76 كيلوبايت
الحمد الله العظيم القاهر، المطلع على السرائر والظواهر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]. أحمده سبحانه، وأشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه." data-share-imageurl="">