التحذير من الإسراف في الحفلات

الحمد لله المنعم المتفضل، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأسأله الإعانة على شكره وذكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، اتقوه بفعل الطاعات، والبعد عن السيئات، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية تقيكم منه، إن هذه الوقاية هي العمل بطاعته ومرضاته، والقيام بواجبات الشريعة، والبعد عن معصيته وسخطه، وعن كل ما نهاكم عنه إلهكم.

إنه I هو الذي أنشأكم من العدم، وأمدكم بأصناف النعم، ودفع عنكم النقم، إنه ينعم ليشكر، ولتظهر أثر نعمته على عبده بالقيام بشكرها، وإيصال ذوي الحقوق حقوقهم، وعدم بخس شيء منها، إن آثار الشكر تظهر باستعمال النعم في الطاعات، وعدم التمادي في الشهوات المحرمة، والبعد عن الإسراف والتبذير اللذين نهى سبحانه عنهما بقوله U:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31].

وبقوله:{ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا }[الإسراء:26-27].

عباد الله: لقد تمادى كثير من الناس في اتباع الشهوات، والإسراف في النفقات، وفي الحديث عنه r أنه قال: « إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ».

أن كثيرًا من الناس لم يقوموا بما يجب عليهم من شكر ما خولهم الله من الغنى وكثرة المال، إن ما أعطاك الله من النعم، وما من به عليك من الرزق، إنه ابتلاء وامتحان، فإن قمت بشكره زادك الله منه، وبارك لك فيه، وإن كفرت بهذه النعم، فلم تشكرها، فإنها تكون وبالاً عليك، وربما سلبتها بسبب كفرانها. يقول سبحانه:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم:7].

إنك مسئول عن مالك من أين اكتسبته، وفيما أنفقته، مسئول عنه في تأدية حقوقه، عن أداء زكاته، عن أداء الواجبات عليك، مسئول عن صرفه في الأشياء المحرمة، في الشهوات المحظورة، مسئول عن الإسراف في الأشياء المباحة، إنك متى أنفقت نفقة تريد بها وجه الله، والدار الآخرة، أو تؤدي بها واجبا عليك، أو تكف بها عن عرضك، أو تدخل بها السرور على قريبك، أو أخ مسلم، أخ لك في الله، أو تطعم بها يتيما ذا مقربة، أو مسكينًا ذا متربة، فإن هذا يعتبر من شكرها، ومن أسباب زيادة النعم عليك واستقرارها وعدم نفورها، أما إذا صرفت هذه النعم في معصية الله، وفي الشهوات المحرمة، أو النفقات التي تشتمل على الإسراف والتبذير، فإنك قد عرضتها للزوال، فعلت الأسباب التي توجب نفورها، وعدم استقرارها عندك، إنه لمن الأسف الشديد أن كثيرًا من الناس اليوم ابتلوا بالإسراف والتبذير، وصرفوا نعم الله فيما يسخط الله، لا يبالي كثير منهم فيما يصرفه في الفخر والخيلاء، ولا فيما ينفقه في الملاهي والشهوات المحرمة، ربما قصر في الحقوق والواجبات عليه، وربما لم يؤد زكاته على الوجه المطلوب، وربما ماطل ذوي الحقوق حقوقهم، ولكن في الأشياء المشتملة على المباهات والخيلاء، يهون عليه بذلها، ويسهل عليه إنفاقها.

عباد الله: إن ما يحدث بيننا اليوم من الإسراف في الحفلات، وبذل الكثير من الأموال في المناسبات، كالزواج وحفل القران، وغيرهما، وما تشتمل عليه الحفلات التي يبذل فيها الكثير من المال ؛يبذل في أشياء قد تكون مباحة في الأصل، ثم تصل إلى درجة التحريم بما تشتمل عليه من الإسراف، وما يقترن بها من الأشياء المحرمة، كاختلاط الرجال بالنساء، والتصوير، ونحو ذلك، أو تكون محرمة في الأصل كالنفقات على المغنين والمغنيات، وبذل الأموال الطائلة في هذا السبيل المحرم، وما يتبع هذه الأمور من استعمال البعض لتصوير الحفل وعرضه بعد ذلك على الرجال في أمكنة متعددة، وتظهر فيه صور النساء ينظر إليهن الأجانب، ويتعرف عليهن الفساق، ومن في قلبه مرض من الرجال، أين الغيرة الدينية؟ وأين الشيم العربية؟

إن في هذا محاذير كثيرة، إنه منكر من المنكرات، إنه إسراف وتبذير، إن فيه فخرا وخيلاء، إن فيه كسرا لقلوب الفقراء، إن فيه أذية لعباد الله المؤمنين بإزعاجهم، برفع هذه الأصوات المنكرة وقت النزول الإلهي، والدعاء والاستغفار، والتشويش على المصلين، والتالين والمستغفرين بالأسحار إنه ليسهل على الكثيرين بذل عشرات الألوف في هذه المنكرات، ويثقل عليهم إنفاق المئات في سبيل الطاعات.

أنه منكر يجب القضاء عليه، إنه يخشى من ضرره أن يعم الجميع، يخشى من عاجل العقوبة، إن هذه الأعمال غالبا إنما تكون من تصرفات بعض السفهاء والصبيان وأشباههم من قاصري العقول، والفهم والإدراك، إنه ينبغي أن يكون الأمر في الحفلات بيد الرجال العقلاء، الذين يخافون الله، ويحافظون على سمعتهم، الذين يقيمون الأمور في حدود المعقول، والمأذون به شرعا، ولا ينبغي أن يكون بيد القاصرات من النساء وأشباههن من السفهاء الذين لا يراقبون في تصرفاتهم الخوف من العقوبة، والخجل من أعمالهم المنكرة، إنه يجب على المسلم أن يخاف الله، ويفقد نفسه، وينظر في شأنه وعمله كل حين، ولا يهمل نفسه، فيكون ممن أغفل الله قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}   [التغابن:14-16].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله ذي النعم الوافرة، أحمده سبحانه وأشكره على مننه المتكاثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه في أقوالكم، وأعمالكم، وأفعالكم، إنكم محاسبون عن تصرفاتكم في أموالكم، ومسئولون من أين اكتسبتموها؟وفيم أنفقتموها؟فاحذروا عباد الله من الإسراف في النفقات، وفي بذل الأموال في غير موضعها واغتنموا نعمة الغني ببذله بما يكون لكم ذخرا عند الله، وزلفى بين يديه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

عباد الله: إن لكم إخوانا ببعض البلاد الإسلامية قد أصابهم الفقر والمجاعات والأمراض المتنوعة بسبب قلة الغذاء النافع، فاعطفوا عليهم ببذل الفضل من أموالكم، فإن الإنفاق في هذا السبيل من أسباب دفع النقم عنكم، وبقاء النعم لديكم.

إن في أفريقيا كما يعلم الجميع رجالا ونساء وأطفالا يموتون بالألوف من الجوع، وقلة الطعام، وأكثرهم إخوان لكم في الإسلام، فبادروا-رحمكم الله-بمساندتهم، ومساعدتهم، ومواساتهم وإسعافهم، كل بقدر استطاعته فسوف تجدونه لكم ذخرا عند الله، ويدفع الله عنكم به البلايا والأسقام، وتنالون إحسانه ورحمته:{ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }[الأعراف:56]. وفي الحديث: (( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )).

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 17التحذير من الإسراف في الحفلات.doc77.5 كيلوبايت
الحمد لله المنعم المتفضل، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأسأله الإعانة على شكره وذكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">