التحذير من التبرج

الحمد الله العليم الحكيم، أنزل كتابه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، هدى من شاء من عباده إلى الصراط القويم. أحمده سبحانه وأشكره شكر معترف له بالفضل العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الناصح الأمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأدبوا بآداب القرآن الكريم، وتخلقوا بأخلاقه، فقد كان نبيكم r خلقه القرآن، يأتمر إذا أمره، وينتهي إذا نهاه، ويقف عند حدوده. لما سئلت عائشة t عن خلق النبي r قالت: « كان خلقه القرآن ». فهكذا يجب على كل مسلم ومسلمة الاقتداء به r.

وإن من الآداب القرآنية التي أدب بها الله - سبحانه - خير نساء هذه الأمة؛ أمهات المؤمنين وزوجات سيد المرسلين قوله:{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 32، 33].

إن هذه الآية الكريمة لمن أرقى الآداب السامية، والأخلاق الفاضلة، يؤدب بها سبحانه أفضل نساء الأمة، وأطهرهن قلوبا، وأزكاهن نفوسا، وأتقاهن لله، وأبعدهن عن كل ريبة، وأقربهن إلى كل صلاح وبر، فإذا كان هذا الخطاب لأزواج الرسول الكريم وأمهات المؤمنين فغيرهن أحوج إلى التعليم، وإلى الإرشاد والتأديب.

أين نساؤنا اليوم من هذه التعاليم القرآنية والإرشادات السماوية والآداب الشرعية؟! إنه لمما يؤسف له أشد الأسف أن كثيرا منهن لم يتأدبن بهذه الآداب الشرعية، ولم يمتثلن أمر الله سبحانه بهذه الآية الكريمة، فإنهن قد خلعن جلباب الحياء ورداء الصيانة والعفة، وتركن الآداب الشرعية والأخلاق المرضية، وجرين وراء التقليد الأجنبي الغربي بزيه ولباسه، وميوعته وعاداته، وتنكبن آدابهن الإسلامية، وشيمتهن العربية، فلبس بعضهن اللباس المحرم؛ اللباس القصير الذي يبدو منه الساقان والذراعان وصارت إحداهن تخرج من بيتها من غير ضرورة أو حاجة، تشعل نار الفتنة في قلوب الرجال، بسبب ما ارتكبته من إظهار الزينة وإبداء المحاسن منها. كل هذا جريا وراء التقاليد الغربية واستحسانا لها وزعما أن هذا هو التقدم والرقي. نعم إنه تقدم إلى الانحلال! تقدم إلى الفسوق ! تقدم إلى الوقاحة! إنه تطور في الرذيلة! تطور في أسباب الفساد! .

إن كثيرًا من النساء اليوم لا يمنعهن من هذا اللباس المانع الشرعي أو الوازع الديني وإنما الخوف من زوجها أو وليها، فتعمد من شدة شوقها إلى هذا اللباس إلى بناتها وأخواتها الصغار، فتلبسهن ذلك اللباس، لرغبتها فيه، وميلها إليه، فتربي بناتها على ذلك فيعتدنه، ويحلو لهن في الصغر، فلا يتحولن عنه في الكبر، ولا يرعوين عندما ينكر عليهن منكر، وهذا من أعظم الفساد.

إن المرأة بهذا اللباس القصير والشفاف الذي لا يستر البشرة ارتكبت عدة محاذير؛ تشبهها بالكفار وهو محرم: ((ومن تشبه بقوم فهو منهم)). وإظهار زينتها لغير محارمها، وقد نهيت عن ذلك لغير محارمها بقوله U:  {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}[النور: 31] إنها تفتن الرجال وتسبب لهم الميل إلى الفاحشة. إنها تجلب على نفسها وعلى أوليائها الشماتة والعار، إنها تعرض نفسها عرضا رخيصا مبتذلا يهواه السفلة، ويرتفع عنه العقلاء.

واعلموا عباد الله أن المسئولية الأولى تقع على الأولياء، فعلى الولى أن يتفقد من تحت يده من زوجاته وبناته وأخواته، وأن لا يدع لهن حرية الاختيار في الأشياء المحرمة؛ بل يجب عليه أن يلزمهن الآداب الشرعية، والأخلاق المرضية، إن الله - سبحانه - خاطب الأولياء وأمرهم أن يجعلوا بينهم وبين من تحت أيديهم من الأهل وقاية من عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وكلفهم بالحفاظ عليهم، والعناية بهم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].

فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.

أعود بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 59].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد. أحمده سبحانه وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، تعالى، وامتثلوا أمره تفلحوا، واجتنبوا نهيه تسعدوا، وتفهموا كتاب ربكم، وسنه نبيكم تنالوا خير الدنيا والآخرة، ألا وإن نبينا rقد حذرنا وأخبرنا بما يقع في آخر الزمان من المنكرات، فلقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ».

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 18التحذير من التبرج.doc70.5 كيلوبايت
الحمد الله العليم الحكيم، أنزل كتابه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، هدى من شاء من عباده إلى الصراط القويم. أحمده سبحانه وأشكره شكر معترف له بالفضل العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الناصح الأمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">