التحذير من سوء الخلق

الحمد لله ذي الفضل والامتنان، والعز والسلطان، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكيم الخبير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، واتبعوا أمره ولا تعصوه، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، فكم والى عليكم النعم، وكم أمدكم بفضله وجوده، ولا تزال تجدد نعمه عليكم في البكور، والرواح، والمساء والإصباح:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34].

ألا وإن من نعم الله عليكم، ما أمدكم به من مال وبنين وأمن واستقرار، وإن البنين من زينة الحياة الدنيا، كما قال سبحانه: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14]. وجعل سبحانه النساء سببا لوجود البنين، والأولاد كما جعلهن سكنا للأزواج, وجعل بين الزوجين المودة والرحمة,، كما قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

فقد امتن الله على عباده بأن جعل لهم أزواجا يسكنون إليهن، فيحصل لهم الاستقرار ونعمة الأولاد، وغير ذلك مما تحصل به الطمأنينة والراحة لكل من الزوجين بسب الآخر، ولكن لما كانت هذه الدنيا طبعت على كدر، ولا تصفوا لأحد، ويوجد فيها أعداء للبشر من بني جنسهم، وأعداء من شياطين الجن والإنس يحاولون التنكيد على العباد، وتفريق الأسر وإفساد ما جعل الله للزوجين من المودة والرحمة، فكثير ما يحصل تنكيد العيش، وتكدير البال بين الزوجين بسبب ما يسلط عليهم من شياطين الإنس والجان فيكدرون صفوفهم، ويبددون شملهم، وربما نكد بعض الناس على نفسه بطيشه وحمقه وقلة صبره، وعدم احتماله لما يصدر من قريبه أو زوجه، أو صديقه، فتجده عند أقل القليل تنتفخ أوداجه، ويحمر وجهه وعيناه، فيسب ويشتم، ويطلق ويحرم بدون حساب، أو سابق عتاب، فيجلب على نفسه الويل والثبور، وشتات الأمور بسبب حمقه وطيشه، فعلى المسلم أن يكون على حذر من ذلك خوفًا من الوقوع في المكدرات والمنغصات.

وقد أرشدنا المصطفى r إلى كل ما فيه سعادتنا في ديننا، ودنيانا، فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة t: «أن رجلا جاء إلى النبي r، فقال:يا رسول الله، أوصني قال: لا تغضب. فردد مرارا قال: لا تغضب». وفي الحديث المتفق عليه يقول r: « ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ». وروى مسلم عن أبي هريرة t قال:قال رسول الله r: « لا يفرك -أي:لا يبغض مؤمن مؤمنة- إن كره منها خلقًا رضي منها آخر».

فهذه إرشاداته، ونصائحه r لأمته خوفا عليهم من تكدير أحوالهم، وشتات شملهم، وتوجيها لهم لتحصل لهم سعادة الدين والدنيا، فينبغي للمسلم أن يجعلها نصب عينيه، وأن يستعملها، ويسلك سبيلها مع جميع المعاشرين له من زوجات وأقارب وأصدقاء، فإن نفعها كبير، وفيها راحة وطمأنينة للنفس، وسبب لأداء الواجب عليه، وإعطاء كل ذي حق حقه، فمتى وطنَّ نفسه على احتمال بعض الأمور، سلم من شرور عظيمة ودفع عن نفسه بما يتحمله من الأمور القليلة، أمورا كبيرة قد لا يستطيع أن يتحملها، ويكفيك ممن تعاشره من زوج أو صديق أن تعد معائبه، وهل يوجد في البشر باستثناء أنبياء الله ورسله من لا عيب فيه؟!فلابد من التحمل وإلا بقيت بدون رفيق وصديق، ومن لم يشرب مرارا على القذى أصابه الظمأ، وهل تصفوا المشارب لأحد؟!.

ولكن من أهم الأمور معاشرة الأزواج لأزواجهم، والزوجات لأزواجهن، فإن بعض من قد قل توفيقه، وضعف إيمانه، وساءت أخلاقه ينسى من المرأة جميع محاسنها، وأخلاقها الفاضلة، ومعاملتها الحسنة، ويجعل ما فيها من عيب واحد، أو نقص واحد بين عينيه، وينسى تلك المحاسن، فيفسر ذلك العيب بظنون سيئة، وتأويلات خاطئة قد لا تطرأ على بال المرأة بحال من الأحوال، فيظهر لها الغضب والاشمئزاز، ويدخل وهو غضبان، ويخرج وهو غضبان، كدر عيشه وعيشها، ونكد صفوه وصفوها، ثم تكون النتيجة بعد ذلك النفور، وعدم الوئام، والنزاع والتخاصم، والسباب والشتائم ثم الفراق الدائم.

فهذه حال البعض من الناس، ولو عملوا بوصايا وإرشادات سيد الخلق لسلموا من هذا كله، فقد قال r: « استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجًا، فاستوصوا بالنساء » رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، مع قوله r: « لا يفرك -أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة- إن كره منها خلقا رضي منها آخر ».

كما أن على المرأة أن توطن نفسها، وأن تتحمل من زوجها لتدوم العشرة بينهما. وتكون ربة بيت هادئة، وأم أولاد صالحين، ولا تسبب بسوء خلقها للفرقة وشتات الأمر.

فاتقوا الله عباد الله، وحسنوا أخلاقكم، فما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وفي الحديث: «ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة». وإياكم والغضب فإن أمره كبير، وشره مستطير، واستعيذوا بالله من نزغات الشيطان، شياطين الإنس والجن:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكيم العليم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وعليكم بالعدل والإنصاف، والتحمل والصبر مع من تعاشرونه من زوج وقريب وصديق وجليس ؛لتدوم بينكم المودة والإخاء، وتستمر المحبة والوئام، واحذروا من التكبر على عباد الله، فإن الكبر سبب لسوء الأخلاق، ومجلبة للغضب الذي ينتج منه كل شر، فإن المتكبر المعجب بنفسه يتأثر كلما فاته ما يعتقد أنه يستبقي عظمته، ومنزلته عند الناس، فإذا طالبه أحد بحق استشاط غضبه، وكذا إذا نهى عن رذيلة أو عارضة أحد في أي أمر كان لاعتقاده أنه كامل الصفات، غني عن التوجيهات، فعليكم بالتواضع، وخفض الجناح لعباد الله المؤمنين، واقتدوا بصفوة خلقه، فخير الهدي هدي محمد r.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 22التحذير من سوء الخلق.doc76 كيلوبايت
الحمد لله ذي الفضل والامتنان، والعز والسلطان، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكيم الخبير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، واتبعوا أمره ولا تعصوه، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، فكم والى عليكم النعم، وكم أمدكم بفضله وجوده، ولا تزال تجدد نعمه عليكم في البكور، والرواح، والمساء والإصباح:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34]." data-share-imageurl="">