التحذير من الكذب

الحمد لله الواحد القهار، أيقظ من شاء من عباده، فزهدهم في الدنيا، ورغبهم في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الأخيار.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وانتبهوا من رقدتكم، واحذروا من غفلتكم فالسعيد من تيقظ ليوم المعاد، وخاف من عذاب الله يوم التناد، فما أقرب الممات من الحياة، واحذروا عباد الله من الأعمال السيئة التي حذركم منها إلهكم، وخوفكم من مغبتها، وأمركم بالبعد عنها؛ لتسلموا من غوائلها، وتأمنوا من عواقبها، ألا وإن من أقبح الخصال الذميمة الغفلة عن ذكر الله، والتثاقل عن طاعته، وعبادته، والاتصاف بالكذب والغيبة والنميمة، والطعن في أعراض المسلمين، والتطاول على عباد الله المؤمنين، وإن من شر الخصال الكذب الذي حرمه الله في القرآن الكريم، ونهى عنه نبينا r وحذر منه غاية التحذير، يقول الله I: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر: 28]. ويقول e في الحث على الصدق والبعد عن الكذب. كما في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: « إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا ».

وإنه في هذا الزمان قد كثر الكذب والكذابون، والدجل والدجالون، فأصبح الدجالون كثيرين يموهون على الناس، ويحسنون الأباطيل بالكلمات البراقة الخادعة الكاذبة، فكل صاحب فكرة، أو بدعة، أو نحلة، أو اتجاه سيء يحسنون باطلهم ؛ليخدعوا السذج من الناس ويلبسوا على العوام والجهال الهمج الرعاع الذين لم يستنيروا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فيتصيدون بالألفاظ المعسولة، والعبارات الخلابة، والشعارات البراقة، فهذا ينادي للشيوعية ويحسنها، وهذا للاشتراكية المخالفة للإسلام، وهذا يدعو لتحكيم القوانين الوضعية ويفضلها على حكم الله وحكم رسوله، وهي من حكم الجاهلية الذي يقول الله فيه:{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50]. ولكن لما ضعف الإيمان واليقين في النفوس قلدوا أعداءهم، فصاروا يجرون خلفهم في كثير من شئونهم بعقل، وبدون عقل، فاتبعوا أهواءهم وصدوهم عن الصراط السوي.

فاحذروا عباد الله هذه الدعايات السيئة، كالتي ينشرها المرجفون، ويموهون بها الباطل، ويشوهون الحق، فإن الكذب، والدجل في زماننا هذا بلغ الذروة، ووصل إلى درجة لم يصل إليها من قبل، وهذا في الحقيقة توطئة بين يدي أمر عظيم، بين يدي ظهور علامات الساعة العظمى، التي بينها لنا رسول الله r، وإن من علاماتها كثرة الإعراض عن الله، وعن أوامره، والاستخفاف بالدين، وكثرة الدجالين حتى يخرج الدجال الأكبر، الذي وصفه لنا رسول الله r، وحذرنا منه في أحاديث كثيرة، وسمي دجالا؛لأنه يغطي الحق بباطله، وبتمويهه، وتلبيسه، فمن اتصف بهذا الوصف فله نصيب من هذا الاسم.

وإن من صفات المسيح الدجال الذي نوه عنها رسول الله r، تحذيرا وتوضيحا لباطله ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ثم قام رسول الله النبي r  في الناس فَأَثْنَى على الله بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فقال:

« إني لَأُنْذِرْكُمُوهُ، وما من نَبِيٍّ إلا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لقد أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِن سأَقُولُ لَكُمْ فيه قَوْلًا لم يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ ليس بِأَعْوَرَ».

وفي الصحيحين عن أنس tقال: قال النبي r: «ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، إلا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب:كافر». وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: « ذكر النبي r يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية». وفي البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمانtقال:سمعت رسول الله r يقول: « إِنَّ مع الدَّجَّالِ إذا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الذي يَرَى الناس أنها النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الذي يَرَى الناس أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ في الذي يَرَى أنها نَارٌ فإنه عَذْبٌ بَارِدٌ » .

وروى أبو داود وغيره عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله r: «من سمع بالدجال فلينأ عنه-أي ليبتعد عنه -إن الرجل ليأتيه، وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات ».

ولقد أمرنا r بالاستعاذة من فتنة المسيح الدجال في كل صلاة نصليها، كما روى مسلم عن أبي هريرة t قال:قال رسول الله r: « إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ».

وروى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة t عن النبي r: « ما ينظر أحدكم إلا غنى مطغيًا. أو فقرًا منسيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال، فالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر».

وروى عنه r كما في حديث الصعب بن جثامة t قال: سمعت رسول الله r يقول: « لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر » .

فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على أوامر الملك العلام، وابتعدوا عن الفواحش والآثام قبل أن يأتي يوم يشيب من هوله المولود، فيا له من يوم ما أطوله!ومن حساب ما أثقله!ومن حاكم ما أعدله!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 1، 2]

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أمر ربكم، واقتدوا بهدي نبيكم، واعلموا أنكم في زمان قد كثر فيه الفساد، وقل فيه الصلاح، وإن نبيكم r قد أبان لكم العلامات التي تكون في آخر الزمان، المؤذن بقرب خروج الدجال، وغيره من علامات الساعة، فمنها: ما روى عنه r كما في حديث أبي هريرة t قال:قال رسول الله r: « تكون قبل خروج المسيح الدجال سنوات خادعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، ويتكلم الرويبضة. قيل:وما الرويبضة؟ قال: الوضيع من الناس ».

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 24التحذير من الكذب.doc78.5 كيلوبايت
الحمد لله الواحد القهار، أيقظ من شاء من عباده، فزهدهم في الدنيا، ورغبهم في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الأخيار." data-share-imageurl="">