فضل ليلة القدر

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. أحمده سبحانه وأشكره على نواله الكثير. وأستغفره وأتوب إليه من كل خطأ كبير وصغير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المطلع على مكنون الضمير. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله السراج المنير. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أهل الخير والتشمير.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى في السر والجهر، واشكروه على ما من به عليكم من صيام وقيام هذا الشهر، الذي فضله وشرفه وجعل عشره الأخيرة أفضله، وخصها بليلة هي خير من ألف شهر، جعل العبادة فيها خيرا من العبادة في ألف شهر خالية منها، ليلة عظمها وفضلها سبحانه وأنزل فيها أفضل الذكر، أنزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فالسعيد من اغتنم هذه الأيام والليالي، وعرف قدرها وقام بحقها، فصان صيامه عن اللغو والرفث، واغتنم أوقاتها بالصدقة والإحسان، والبر وتلاوة القرآن، والاستغفار والذكر، وقام لياليها بقلب خاشع منيب، وأخلص عمله للإله الحسيب الرقيب، فإن إخلاص العمل أساس للقبول. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : « قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه غيري، تركته وشركه ».

وفي المسند عن أبي سعيد الخدري t عن النبيr: « ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى. قال: الشرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل ».

فاحرصوا -رحمكم الله- على الإخلاص في العمل، وحسن المتابعة للرسول r ، والاهتداء بهديه، وقد كان من هدية r زيادة العمل في مثل هذه الليالي المباركة، فقد كان يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا دخل العشر شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله، ولازم معتكفه؛ طلبًا لليلة القدر، فإنها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ويقدر ما يكون في تلك السنة المباركة، بإذن العزيز العليم، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فرط فيها، وحرم خيرها، فقد حرم الخير الكثير. وفيها يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر وخاصة هذه العشر، فأكثروا فيها عباد الله من الإحسان والتوبة والاستغفار وكثرة الصلاة والطواف، واجتهدوا بالدعاء والالتجاء إلى الرحيم الغفار، بسؤال الجنة والاستعاذة من النار، خصوصًا في مواطن الإجابة، كحالة السجود ووقت السحر.

واعلموا أن ليلة القدر ترجى في ليالي الأوتار من هذه العشر، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، وقد قالت عائشة رضي الله عنها لرسول اللهr: «أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» . فأكثروا من هذا الدعاء النبوي، لعل الله أن يعفو عنكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويعتقكم من النار. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. وأكثروا من صالح العمل والبر والصلة والعطف على الفقراء والبائسين:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } [هود: 114].

عباد الله: إن شهركم قد مضى أكثره، ولم يبق منه إلا القليل، فحاسبوا أنفسكم، واستدركوا ما فاتكم، فمن أحسن فعليه بالاستقامة والإتمام، ومن أساء فعليه بالتوبة وحسن الختام، فإن الأعمال بالخواتيم.

أيها المسلم: هاهو ذا رمضان قد أوشك على الرحيل، فهل اتقيت الله فيه وقمت بحقوقه؟ هل استنار قلبك في رمضان بالصيام والقيام؟ هل امتلأ قلبك رحمة فعطفت على الأرامل والأيتام؟ هل عفوت عمن ظلمك أو صفحت عمن أساء إليك؟ هل حفظت لسانك عن السب والشتم والكذب؟ هل طهرت نفسك من الحسد والغيبة والنميمة؟ هل ابتعدت عن اللهو والغناء وتلذذت بسماع القرآن الكريم؟هل جانبت بيوت الملاهي وأماكن الفسوق؟ولازمت المساجد وأطلت الركوع والسجود؟.

عباد الله: كيف يودع رمضان من أساء فيه؟ من لم ينتفع في أيامه ولياليه؟ ليت شعري! من المقبول منا فنهنيه، ومن المردود فنعزيه؟ اللهم عمنا بفضلك ورحمتك، وسامحنا بعفوك وقدرتك، وعاملنا بعطفك وإحسانك، اللهم إن ذنوبنا أخرست ألسنتنا، وعيوبنا أمامك أخجلتنا، وإننا نرجو من رحمتك وفضلك وكرمك أن تسامحنا، وأن تتفضل علينا، فتعاملنا بـ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92].  

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 9فضل ليلة القدر.doc69 كيلوبايت
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. أحمده سبحانه وأشكره على نواله الكثير. وأستغفره وأتوب إليه من كل خطأ كبير وصغير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المطلع على مكنون الضمير. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله السراج المنير." data-share-imageurl="">