خطبة أول جمعة من شوال

الحمد لله ذي الفضل العميم، والعطاء الجسيم، أحمده سبحانه حمد من قال ربي الله ثم استقام، وأشكره شكر عبد معترف له بدوام الفضل  والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا على طاعة مولاكم، واشكروه أن منَّ عليكم باستكمال شهر الصيام، وما أتبعتموه من صيام ستة الأيام، فاشكروه سبحانه على ذلك.

أيها المؤمن الذي مَنَّ الله عليه، فأدى صومه على الوجه الأكمل، وحفظ لسانه عن اللغو والرفث وقول الزور، فهنيئا لك وما أحراك بالقبول والفوز بجائزة الرب، { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58].

عباد الله: إن الاستقامة على الطاعة والاستمرار على التقيد بامتثال الأوامر، واجتناب المناهي، والزواجر، هي صفة عباد الله المؤمنين، الذين أثنى الله عليهم، ومدحهم، وبين جزاءهم على ذلك، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: 13، 14].

ولقد أمر  الله نبيه بالاستقامة، وحثه على ملازمتها، فقال سبحانه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ } [هود: 112] وقد قام r بما أمره الله به، فاستقام على طاعة الله وعبادته والدعوة إليه، فكانت الاستقامة منهجه، والاعتدال في السير إلى الله صراطه، ورضوان الله مراده، فنال بغيته من ربه، وشرح  الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.

وقد أخبر I أن الاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، واستقامة الأحوال، وحصول الطمأنينة، فقال U : { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16].

فإذا استقام العبد على طاعة الله وعلى ما يرضي الله، واستقام على شكر النعم، وعلم أن هذا كله من الله، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، الذي أعطاه ما أعطاه من  النعم المترادفة والمنن المتكاثرة، نعمة الإسلام التي لا يعدلها نعمة، ونعمة القيام بما أوجب الله عليه من حقوق الله، وحقوق عباد الله، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة القيام بأداء الواجبات الدينية والتكاليف الشرعية، فما أسعد من استقام على الطاعة، وما أشقى من خالف أمر الله ولم يستقم على أداء ما أوجب الله عليه.

روى مسلم في صحيحه  عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال: « قل آمنت بالله ثم استقم » ([1]). فأمره r بالإيمان بالله الذي يشمل عقائد الإيمان وأصوله، وما يتبع ذلك من أعمال القلوب والانقياد لله، والاستسلام له ظاهرًا وباطنًا، والمداومة على ذلك إلى الممات.

فإذا حقق العبد الإيمان، واتصف بشعب الإيمان القلبية، كالرغبة في الخير، والرهبة من الشر، وإرادة  الخير، وكراهية الشر، وأحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وكره لهم ما يكرهه لنفسه، ولازم الطاعات، وابتعد عن المحرمات، فقد حصلت له السعادة في دينه ودنياه،{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

فاستقيموا عباد الله على طاعة مولاكم في كل وقت وحين، فإن عمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، كما قال سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وقد أخبر U عن الذين آمنوا واستقاموا على طاعة مولاهم بما لهم من الفضل والجزاء عند ربهم فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30].

قال بعض المفسرين على هذه الآية الكريمة: تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار : نحن أولياؤكم، أي قرناؤكم في الحياة الدنيا، نسددكم، ونوفقكم بتوفيق الله، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنس منكم وحشتكم في القبور، وعند النفخ في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونتجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم.

فاجعلوا عباد الله الاستقامة شعاركم، وصالح الأعمال غايتكم، وتمسكوا بأخلاق القرآن، واتصفوا بصفات سيد الأنام، يحصل لكم الفلاح، وتتم لكم سعادة الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30، 31].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره، وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد البشر. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على الأثر.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا على طاعة مولاكم في كل حين، ولا تكونوا من الذين يقبلون على الطاعات في زمن، ويعرضون عن ربهم في سائر الأوقات، ولقد مدح سبحانه وأثنى على المستقيمين في عدة آيات من كتابه.

وقد فسر العلماء الاستقامة بأنها الإقبال على الله، وعدم الالتفات إلى غيره، والاستمرار بأداء الواجبات، وترك المنهيات إلى الممات.

فالمؤمنون حقًا هم الذين استقامت قلوبهم على معرفة الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه، فإنه متى استقام القلب على ذلك استقامت الجوارح، فإن القلب ملك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وقد نبه r أمته على أن من أهم الاستقامة استقامة اللسان، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن أنس t عن النبي r أنه قال: « لا يستقم  إيمانًا عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقم قلبه حتى يستقيم لسانه » ([2])، ولما طلب رجل من النبي r أن يدله على أمر يعتصم به، قال له رسول الله r : «قل آمنت بالله ثم استقم» ([3]) ثم قال الرجل: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله r بطرف لسان نفسه ثم قال: هذا -يشير إلى اللسان- أي: هذا أكثر ما أخاف عليك، وقد قال r : « وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم » ([4]).

فاتقوا الله عباد الله،واحفظوا ألسنتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وجميع جوارحكم عما نهاكم عنه مولاكم.

 

 

 

([1])    رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (38).

([2])    رواه أحمد في مسنده (3/198).

([3])    رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (38).

([4])    رواه أحمد في مسنده (3/413).

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 12خطبة أول جمعة من شوال.doc76.5 كيلوبايت
الحمد لله ذي الفضل العميم، والعطاء الجسيم، أحمده سبحانه حمد من قال ربي الله ثم استقام، وأشكره شكر عبد معترف له بدوام الفضل  والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه البررة الكرام." data-share-imageurl="">