حول حادثة مسجد بابري بالهند

(ألقيت بتاريخ 17/6/1413هـ).

الحمد لله العزيز الوهاب، القاهر القادر الغلاب، يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه، وأسأله أن يرفع عنا أسباب سخطه ونقمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا أمره ولا تعصوه، وتمسكوا بدينكم القويم، حققوا إسلامكم وإيمانكم بربكم، فإن تحقيق الإيمان إنما يكون بالعمل الصالح الخالص، وإن مجرد الانتساب أو التسمي بالإيمان، دون قيام والتزام بالواجبات الشرعية، وترك المحرمات الدينية لا يجدي شيئًا .

وإن من أبرز علامات الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة والمعاداة من أجل العقيدة الحقة، ودين الإسلام الذي لا يقبل الله دينًا سواه، ولا يرضى من الأديان غيره، فكل دين غير دين الإسلام فهو باطل، وغير مقبول عند الله كما قال سبحانه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران:85] فدين الإسلام هو الحق، وما سواه فهو باطل وضلال، يقول سبحانه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}[يونس:32] .

ومن المعلوم أن عداوة الدين هي أقسى العداوات وأشدها، وهي التي لا هوادة في عداوتها، ولا مجال للصلح فيها، فكل العداوات قد يرجى زوالها أو خفتها إلا عداوة من يعاديك من أجل عقيدتك ودينك إلا أن تتبعه، وتسير معه على دينه ومبدئه مهما كان، يقول سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:120].

وكل من كان أبعد عن الحق وأعمق في الباطل كانت عداوته لأهل الحق أشد وأبشع، ولهذا كانت عداوة اليهود وعداوة المشركين أشد العداوات على الإسلام وأهله وأعمقها، كما قال سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].

عباد الله: إن أعداء الإسلام على اختلاف مللهم، وتعدد نحلهم من اليهود الظلمة المعتدين، والنصارى الصليبين الحاقدين، والوثنيين الملحدين لا يألون جهدًا في الوقيعة بالمسلمين والتنكيل بهم، وإلحاق أنواع الأذى بهم والتسلط عليهم في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، والاعتداء على مقدساتهم وحرماتهم، والاستهانة بشعائرهم وعباداتهم، وكما هو واقع الآن على إخوانكم المسلمين في بلاد شتى من بلاد المسلمين، وأنحاء مختلفة من المعمورة .

وإن من أحدث ما وقع، ما جرى في هذه الأيام من جرائم بشعة واعتداءات سافرة حاقدة على إخوانكم المسلمين في الهند، واستهانة بمقدساتهم ومساجدهم، بهدمها وتلويثها والعبث فيها من قبل أولئك الوثنيين الحاقدين، وبتواطأ مع حكومتهم الكافرة الظالمة التي تزعم الصداقة للبلاد الإسلامية وهي من ألد أعداء الإسلام والمسلمين .

إن جرائم الاعتداء على المساجد في الهند وهدمها، والاستهانة بالمسلمين الوطنيين في تلك البلاد ومشاعر المسلمين عمومًا في شتى أنحاء العالم ليس هو بأولى جرائمهم، ولا بأبشع اعتداءاتهم على المسلمين، فهم منذ أزمنة طويلة وتاريخ قديم يلحقون بالمسلمين أنواعًا من العذاب والاضطهاد، وأصنافًا من البطش والاستعباد دون مراعاة لحقوقهم الوطنية، ومشاعرهم الإنسانية .

وما جرى منذ سنوات عديدة وحتى الآن على إخوانكم في كشمير من مصائب شتى، وفجائع عظمى، على أيدي أولئك الوثنيين الحاقدين، لمـما تقشعر منه جلود المسلمين، وتتفطر له قلوب المؤمنين، أسىً وحزنًا، وحسرة وألمًا .

فكم في كشمير من أرواح للمسلمين قد أزهقت، وأعراض انتهكت، وأموال سلبت، وحقوق اغتصبت، ومساكن دمرت، على مرأى من العالم، دون حياء ولا خجل، ولا رأفة إنسانية، أو رحمة بشرية . فأين أنتم أيها المسلمون من هذا البغي والعدوان المستديم على إخوانكم المسلمين ومقدساتهم ؟! أين غيرتكم الدينية أيها المؤمنون ؟! وأين حميتكم الإسلامية لإخوانكم أولئك المستضعفين ؟! أليس المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ؟! .

إن على أمة الإسلام -دول وجماعات وأفراد- مسؤولية عظمى نحو نصرة إخوانهم أولئك، والوقوف معهم، ورفع الظلم عنهم، والعمل على استرجاع حقوقهم، والمحافظة على كرامتهم، وحماية مقدساتهم وأماكن عباداتهم .

وإن الواجب الأكبر والمسؤولية العظمى تقع على الدول الإسلامية وقادتها المخلصين في اتخاذ الإجراءات العملية الصادقة ضد تلك الدولة الوثنية الظالمة بما يكفل للمسلمين فيها حقوقهم، ويحفظُ عليهم دينهم وأنفسهم ومحارمهم ومقدساتهم .

وإن الواجب الديني ليحتم على كل فرد مسلم العمل بما يستطيع من مناصرة الحق والدين، وجهاد أعداء الإسلام والمسلمين، جهاد صدق وحق، جهاد لله تعالى، لا لغرض آخر، بل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، جهاد بالنفس والمال، والقلم واللسان، والدعوات القلبية الصادقة، ورفع أكف الاستكانة والضراعة إلى المولى سبحانه أن ينصر الإسلام والمسلمين، ويعلي كلمة الحق والدين، وأن يذل أعداء الدين ويلحق بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فإنه سبحانه يجيب دعاء الصادقين المتقين، ويكشف الضر عن المضطرين .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:78].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الرؤوف الرحيم، أوجب على عباده المؤمنين التعاطف والتراحم، وعقد الأخوة بين المؤمنين مهما تباعدت أقطارهم، واختلفت لغاتهم وأجناسهم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي وصفه الله بالرأفة والرحمة بالمؤمنين، وأمره بالغلظة على الكافرين والمنافقين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى حق تقاته، واعملوا بطاعته ومرضاته، وتذكروا عباد الله أخوانًا لكم في بلاد متعددة وأنحاء متفرقة، قد حلت بهم نكبات، وتوالت عليهم شدائد وأزمات، من جراء تسلط أعداء الإسلام والمسلمين عليهم ممن لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة، وأولئك هم المعتدون، فقد تسلط الأعداء الكثيرون، على اختلاف نحلهم، وتباين أديانهم على إخوانكم المسلمين في بلاد شتى، وساموهم سوء العذاب، وأذاقوهم ألوانًا من البطش والظلم والاستبداد، من سفك للدماء، وإزهاق للأرواح، وانتهاك للأعراض والحرمات، وسلب للأموال والممتلكات، وقضاء على المقدسات، وعبث بأماكن العبادات، وما ذاك إلا لتمسكهم بالإسلام، ورفعهم راية الحق والإيمان{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8] .

ومما يؤسف له أشد الأسف يا عباد الله أن هذه الأهوال تحدث، وهذه الفجائع والمآسي تتكرر، وتزداد يومًا بعد يوم، على مرأى ومسامع المسلمين، وموقف كثير من المسلمين فيها موقف المتفرجين، أو الاكتفاء بمجرد الشجب والتنديد، دون أن يلمس أخوانكم أولئك وقفات فعلية صارمة، ومساندات عملية جادة، توقف هذا العدوان، أو تحد من ثورته، وتضعف نفوذه واستمراره، وإنا نحمد الله تعالى ونشكره على ما قام به ولاة الأمور في هذه البلاد من إعانة لإخوانهم المسلمين في كل مكان . ونسأل الله تعالى أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء، وأن يوفقهم للمزيد من الإعانة والتأييد لإخوانهم المسلمين في سائر بقاع الدنيا .

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 19حول حادثة مسجد بابري بالهند.doc76.5 كيلوبايت
(ألقيت بتاريخ 17/6/1413هـ).

الحمد لله العزيز الوهاب، القاهر القادر الغلاب، يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه، وأسأله أن يرفع عنا أسباب سخطه ونقمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ." data-share-imageurl="">