تحقيق الإيمان والاستقامة عليه

الحمد لله ذي السلطان العظيم، والمن الجسيم، والعطاء العميم، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله المزيد من بره وإحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالي بذاته وقدره وسلطانه. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

 أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى، فقد أمركم بتقواه في كل مجال، وعلى كل حال، يقول سبحانه: (وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ) [البقرة: 41]. واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الإسلام التي لا تعادلها نعمة من النعم، التي هي ملة أبيكم إبراهيم؛ وهي الشريعة الحنيفية السمحة قال سبحانه: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ) [الحج: 78].  فاعرفوا قدرها، وتمسكوا بها، وقوموا بواجبها وذلك باتباع أوامر ربكم والانتهاء عما نهاكم عنه، وتحقيق ما اتصفتم به، فإن الإسلام له حقائق لا بد من الاتصاف بها.

لا بد من الخضوع والاستسلام لله، بكل معنى يؤدي إليه هذا اللفظ ؛ استسلام وإخلاص له في العبادة والتوحيد، وإفراد الله - جل وعلا - بجميع أنواع العبادة له وحده لا شريك له، استسلام لله، وانقياد لأمره بامتثال أوامره،  وتقبلها، وأدائها بكل أدب وانشراح صدر، استسلام لله واجتناب لنهيه؛ بترك النواهي والبعد عنها استحضارا لخشية الله وخوفا من عقابه، استسلام لله ورضا له في جميع قضائه وقدره، وإيمان بأنه من عند الله، والشكر له على حلو القضاء، وإضافة النعمة لمسديها؛ وهو الله سبحانه، والصبر والرضا بمر القضاء وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال سبحانه : ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم ) [التغابن: 11].

استسلام لله وتسليم له في التحاكم إليه، وتحكيم كتابه، وسنة نبيه محمد r، في كل صغيرة وكبيرة، ودقيق وجليل، في جميع الأحوال العامة والخاصة؛ في الأمور الاجتماعية والاقتصادية؛ في الحقوق العامة والأحوال الشــخصية: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيما ) [النساء:65].

فهل يكون مؤمنا من يصرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله؟! من دعاء أو نذر أو ذبح أو رجاء أو توكل أو رغبة أو رهبة؛ والله سبحانه يقول: ( وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا  ) [الجن:18]. ويقول لنبيــه محمد r :( قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (163) ) [الأنعام:162-163].

 فهل يكون مسلمًا من لا يؤدي العبادات التي افترضها الله وأمر بها كاملة في أوقاتها ؟! من صلاة وزكاة وصيام وحج، وغير ذلك مما أمر الله به، وأوجبه على عباده. وهل يتم إيمان عبد يرتكب النواهي من الإشراك بالله وقتل النفس والزنا والسرقة والمعاملات الربوية؟! وهل يتم إيمان عبد يتردد على حوانيت اللهو والخمور وبيوت الدعارة والفجور؟! وهل يكون مؤمنا من يرضي بتحكيم القوانين الوضعية ويقدمها على حكم الله ورسوله r؟! : ( أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡما لِّقَوۡم يُوقِنُونَ ) [المائدة: 50].

 فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أوامر ربكم، وحققوا إسلامكم وإيمانكم، فإن الإيمان ليس بالتسمي ولا بالتحلي والتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وتوبوا إلى ربكم عما مضى من سيء الأعمال، وتوبوا إليه (تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَة نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ) [التحريم: 8].

واستقيموا عليها حتى يأتيكم اليقين، ولا تلوثوا أنفسكم بالذنوب والمعاصي والالتفات إلى غير إلهكم، فإن من سوى الله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا: ( وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَة لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّا وَلَا نَفۡعا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتا وَلَا حَيَوٰة وَلَا نُشُورا ) [الفرقان: 3].

فحققوا إيمانكم بإخلاص العمل لله، وعدم معادلته بأحد سبحانه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ (30) نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلا مِّنۡ غَفُور رَّحِيم (32)  ) [فصلت: 30-32].

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله ذي السلطان العظيم، والمن الجسيم، والعطاء العميم، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله المزيد من بره وإحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالي بذاته وقدره وسلطانه. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه." data-share-imageurl="">