شقيقه العلامة عبدالعزيز السبيل

ترجمة العلامة الشيخ عبد العزيزبن عبد الله بن سـبـَيِّل

1321هـ ــ 1412هـ

 

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،                     وبعــد:

فهذه ترجمة لعلم من أعلام الحنابلة في الوقت المعاصر، وفقيه من فقهاء نجد الكبار، العلامة الجليل، الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن سبيل، - رحمه الله- ترددت في كتابتها كثيراً؛ لصلة القرابة التي تربطني به، ولكن وفاء بحقه علي، وتحقيقاً لرغبة بعض العلماء وطلاب العلم، لاسيما العلامة الشيخ  عبد الله البسام، ـ حفظه الله ـ آثرت كتابتها، وتذكرت لما أردت الشروع في ذلك قول لسان الدين ابن الخطيب- رحمه الله-  لما أن أراد أن يترجم لوالده:"إن طال الكلام، وجمحت الأقلام، كنت كما قيل مادح نفسه يقرؤك السلام، وإن أحجمت فما سديت في الثناء، ولا ألحمت، أضعت الحقوق، وخفت - معاذ الله- العقوق ...الخ"[1]

 لكني أرجو أن يكون ما كتبت وافياً في التعريف به، دون مبالغة، أو تقصير، والله وحده المسؤول حسن القصد والقبول.    

    عمر بن محمد السبيل                                                                                                                     

    مكة المكرمة       25 / 3 / 1416هـ                                                                                                                                                            

اسمــه ونسبه:

هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز السبيل ، من آل غيهب من قبيلة  بني زيد المشهورة في نجد، وبنو زيد من قضاعة القبيلة القحطانية المشهورة.

قدم جده عبد العزيز الملقب (سبَيِّل)من شقراء إلى عنيزة، في حدود سنة 1250هـ، ثم انتقل والده مع عمه وهو صغير إلى البكيرية، واستوطنها في سنة 1280هـ.

ولادتـــه:

ولد -رحمه الله- في مدينة البكيرية إحدى مدن منطقة القصيم، وذلك في أواخر عام 1321هـ .

نشأته وحياته العلمية:

نشأ -رحمه الله- في كنف والدين صالحين عرفا بالخير واشتهرا بالصلاح ، حيث كان والده من طلاب العلم وحفاظ القران الكريم، وإماماً لأحد المساجد في البكيرية فاعتنى بتربيته وتنشئته تنشئة دينية علمية، كما كانت والدته على جانب كبير من الصلاح والتقى، تحفظ أكثر من ثلثي القرآن عن ظهر قلب، ولديها حصيلة علمية شرعية لا بأس بها، فعند بلوغه سن التمييز ألحقه والده بالكُـتَّاب عند خاله الشيخ/ محمد بن علي المحمود ، حيث تعلم على يديه المبادئ الأساسية في التعليم، على الطريقة المعهودة آنذاك ، وحفظ عليه وعلى والده القرآن الكريم عن ظهر قلب، ثم شرع في تلقي العلوم الشرعية، وغيرها من العلوم التي تدرس آنذاك على علماء بلده  وغيرهم ممن يأتي ذكرهم، وهم:

1- العلامة الشيخ/ عبد الله بن سليمان البليهد، رئيس القضاة في الحجاز، وقرأ عليه عندما كان قاضياً للبكيرية، في مبادئ العلوم الشرعية ، في بعض المختصرات في التوحيد والفقه وغيرها.

2- الشيخ/ حمد بن سليمان البليهد ، حيث تولى قضاء البكيرية بعد أخيه السابق الذكر ، وقرأ عليه المترجم له قراءة يسيرة في التوحيد، والحديث، والفقه، وغيرها.

3- الشيخ/ محمد بن مقبل آل مقبل ، قاضي البكيرية بعد الشيخ حمد البليهد، فقد قرأ عليه قراءة طويلة في علوم شتى في التوحيد، والتفسير، والحديث، وغيرها، ولازمه مدة طويلة حتى وفاته -رحمه الله-.

4- العلامة الشيخ محمد بن عثمان الشاوي، المدرس بالمعهد العلمي السعودي بمكة، وبالمسجد الحرام، ثم قاضي شقراء ,كان يقرأ عليه حينما كان يأتي في الصيف إلى البكيرية ويبقى بها بضعة أشهر، فيلازمه للقراءة عليه، وقد انتفع به انتفاعاً كبيراً.

5-الشيخ/صالح بن عبدالله الشاوي، من مشايخ البكيرية المعروفين، قرأ عليه في علم النحو وغيره من علوم اللغة.

فهؤلاء علماء بلده الذين أخذ عنهم العلم ، وأما من تلقى عنهم العلم من خارج بلده فهم:

6- العلامة الشيخ عمر بن محمد بن سليم ،رئيس قضاة القصيم، حيث كان يرحل إليه في مدينة بريدة للأخذ عنه ، وعن غيره من العلماء في بريدة.

وكان أول رحلته إليه في عام: 1340هـ فقرأ عليه في سائر العلوم الشرعية والعربية، وقد استفاد منه فائدة كبيرة ، وخاصة في علم الفقه والفرائض والنحو، وكان الملك عبدالعزيز يرحمه الله ينتدب الشيخ عمر بن سليم إلى بلدة الأرطاوية للوعظ والإرشاد، والتدريس فيها، وكان يصحبه فيها تلاميذه المتميزون، وكان  المترجم له أحدهم.

7- العلامة الشيخ/عبد العزيز بن إبراهيم العبادي، كان ’ من أبرز علماء بريدة في وقته، وكان خاله الشيخ/ عمر بن سليم السابق الذكر يُخلِّفه في القضاء والتدريس، والإمامة إذا  غاب، وكان المترجم له على صلة وثيقة به، وانتفع به كثيراً، ولازمه ملازمة طويلة في الأوقات التي لا يدرس فيها الشيخ عمر بن سليم ، وقد قال لي المترجم له: "كنت أجلس للقراءة عليه وللقراءة له - حيث كان مكفوف البصر- في خلوة في مسجد الشيخ عمر بن سليم الليالي الكثيرة، وكنا لا نشعر بالوقت أحياناً إلا بأذان الفجر الأول، فآخذ بيده وأوصله إلى بيته."

8- العلامة الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، وقد استفاد من هذا العالم الجليل بسؤاله مشافهة عما يشكل عليه من مسائل علمية، حيث كان بين الوقت والآخر يقوم بزيارته في مدينة عنيزة للسلام عليه وسؤاله عما يشكل عليه، كما كان يراسله فيما كان يشكل عليه من مسائل علمية، ولدي كثير من أجوبة الشيخ عبد الرحمن السعدي على رسائل المترجم له.

هذا وقد درس على هؤلاء العلماء الأجلاء في العلوم الشرعية بمختلف أنواعها، وغيرها من علوم الآلة، والتاريخ الإسلامي، وقرأ عليهم أمهات الكتب المعتمدة من المتون والشروح، وكثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم،حتى بزَّ كثيراً من أقرانه، وشهد له مشايخه بالتقدم في العلم.

وكان من أهم محفوظاته بالإضافة إلى كتاب الله الكريم، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والعقيدة الواسطية في التوحيد، لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعمدة الأحكام، وبلوغ المرام، في الحديث، وزاد المستقنع في الفقه، وملحة الإعراب في النحو، كما كان يحفظ الكثير من درر الأدب، وعيون الشعر قديمه وحديثه.

أعمــالــه:

أولاً:التدريس

نظراً لما تميز به -رحمه الله- من تحصيل علمي واسع، وتميز على كثير من أقرانه، فقد طلب منه شيخه الشيخ محمد بن مقبل قاضي البكيرية في وقته التدريس، والجلوس للتعليم في علمي النحو والفرائض، حيث كان شيخه المذكور لا يدرسهما، فاستجاب لرغبة شيخه، وجلس للتدريس في عام 1349هـ،  فكان يجلس بعد صلاة الفجر لتدريس النحو، وكان يدرس في متن الآجرومية ، وقطر الندى ، وملحة الإعراب وشروحها، وغيرها، حيث كانت هذه هي كتب النحو الغالب تدريسها في ذلك الوقت ، فيدرس الطالب حسب مستواه من هذه الكتب المذكورة، كما كان يدرس ألفية ابن مالك مع بعض شروحها لبعض الطلاب المتميزين دراسة خاصة في بيته.

وأما الفرائض فكان يجلس لتدريسها بعد صلاة المغرب، في متن الرحبية وشروحها وغيرها.

وكان -رحمه الله- يحرص على تدريب الطلاب على التطبيق العملي بطرح المسائل الفرضية، ليتمرنوا على حلها، وعلى إعراب الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشواهد العربية؛ لترسيخ هذا العلم في أفهامهم.

واستمر -رحمه الله- في تدريس هذين العلمين فقط مدة سنتين في الوقتين المذكورين، بالإضافة إلى جلوسه للدراسة على شيخه محمد بن مقبل ، ثم في عام 1351هـ صار يدرس سائر العلوم الشرعية، والعربية، والتاريخ، وغيرها من العلوم التي تدرس آنذاك ، فكان يجلس بعد الفجر للنحو، وفي الضحى إلى  قرب الظهر في مختلف العلوم الشرعية، كالتوحيد،والحديث،والفقه، ويدرس للطلاب هذه العلوم الشرعية كل حسب مستواه العلمي والسني، ثم يجلس بعد صلاة الظهر إلى قرب صلاة العصر للتدريس في المطولات، ففي التفسير: تفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي وغيرها، وفي الحديث: الأمهات الست وشروحها، ومسند الإمام أحمد وغيرها، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم ، وكتب التاريخ الإسلامي، كالبداية والنهاية وغيره، وبعد المغرب يخصصه لتدريس علم الفرائض في متن الرحبية وشروحها.

واستمر -رحمه الله- على هذا المنوال في التدريس إلى عام 1373هـ حيث افتتحت المعاهد العلمية في القصيم، فخف إقبال الطلاب على الدراسة التقليدية، فكان يجلس للتدريس في وقتين فقط،  في الضحى، وبين العشائين، ثم انتقل ’ إلى مكة المكرمة سنة 1386هـ، فرغب إليه العلامة الشيخ عبد الله بن حميد الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرامآنذاك في التدريس في معهد الحرم المكي في المسجد الحرام، واستمر فيه إلى عام 1398هـ، وكان وقت الإجازة يذهب إلى مدينة البكيرية، ويجلس للتدريس في الضحى وبين العشائين، ثم اقتصر في سنواته الأخيرة على التدريس بين العشائين فقط.

ثانياً :القضاء

عين -رحمه الله- في قضاء البكيرية وما يتبعها من البلدان كالخبراء والهلالية والشيحية، خلفاً لشيخه الشيخ محمد بن مقبل سنة 1360هـ ، واستمر فيه إلى أن طلب الإعفاء منه سنة 1366هـ، ثم ألزم به سنة 1368هـ ، واستمر فيه إلى  سنة 1378هـ ، وفي أثناء توليه قضاء البكيرية عرضت عليه مناصب قضائية عليا، اعتذر عنها، وذلك كرئاسة المحكمة الكبرى بمكة سنة 1370هـ، وغيرها، وكان حازماً في قضائه، يحـرص علــى الصلــح بين الخصمـين، فـإن لم يجــد بـــداً حكم بما يرى أنه الحق.

يحاول الصلح للخصمين مجتهداً       بالعدل يفصل إن يأبوا ويشتجروا

وكان القاضي في ذلك الزمان هو الذي يتولى الإمامة، والخطابة، والإفتاء، وعقود الأنكحة، وغيرها من الأعمال الدينية، فكان يقوم بهذه الأمور منذ عام 1349هـ نيابة عن شيخه محمد بن مقبل في غيابه، ثم قام بها أصالة منذ عين في القضاء سنة 1360هـ ثم اقتصر على الإفتاء بعد تركه القضاء.

تلاميــــذه:

نظراً لما تميز به -رحمه الله- من مكانة علمية عالية، فقد أخذ عنه العلم عدد كبير من زملائه وأقرانه ، فضلاً عن بقية تلاميذه الذين هم دون ذلك سناً.

وأخذ عنه العلم عدد كبير من أهل بلده، وغيرها من البدان المجاورة، تبوأ كثير منهم مكانة علمية واجتماعية عالية، فمن أشهر الذين تتلمذوا عليه:

  1. الشيخ/ إبراهيم الراشد الحديثي، رئيس محاكم أبها.
  2. الشيخ/ محمد بن صالح الخزيم، تولى القضاء في الرس ثم المذنب ثم عنيزة.
  3. الشيخ/ سليمان بن صالح الخزيم، تولى قضاء نجران، ثم حوطة سدير وغيرها.
  4. الشيخ/ صالح بن إبراهيم الطاسان، قاضي البكيرية
  5. الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن الخزيم، من مشايخ البكيرية المعروفين.
  6. الشيخ / عبد الرحمن بن سالم الكريديس، من مشايخ البكيرية المعروفين ([2])

وممن تتلمذوا عليه ممن هم دون أولئك سناً:

  1. الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز الخضيري، قاضي عفيف ثم المدرس بالمعاهد العلمية كان آخرها بالمدينة المنورة.
  2. الشيخ/ عبد الرحمن بن محمد المقوشي، تولى القضاء في الرياض وغيرها.
  3. الشيخ/ عبد الله بن محمد الخليفي، إمام وخطيب المسجد الحرام.
  4. شقيقه الشيخ/ محمد بن عبد الله بن سبيل الرئيس العام لشؤن المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإمام وخطيب المسجد الحرام.
  5. الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى.
  6. الشيخ/ عبد الله بن إبراهيم الخزيم، مدير التربية الإسلامية بوزارة المعارف.
  7. الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر البراك، الأستاذ بكلية أصول الدين بالرياض.
  8. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله بن محمد السديس، رئيس محاكم تبوك.
  9. الشيخ/ إبراهيم بن عبد العزيز الخضيري، رئيس محاكم القصيم بالنيابة.
  10. الشيخ/ عبد الله بن سليمان السديس، قاضي عفيف ثم الخاصرة.
  11. الشيخ/ علي بن محمد المسلم، الإمام الخاص لجلالة الملك سعود بن عبد العزيز، ثم موجه التربية الإسلامية بوزارة المعارف. 
  12. الدكتور/صالح بن ناصر الخزيم، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالقصيم.
  13. الشيخ/عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين بالرياض.
  14. الشيخ/ عبد الله بن حمد الراجحي، قاضي عروى.
  15. الشيخ/ يوسف بن منصور اليوسف، رئيس محكمة القطيف ثم المستشار بالديوان الملكي.
  16. ابنه الشيخ/ عبد الرحمن السبيل، الموجه بإدارة التعليم بمكة.
  17. الشيخ/ صالح بن يوسف الدخيل الله، من مشايخ البكيرية المعروفين، وكان المترجم له يخلفه في الخطابة عنه لجودة إلقائه وحسن صوته.
  18. الشيخ/ صالح بن سليمان الخزيم، مدير المعهد العلمي بالبكيرية.
  19. الشيخ/ سليمان الدهامي، إمام وخطيب الجامع الكبير بالرس.
  20. الشيخ/ علي بن محمد المزيني، من مشايخ البكيرية المعروفين.
  21. الشيخ/محمد بن عبدالمحسن الفريح، رئيس هيئة البكيرية.
  22. الشيخ ناصر بن محمد الخزيم، إمام جامع البكيرية.
  23. الشيخ عبدالله بن علي الراجحي، من مشايخ البكيرية.
  24. الشيخ ناصر بن عبدالرحمن الخزيم، من مشايخ البكيرية.

- ومن تلاميذه الذين درسوا عليه في مكة:

  1. الشيخ/صالح بن عبد الله العبود، رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
  2. الشيخ/ صالح بن محمد المقوشي، مدير معهد الحرم المكي.
  3. الشيخ/ مقبل بن هادي الوادعي، الداعية المشهور في اليمن.
  4. الدكتور/ عبد الجليل بن حسن العروسي الأثيوبي.
  5. الدكتور/ غالب بن عبدالكافي القرشي اليماني، وزير الأوقاف اليمني سابقًا.
  6. الدكتور/ محمد بن سليمان المنيعي، الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بجامعة أم القرى.
  7. ابن أخيه كاتب هذه الأحرف عمر بن محمد السبيل، وقد قرأت عليه في الفقه، والفرائض في مكة، والبكيرية. 

 

آثاره العلمية:

صنف -رحمه الله- ثلاث مصنفات، ولكنه لم يتمها، وهي: 

1- شرح المنتقى للمجد ابن تيمية، وقد عني بشرحه في بيان مطابقة تراجم الأبواب لمذهب الإمام أحمد، وبيان أوجه الاستشهاد من الأدلة للتراجم.

2-كتاب في الفقه الحنبلي، على طريقة السؤال والجواب، مع بيان الراجح من الروايات في المذهب في بعض المسائل  من حيث الدليل ، وغالبها مبني على اختيارات شيخ الإسلام وترجيحاته. 

3- مختصر في أصول الفقه على طريقة السؤال والجواب.

 

صفاته وأخلاقه:

كان -رحمه الله- أبيض البشرة، ربعة من الرجال، يميل إلى القصر، ذا عارضين خفيفين، ولحية ليست بالطويلة، ذا عقل رزين، وتؤدة وسكينة، وهيبة ووقار، وحسن سمت، وتواضع، وقلة كلام إلا فيما يعني وينفع، محافظاً على وقته، لا يكاد يضيع عليه شيء من وقته بلا فائدة، كثير القراءة والمطالعة،والإكثار من ذكر الله، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ذا زهد وورع، وصلاح وتقى، وقد انقطع في آخر حياته للعبادة والطاعة، وتلاوة القرآن، حتى إنه كان يختم القرآن في كل ثلاث ليال تقريباً، وكان مشهوراً بتعبير الرؤى، وله فراسة لا تكاد تخطيء.([3])

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

كان -رحمه الله- فقيها متبحراً غزير العلم، واسع الاطلاع في علوم متنوعة، في التوحيد والتفسير والحديث والفرائض والنحو، والتاريخ والأدب، أما في الفقه لاسيما فقه الإمام أحمد بن حنبل فله فيه القدم الراسخ، والشأو البعيد، والباع الطويل، مع اطلاع واسع على خلاف المذاهب وأدلتها، واعتناء بقواعد الشريعة العامة ومقاصدها، واهتمام بالغ بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لا يكاد يخفى عليه شيء من اختياراته وترجيحاته.

أما ثناء العلماء عليه:  فقد كانت بينه وبين العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع مدير المعارف مراسلة، فكان الشيخ بن مانع يصدر رسائله إلى المترجم له بعبارة: (الشيخ العلامة).

وقال عنه فضيلة الشيخ عبد الله البسام:" من فقهاء نجد الكبار"([4]) وقال لي -حفظه الله - مشافهة في إحدى زياراتي له في مكة "كنت أسمع الثناء على العم الشيخ عبد العزيز، وكنت أظنه متميزاً في الفقه فقط، فلما قدم إلى مكة،كنت أجالسه بين العشائين في المسجد الحرام لفترة طويلة، فوجدته متميزاً في علوم كثيرة وليس في الفقه فحسب".

وقال عنه فضيلة الشيخ على الهندي في أحد المجالس بمكة وأنا أسمع:" هو علامة القصيم بلا منازع".

وقال فضيلة الشيخ محمد بن عودة وأنا أسمع:" قال لي الشيخ عبدالله بن دهيش: ما رأيت في علماء نجد أفقه من الشيخ عبدالعزيز بن سبيل"

وقال عنه فضيلة الشيخ عبد الله الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام:"إن شيخنا ’....كانت  له اليد الطولى في علم الفقه، والحديث، والنحو، والصرف، وعلم المواريث"([5])

وقال شيخنا الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي المدرس بمعهد الحرم المكي:"ما رأيت أفقه من الشيخ عبدالعزيز بن سبيل"

وقال عنه فضيلة الدكتور صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام:" كان ممن يشار إليه في التبحر في الفقه، وقضى جل وقته بين القضاء والتدريس، وتخرج على يديه علماء مدركون، وكان على صلاح وتقى، كثير الصمت، والبعد عما لايعني، وإذا تحدث ظهر على حديثه الثقة، والرزانة، وكأنه يتخير كلماته تخيراً، وكان على اطلاع ودراية بالأدب، يحفظ من عيونه الشيء الكثير، ويجمل مجلسه وجليسه بالاستشهادات الظريفة، والنكت الطريفة، فلا يمل جليسه، إذا صمت فعليه مهابة، وإذا تحدث أسرك بتلطيف كلماته، وحسن انتقاء عباراته، وفيما علمت أنه كثير القراءة، واسع الاطلاع، لا يضيع عليه وقت بلا فائدة، وفي أواخر عمره لزم بيته، وتفرغ للقراءة والاشتغال بالعبادة."([6])

وقال عنه الشيخ عبد القادر السندي، الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة:" فضيلة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن سبيل، المدرس في معهد الحرم المكي، وهو من المدرسين الأوائل، وتربى عليه جملة كبيرة من العلماء الأفاضل، وهو أيضاً من القضاة البارزين الذين بقوا في هذا المنصب ربع قرن، في بلاد القصيم، إلى أن أكرمه الله في هذا الجوار الكريم، وهو مرجع هام لجميع مدرسي معهد الحرم المكي، خصوصاً في المسائل الفقهية."([7])

وفاتـــه:

أصيب -رحمه الله- قبل وفاته بأربع سنوات بجلطة يسيرة في المخ، حصل معه بسببها ثقل في اللسان، ثم ازدادت معه هذه الجلطة حتى أفقدته القدرة على النطق، مع ضعف في الذاكرة والجسم مما ألزمه الفراش مدة عامين، حتى توفاه الله ليلة السبت، الحادي والعشرين من شهر صفر من عام اثني عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية الشريفة، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر من يوم السبت، وأمَّ الناس في الصلاة عليه شقيقه إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد بن سبيل، ودفن في مقبرة العدل، وحضر الصلاة عليه وتشييعه جمع كبير من العلماء وطلاب العلم، وعدد من أعيان مكة، وتأسفوا على فقده.

وقد رؤي له قبيل وفاته، وبعده منامات حسنة، وخلف من الأبناء: عبد الرحمن، وعمر، ومحمد، وصالح، وأحمد، كما خلف أربع بنات، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

 

 

ما قيل فيه من المراثي:

رثي رحمه الله بمراثي عديدة، شعراً، ونثراً، نشرت في عدد من الصحف والمجلات، فمما قيل فيه من المراثي الشعرية، مرثية شقيقه الشيخ محمد بن سبيل وهي :

 

تجري الأمور على ما خـطــه القـدر
 تطوى الدهور وفي طياتـــها أمــم
وما الحيـــاة لــحي دار ثـــوى
كم مزقت أمـم في الخافقــين سـمت
أخنت عليها صروف الدهر واستلبــت
وما قضـى أحـد منــها  لبـانتــه
أيامـها نكـــد وكلــــها كبـــد
ذي سنــة الله في الأكـــوان قاطبـة
أما ترى العلم والإسلام قد فجـــــعا
لقد فجعنا بـموت الحبـر عالمـنــا
يبكـي عليه الورى تبكي مجالســـه
تبكي مساجــدها تبكي منابرهــــا
وروضة من رياض العلم مزهــــرة
لله من عالم بالفقه مضطلع
وفي العقائد والتوحيــــد عالمهــا
وفي المثاني يغوص في دقائقها
كانت له قدم في النحو راسخة
وفي المواريث كم من فتية نهلــــوا
يجله جلة الأقــوام إن ذكـــــرت
كم مغلق من فنون العلم حار بــــه
أبدى الغوامض للسؤال فاتضحـــت
ما كان مكتسبا بـل كان محتسبــــاً
بالعلم مضطلع بالحلـم متصـــــف
فيه الأنـاة فــلا طيش يطيف بـــه
له وقار وسيـما  العلم بهجتـه
نعــم المعين إذا  ما خلة عرضــت
زان القضاء وكان العدل همته
يحاول الصلح للخصمين مجتهداً
له تلاميذ من نهر له نهلـوا
كانت لهم همم في العلم ساميــة
منهم قضاة بفصل الحق قائمــة
وفتية في بيوت الله دهرهـم
في كل فن لهم إن جئت ملتمســـــاً
أنست مصيبته ما بان من محـــــن
ما بعد يومك للأحزان موجـــــدة
بالأمس بالمنحنى نعش يسير بـــه
في ساحة العدل قد واراه ملحـــده
"غروب در" قضى نحبـاً ومدتـــه
أستودع الله من في القاع أعظمــه
أنزل عليـــه شآبيب الرضا ديماً
ثم الصلاة على أزكى الورى حسبـاً
والآل والصحب ما ناحت مطوقـة

 

 

 

وكل حي له من دهــره غــير
كانت فبانت فلا عين ولا أثـــر
كل امرىء لحمام الموت منتظـر
لا الشمس آفلة عنها ولا القـمـر
منها ممالكها واغتالها القــــدر
ولا استقام له ورد ولا صـــدر
وجمعها فرقة وصفوها كـــدر
بها استوى الخلق أمار ومن أمروا
بعالم عامــــل لله مـؤتمـر
عبد العزيز الذي قد ضمه المـدر
تبكي له حلق تتلى بها الســـور
تبكي المحابر والأقـلام والزبـر
فيها المواعظ والتذكير والنـــذر
كالبحر طاشت له من موجـه درر
وفي الحديث إمام روضه نضــر
مفسراً نافذاً فيـهـا لـه بصــر
يغني اللبيب عن المغني كما سبروا
من بحره وكذا التاريخ والســير
فيهم شمائله أو درسه حضــروا
أهل الدراية واجتالت به الفكــر
دقائق الفهم فارتاحوا وقد ظفـروا
ستون عاماً بنشـر العلـم يبتـدر
والصبر شيمته والصمت والبشـر
بالحلم يدرأ لا عجز ولا خــور
فيه التواضع لا في خده صعــر
للمستجير وللعــافين مـدخــر
عشـرون عاماً بفصل الحق مشتهر
بالعدل يفصل إن يأبوا ويشتجـروا
عذب المذاق لهم من ورده صـدر
قد أحرزوا السبق في الآفاق وانتشـروا
وآخرون دعاة بالهدى جهــــــروا
وفي المعاهد بالتدريس قد عمــــروا
تلق الصواب ومدعوم به الأثـر
ومن صروف خلت قد حفها الكدر
ولا لجرح على آلامـه ضجر
سراة مكة والأحداق تنهمر
لله من جسد في القاع قد قبـروا
من عمره كان "أمناً"كلــه غُـرر
أنت الإله الذي يرجى ويدخر
ما امتد ظل غمام أو همى مطر
مسلماً ما اختفى في أفقه قمـر
وما اختفت في المغيب الأنجم الزهر

 

 

     كما رثاه تلميذه الدكتور صالح بن ناصر الخزيم بمرثية طويلة، أورد بعضاً منها:

فقدناك يا عبد العزيـز مربيـــاً
ورائد آداب ونهـج مـوفق
....……........
فخرجت أثباتــاً فطاحل ذادة
وبثوا كغيث في مرابع جدبة
كما تمرع الأرض الموات إذا همت
وكنت فقيها نير الفكر والحجـى
من السنة المثلى بفهم وحنكة
قضيت قضاء ربع قرن مسدداً
به شبه من شيخه وسناده
وفي الورع الزاكي إمام وقمة
ودرست في المكي طلاب معهد
.............................….

فجعنا بشيخ طال عنا غيابه
فجعنا بشيخ ذي شمائل عذبة
له جاذبيات وأسلوب ماهر
فحينا بتشجيع وحيناً بمصحف
له وقفات صادقات صوارم
أشيخي فكم علم جنينا رحيقه
وكم شاهد حلو يضيف خريدة
بتاريخ أبطال بنو مجد شرعة
فآه على تلك الرياض أريضة
وآه على علم غزير محقق
وما كان في دار الرسول وصحبه
وفي عصرنا الزاهي رياض تجددت
أيا شيخنا ليتي علمت مبكراً
وأمشي مع الأخيار خلف جنازة
فواروك في عدل بمكة أوحداً

 

 

وأستاذ جيـل مـن معـارفــه نثـري
ومنتـــج أفـــذاذ ذوي خلـق طهر
.................................
قضوا في سبيـل الحــق والنهي والأمر
فأحيوا قلوب النـــاس بالرشد والذكـر
هواتين سحب في فياف وفي مصـــر
فوليت تقضـي بالكتـــــاب وبالغـر
وقوة عزم واقتدار وفي صبر
تقياً مصيباً في الفراسة والسبر
فتى مقبل من كان في القدر كالبدر
وفي العلم بحر لا يغيض ولو يجري
فنوناً جنوا منها فوائد كالدر
...........................

وكنا قبيل ذاك نغرف من بحر
أساريره تنداح بالحب والبـشر
يعيد بها الطلاب للعلم والبر
وحيناً بكتب نستفيد مدى العمر
مع الحق يمضي لا يبالي بذي النكر
وكم حكم من فيك طيبة النـشر
وكم قصة تحكي ثوابت للنـصر
أذابت صوى الطغيان بالقضب والسمر
وآه على الإخلاص في دمنا يجري
يذكرنا ما كان في مكة الطهر
من العلم والتعليم في الأعصر الزهر
تعيد لنا التعليم في حلة الفخر
لأحظى بتكبير وأظفر بالأجر
بها العلم محمول إلى  باطن القبر
وذي سنة العلام في السـر والجهر

 

 

 

        وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

                                                                             

                                                                                                                            

                                                                                                              وكتبه

                                                                                                      عمر بن محمد السبيل        

                                                                                                  مكة المكرمة في:25/ 3/ 1416هـ

 

 

([1]) شذرات الذهب، 6/128.

 ([2]) وهؤلاء الستة من أشهر زملائه وأقرانه الذين تتلمذوا عليه.

([3]) انظر: المجلة العربية، العدد: 180 لعام 1413هـ

([4]) علماء نجد خلال ستة قرون: 3/ 935.

[5]) ) جريدة عكاظ، العدد: 9178لعام 1412هـ.

[6]) )جريدة الجزيرة، العدد: 6915لعام 1412هـ.

(([7] الأجوبة المكية على الأسئلة الباكستانية: ص:4.

 

 

ملف وورد و PDF: 

ترجمة العلامة الشيخ عبد العزيزبن عبد الله بن سـبـَيِّل

1321هـ ــ 1412هـ

 

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،                     وبعــد:

فهذه ترجمة لعلم من أعلام الحنابلة في الوقت المعاصر، وفقيه من فقهاء نجد الكبار، العلامة الجليل، الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن سبيل، - رحمه الله- ترددت في كتابتها كثيراً؛ لصلة القرابة التي تربطني به، ولكن وفاء بحقه علي، وتحقيقاً لرغبة بعض العلماء وطلاب العلم، لاسيما العلامة الشيخ  عبد الله البسام، ـ حفظه الله ـ آثرت كتابتها، وتذكرت لما أردت الشروع في ذلك قول لسان الدين ابن الخطيب- رحمه الله-  لما أن أراد أن يترجم لوالده:"إن طال الكلام، وجمحت الأقلام، كنت كما قيل مادح نفسه يقرؤك السلام، وإن أحجمت فما سديت في الثناء، ولا ألحمت، أضعت الحقوق، وخفت - معاذ الله- العقوق ." data-share-imageurl="">