خطبة عيد الفطر المبارك عام 1415هـ .

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر . لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله الذي تابع علينا الإحسان والإنعام، ووفق من شاء لمواصلة العمل على الدوام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام . شرع لنا الأعياد وأفاض السرور، ومنَّ علينا بالعطاء والحبور . أحمده سبحانه على ترادف امتنانه، وأشكره على سوابغ إحسانه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الولي الحميد، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، سيد المرسلين، وأزكى الورى أجمعين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الدهور، وتكررت الأعياد والشهور .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي تترى.

ألا وإن يومكم هذا يوم شريف، فضله الله وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفيض عليهم من جوده وكرمه، فاشكروه على إكمال عدة الصيام، واذكروه وكبروه على ما هداكم وحباكم من نعمة الإسلام، واعبدوه حق عبادته، واتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . أفردوه بالعبادة وأخلصوا له الدين وحده { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].

إن من الواجب علينا غاية الذل والخضوع، وكمال المحبة لله، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والإعراض عن كل ما سواه، وإخلاص العمل لوجهه الكريم .

تدبروا عباد الله كتاب ربكم تفلحوا، وتفهموا سنة نبيكم تهتدوا، وحافظوا على الصلاة فإنها عماد الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، من حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواه أضيع .

أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، فإنها ركن من أركان دينكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، تدخلوا جنة خالقكم .

وعليكم ببر الوالدين فإنه أعظم الحقوق بعد حق الله وحق رسوله، وعليكم بصلة الأقارب والأرحام، والإحسان إلى الفقراء والأيتام، وتدرعوا بالصبر على أقدار الله، واجتنبوا الربا، واحذروا من بخس المكاييل، والموازيين، والمقاييس، والغش، والخداع في المعاملات، ووقروا اليمين بالله في الخصومات، فقد قال r: «من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة فقد لقي الله وهو عليه غضبان» ([2]) .

واحذروا الإفك والبهتان وشهادة الزور، وإياكم والكبر والازدراء، والفخر والخيلاء، وعليكم بالتواضع وخفض الجناح، والتواصل والتراحم فيما بينكم .

عباد الله: اشكروا الله على نعمة الإسلام وتمسكوا به، وافرحوا بهدايتكم إليه{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]. إنه لا سعادة للبشرية إلا في ظل الإسلام، وتطبيق أحكامه، وتعاليمه . يقول سبحانه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. إن نعمة الإسلام سعادة في الدنيا وسعادة في الأخرى . إنها نعمة محسود عليها أهل الإسلام، وإن لم يقدرها بعض الجاهلين من أهله حق قدرها . فما أكثر الجاهلين بالإسلام من أبنائه، وما أكثر الحاقدين على الإسلام من أعدائه، فمنذ ظهر الإسلام على وجه الأرض وأعداؤه يتربصون به الدوائر، ويكيدون له المكائد، ومعاركهم ضده دائرة في كل زمان ومكان، فتارة بالتنفير منه، وتارة بالتمويه عليه، وتارة بالعدوان السافر .

وعندما كان المسلمون مسلمين حقًا وصدقًا، وكانت حياتهم مرآة صادقة للإسلام الصحيح، استطاعوا بتوفيق الله أن يكسبوا النصر في المعارك، وأن يقفوا في وجوه أعداء الإسلام، وأن يسدوا عليهم جميع المسالك، إذ كان منهم على كل ثغر من الثغور حارس يحرس الإسلام بسيفه أو لسانه أو قلمه .

وكان منهم على كل ثغر مرابطون باعوا أنفسهم لله، وكرسوا جهودهم للوفاء بعهد الله، فلما خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، أصبحت النكبة على الإسلام نكبة عظمى، والكارثة كارثة كبرى، فها هي البلاد الإسلامية تهتك فيها الحرمات، وييتم فيها الأطفال، ويقتل فيها الأبرياء، وتصادر الأموال، وتهدم المنازل، وتستباح المقدسات، وتقوض المساجد، ويمنع عباد الله من أداء شعائر الله .

أيها المسلمون: هاهو مسرى نبينا r أولى القبلتين، وثالث المسجدين الشريفين، يئن تحت الاحتلال من قبل فئة آثمة طغت في الأرض .

هاهم إخواننا في فلسطين، وفي الشيشان، وفي البوسنة والهرسك، وفي كشمير، وفي غيرها من بلاد كثيرة، يقتلون، ويشردون، ويعانون من شظف العيش، والظلم، والعدوان { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج: 8].

 إنه لمما يؤسف له أن يستهدف الإسلام وأهله في أماكن كثيرة، ونجد أن أكثر البلاد الإسلامية تراقب هذه الأوضاع المؤلمة، والأحوال المحزنة من بعيد، دون جهود مبذولة لوقف هذه المجازر، ووضع حد لتلك المآسي، وإنا نشكر الله جل وعلا ثم نشكر لولاة أمور هذه البلاد ما يقومون به من مساندة ومساعدة لإخوانهم المسلمين في أماكن كثيرة من العالم .

أيها المسلمون: إن مسؤولية الأفراد والجماعات والحكومات مسؤولية كبيرة، وعليهم واجب إسلامي عظيم، تجاه إخوانهم للوقوف معهم، ومساندة قضاياهم، ودعمهم ماديًا ومعنويًا، واستخدام جميع الوسائل السياسية والاقتصادية لرفع المعاناة عنهم في بلاد كثيرة من العالم .

أيها المؤمنون: إن الله أوجب على الأمة الإسلامية التعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتناصح فيما بينها، وهذا واجب لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .

وإن خيرية هذه الأمة مرتبطة بقيامها بهذا الأمر{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. إن على الأمة القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وفق منهجه r ،ووفق منهج أصحابه، والسلف الصالح من بعدهم، وذلك بالرفق واللين، دون عنف أو تجريح أو غلو ومبالغة .

ألا وإن مما يشاهد اليوم اجتهاد بعض الأفراد والجماعات في القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلى درجة تجعلهم يغفلون عن القاعدة الشرعية العظيمة، التي حددها علماء الأمة، وهي أنه يجب أن لا تكون إزالة المنكر سببًا في حصول منكر مثله أو أعظم منه . ولذا وقعت بعض الأخطاء وحدثت بعض الحوادث التي حصل فيها ضرر على المسلمين، وقد وصل الأمر إلى إتلاف أموال، وممتلكات محترمة، بل وإزهاق نفوس مؤمنة بريئة .

إن من زعم أن هذا من تغيير المنكر فقد ضل الطريق، وحرم التوفيق . إن قتل الأبرياء، وإتلاف الممتلكات من كبائر الذنوب التي توعد القرآن عليها أشد العذاب . يقول سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206]. ويقول جل شأنه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء: 93].

عباد الله: أخلصوا عملكم لله، واجتمعوا على كلمة الحق، وإياكم والتفرق والاختلاف، والتنازع والشقاق، وإن مما ابتليت به كثير من بلاد المسلمين، وجود طوائف متعددة، وأحزاب متنافرة، وجماعات مختلفة، كل يرى أنه على الصواب، وما سواه على الخطأ . كل فرد يناصر حزبه وطائفته، حتى صار الولاء والبراء لهذه الأحزاب في كثير من البلاد .

وقد يصل بالبعض منها إلى التعاون مع أعداء الإسلام ضد إخوان لهم في العقيدة والدين، وهذا مؤذن بخطر عظيم، وبلاء عريض على الإسلام وأهله، فالولاء يجب أن لا يكون إلا لله، والحب والبغض لا يكون إلا في الله .

والواجب أن يسود التكاتف والتآلف بين المسلمين في مواجهة أعدائهم، الذين يتربصون بهم الدوائر، ويكيدون لهم المكائد، فعليكم أيها المؤمنون باتباع هدي نبيكم الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والسير على نهج السلف الصالح الذين كانوا يحرصون على جمع كلمة المسلمين، وينهون عن التفرق والاختلاف، ويسمعون ويطيعون لولاة أمورهم، عملًا بقوله سبحانه وتعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59].

إن عدم الالتزام بهذا الأمر الإلهي مؤذن بتفرق الكلمة وشتات الشمل . ولذا حذر من ذلك النبي الكريم عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، وأوجب الطاعة لولي الأمر، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر t قال: قال r: « على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وفيما كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » ([3]).

إن على ولاة أمور المسلمين تحكيم شرع الله، على عباد الله، في أرض الله، كما يجب عليهم أن يحكموا بالعدل بين شعوبهم، وأن يقوموا بحقوق الرعية حق القيام، ويؤدوا الأمانة العظمى، وفق المنهج الإلهي، والهدي النبوي، وأن يطبقوا أحكام الإسلام كاملة غير منقوصة، وأن يبتعدوا عن كل ما يخالف أحكام الإسلام وتعاليمه
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]. وإننا لنحمد الله على ما أنعم به على هذه البلاد من تطبيق شرع الله وإقامة حدوده فحصل بذلك الأمن والاستقرار، وندعو الله لولاة أمورنا بالتوفيق والسداد إنه سميع مجيب .

أيها المسلمون: لقد ابتلي العالم الإسلامي اليوم بكثير مما تبثه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، مما يتنافى مع تعاليم الإسلام وآدابه، وما فيه خطر على الدين والأخلاق، فاحرصوا رحمكم الله على مراقبة النشء وتربيته على منهج الإسلام، والبعد به عن كل ما يتنافى مع تعاليم الدين، تلكم مسؤولية الآباء والأمهات، فكلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته، وعلى رجال الإعلام في بلاد الإسلام أن يتقوا الله، وأن يتجنبوا التبعية الإعلامية لمناهج الغرب، وأعداء الإسلام، وأن لا يقدموا للأمة إلا ما يتفق مع تعاليم دينها الحنيف .

عباد الله: عليكم بالتخلق بأخلاق القرآن، والتأدب بآداب سيد الأنام، حسنوا أخلاقكم مع إخوانكم المؤمنين، ومع أقاربكم وجيرانكم، فما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، حسنوا أخلاقكم مع أهليكم، وأزواجكم، فقد قال r « أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم » ([4]).

أيتها المسلمة: اتقي الله وحافظي على ما أوجب الله عليك في دينك، وأمانتك، وما استرعاك الله عليه . حافظي على كرامتك وعرضك، والتزمي الحشمة والوقار، والبعد عن مزاحمة الرجال، مري أبناءك بالصلاة، وعوديهم على الطاعة والصدق والأمانة ومكارم الأخلاق .

عباد الله: تذكروا باجتماعكم هذا يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد في ذلك اليوم { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عبس: 38 - 41]. فرحم الله امرءًا أعد لذلك اليوم عملًا صالحًا، وتوبة صادقة، تمحو زلـله، وتقيل عثرته .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [الشورى: 25].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

أول الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله وفق من شاء للرضا والقناعة، وهداهم لسلوك سبيل أهل البر والطاعة، وحماهم عن طريق أهل التفريط والإضاعة، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أفضل الرسل، وخير الأنام، نصح الأمة، وأدى الأمانة، وقام بالرسالة خير قيام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله ربكم حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأخلصوا له العبادة والطاعة في كل وقت وحين، وأنيبوا إلى ربكم، وأسلموا له لعلكم تفلحون .

وتذكروا عباد الله، أن الله تعالى قد أسعد البشرية ببعثة سيد المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، فقد بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحي، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وفتح الله تعالى به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا .

أرسله الحق سبحانه رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ولم ينتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة على الخلق أجمعين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. فدين الله كامل في توحيده وعباداته وطاعته، شامل في حكمه وأحكامه، وتشريعاته وتوجيهاته، من تمسك به حقًا، والتزم به إخلاصًا وصدقًا، حصلت له السعادة في الدنيا، وفاز بالنعيم الدائم في الأخرى .

عباد الله: إن من كمال هذا الدين، وشمولية أحكامه وتشريعاته، أنه ليس دين عبادة يؤديها العبد لله سبحانه فحسب، بل هو إلى جانب ذلك دين أخلاق كريمة، ومثل عالية، ومعاملات مع الناس حسنة، فعلى المسلم أن يكون محققًا لإيمانه بربه، مخلصًا له سبحانه وتعالى في طاعته، ملتزمًا بأوامره، مجتنبًا نواهيه، فلا يراه حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، لكنك قد تجد بعضًا من الناس يكون ملتزمًا في عبادته من صلاة وصيام وزكاة وحج، حريصًا على أدائها على الوجه الأكمل، لكنه مقصر في جانب آخر من جوانب الدين له أهميته الكبرى، وهو اجتناب ما حرم الله تعالى من الذنوب والمعاصي، وكبائر الإثم، والفواحش، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام والوقوع في أعراض المؤمنين والمؤمنات بالغيبة والنميمة والبهتان، والاستيلاء على حقوق الآخرين، ومماطلتهم حقوقَهم، والإساءة إليهم في المعاملات، فلا يتورع عن غش ولا خداع، ولا كذب واحتيال، ولا اختلاس من الأموال العامة أو الخاصة، يخلف الوعود، ولا يفي بالمواثيق والعهود، دون أن يحسب لهذه التصرفات ونحوها من ضروب المعاملات السيئة حسابًا، أو يلقي لها بالًا، ولسان حاله أنه لن يسأل عن ذلك يوم القيامة، وأنه غير مجزي بسوء أعماله، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123]. ويقول جل شأنه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].

ألا فليتق الله أولئك حق التقوى، وليحذروا من ذلك غاية الحذر وليتذكروا أنه لا يكمل إسلام المرء، ولا يتم إيمان العبد إلا حين تنعكس عباداته على سلوكه، ويظهر أثرها في خلقه ومعاملاته وجميع تصرفاته .

أما حين تؤدى العبادات، مع إغفال حقوق الناس، فإن في ذلك خطرًا عظيمًا على المرء يوم القيامة، كما جاء التحذير النبوي الكريم عن ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار » ([5]) .

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أن تقعوا في شيء من ذلك، فإن ذلك من أسباب ذهاب الأعمال الصالحة، ووقوع العذاب يوم القيامة .

عباد الله: إن من تمام نعمة الله علينا إكمال شهر رمضان، فنسأل الله أن يمن علينا بقبول الصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقائه من النار .

ألا فداوموا رحمكم الله على الإقبال على طاعة الله، وأكثروا من ذكر الله وتكبيره، وتعظيمه، وشكره سبحانه، وصلوا الإحسان بالإحسان، والطاعة بالطاعة، فإن ذلك من أمارات قبولها، واستجيبوا لما ندبكم إليه نبيكم r ، من صيام ست من شوال، مبينًا عليه الصلاة والسلام فضل ذلك وثوابه بقوله: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر » ([6]).

فاغتنموا رحمكم الله مواسم الخيرات، وتعرضوا لنفحات ربكم في جميع الأوقات، وتسابقوا إلى الخيرات ينزل الله عليكم الرحمات .

ألا وصلوا عباد الله، على خير البرية أجمعين، ورسول رب العالمين، نبي الهدى، والرسول المجتبى، فقد أمركم مولاكم بذلك في محكم كتابه حيث يقول:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، المهاجرين منهم والأنصار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن العشرة المفضلين، وأهل بدر، والعقبة، وأصحاب الشجرة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين , وانصر المجاهدين في سبيلك، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا في كل مكان يا رب العالمين .

اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وفي الشيشان، وفي البوسنة والهرسك، وفي كشمير، وفي سائر الأقطار يا قوي يا عزيز . اللهم إنهم عبادك المستضعفون قد وقع عليهم البلاء فانصرهم على أعدائهم . اللهم كن معهم ولا تكن عليهم . اللهم قو عزائمهم، وسدد سهامهم وآرائهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا أكرم الأكرمين . اللهم أصلح أحوال إخواننا في أفغانستان، وفي الصومال، واجمع كلمتهم على الحق والدين .

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، ووفق ولاة أمورهم، للعمل بكتابك وسنة نبيك . اللهم احفظ إمامنا بحفظك، وأيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وأيده بالإسلام، وأيد الإسلام به، وانصر به الحق وأهله، واجمع به كلمة المسلمين، يا رب العالمين .

اللهم ادفع عنا الغلا، والوبا، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا رب العالمين .

ربنا اغفر لنا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار .

عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

 

 

([2])    رواه البخاري في كتاب التوحيد، رقم (7445) .

([3])    رواه البخاري في كتاب الأحكام، رقم (7144)، ومسلم في كتاب الإمارة رقم (1839) واللفظ له .

([4])    رواه الترمذي في كتاب الرضاع رقم (1162) وأحمد في مسنده 2/20، 472، 527 .

([5])    رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2581) .

([6])    رواه مسلم في كتاب الصيام، رقم (1164) .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 4خطبة عيد الفطر المبارك 1415هـ.doc104 كيلوبايت
 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر . لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله الذي تابع علينا الإحسان والإنعام، ووفق من شاء لمواصلة العمل على الدوام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام ." data-share-imageurl="">