خطبة عيد الفطر المبارك عام 1416هـ .

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله على جزيل نواله وإحسانه، وترادف فضله وامتنانه، أعان عباده المؤمنين على الصيام والقيام، ووعدهم بجزيل العطاء الإكرام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام، شرع لهم الأعياد ليفيض عليهم السرور، وليضاعف لهم الإحسان والحبور، ويدفع عنهم المحن والشرور .

أحمده سبحانه وأشكره على الدوام، حمدًا يتجدد بتجدد الشهور والأعوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأنام، المخصوص من ربه بأشرف مقام، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد المصطفى المختار، وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى صحابته الأبرار، المهاجرين منهم والأنصار، ومن تبعهم على الهدى، وسار على نهجهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته فإن من اتصف بالتقوى جعل الله له من أمره يسرا، ومن كل ضائقة مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، يقول تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2-3] ويقول عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [الطلاق: 4]. واشكروه سبحانه على نعمه الوافرة، وآلائه المتكاثرة.

ألا وإن يومكم هذا يوم شريف، فضله الله وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفيض عليهم فيه من جوده وكرمه، وفضله وإحسانه، فاشكروه على إكمال شهر الصيام، واذكروه وكبروه على ما حباكم من نعمة الإسلام، وتدبروا عباد الله كتاب ربكم تفلحوا، واتبعوا هدي نبيكم تهتدوا.

أقيموا أركان دينكم بصدق وإخلاص لله تعالى ربكم، وحسن متابعة لهدي نبيكم u، حافظوا على الصلاة، فإنها عماد الدين، وهي صلة بين العبد وبين ربه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع .

أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، منشرحة بها صدوركم، وصوموا شهركم، شهر الصيام والقيام، وحجوا البيت الحرام تدخلوا الجنة بسلام.

وعليكم ببر الوالدين، وصلة الأقارب والأرحام، والإحسان إلى الفقراء والأيتام،، وتدرعوا بالصبر على الأقدار، واجتنبوا الربا، والإثم، وقول الزور، واحذروا من بخس المكاييل، والموازين، والمقاييس، والغش، والخداع في المعاملات، ووقروا الأيمان بالله في خصوماتكم، ومنازعاتكم، وعليكم بالتواضع، وخفض الجناح، والتواصل، والتراحم فيما بينكم .

عباد الله: إن دين الإسلام هو دين العبودية الحقة لله رب العالمين . إنه دين العدل والإحسان، والمحبة والوئام، إنه استسلام لله بالتوحيد، وانقياد له بالطاعة،وبعد عن الشرك،ومظاهر الوثنية، واجتناب للفساد في الأرض. إن المسلم الحقيقي هو من يحقق الاتصاف بقوله r: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»([2]) أما من يتسمى بالإسلام، وعمله يخالف قوله، فتجده يهمل الواجبات، ويرتكب المنكرات، ويأكل أموال الناس بالباطل، ويحلف الأيمان الكاذبة، لا يراعي حق والديه، ولا حق القرابة والأرحام، يخلف الوعد، ولا يفي بالعهد، لا يرحم صغيرًا، ولا يوقر كبيرًا، فإنه لم يحقق الإيمان، ولم تنعكس عبادته على حياته وسلوكه . إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .

إنه لمن المؤسف في واقعنا اليوم ما نرى من أناس يتظاهرون بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، ولكن أعمالهم تخالف أقوالهم . كيف يدعو للإسلام من يخالف تعاليم الإسلام بما يرتكبه من منكرات ؟! هل من تعاليم الدين الإسلامي ما يفعله بعض من يزعمون أنهم يريدون الإصلاح، أو يريدون تغيير المنكر في بعض البلاد الإسلامية أو غيرها، بما يقومون به من أعمال لا يقرها دين من الأديان، ولا شريعة من الشرائع، بل ولا يرتضيها ذو عقل سليم ومنهج رشيد ؟! .

هل من الدعوة إلى الله القيام بقتل الأبرياء، وسفك الدماء، وهتك الأعراض ؟! هل من دين الإسلام القيام بإحراق الممتلكات، وإحداث التفجيرات في أماكن يكون فيها الرجال والنساء والأطفال، من المسلمين وغير المسلمين، ما ذنب هؤلاء وما جرمهم، حتى تفعل بهم تلك الأفعال؟! وترتكب في حقهم تلك الفجائع والأهوال ؟! هل هم مستحقون لذلك شرعًا ؟! .

أليس رسول الهدى r نهى عن قتل شيوخ المشركين وأطفالهم ونسائهم حتى في حالة الحرب . فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله r فنهى رسول الله r عن قتل النساء والصبيان» ([3]).

وفي حديث أنس t أن رسول الله r قال: «انطلقوا بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا وضُمُّوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين » رواه أبو داود ([4]).

وفي حديث ابن عباس « لا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع » ([5]) فكيف يسوغ للمسلم أن يقتل النساء والصبيان وغيرهم من المسلمين أو غير المسلمين من دون ذنب أو جريمة ؟! وإنما يفعل ذلك لأجل إغاظة قوم آخرين، أو تحقيق هدف ينشده، ألم يقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. ألم يسمع قول المصطفى r: «من قتل نفسًا معاهدة لم يرح رائحة الجنة » ([6]).

إن الذي يزعمون أنهم يريدون الإصلاح، وأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بهذه الطريقة، فإن فعلهم هذا هو المنكر بعينه، إنه ليس من الإسلام في شيء ولكنه من أعمال الجاهلية، ومن الإفساد في الأرض بغير حق . ألم يسمعوا قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:204-206].

عباد الله: إن دين الإسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، ولقد تكفل الباري جل شأنه لمن استمسك بالنصر والتمكين في الأرض، والسيادة على الخلق .

ولذا ساد دين الإسلام العالم قرونًا طويلة، لما كان أهله متصفون به، ظاهرًا وباطنًا، عملًا واعتقادًا، سلوكًا ومنهجًا . قاموا بحقوق الإسلام بينهم وبين خالقهم وبارئهم وإلههم ومعبودهم جل وعلا، اتصفوا بالإسلام في سلوكهم، وفي معاملاتهم مع الناس، مؤمنهم وكافرهم، أعطوا كل ذي حق حقه كما أمرهم ربهم .

وساروا على نهج نبيهم r، فسادوا العالم، مسلمهم وكافرهم، بعدلهم وبصدقهم وأمانتهم، وحسن معاملتهم، فعاش أهل الإسلام في أمن وطمأنينة، متعاونين على الخير في جميع شئونهم الدينية والدنيوية، ونعم معهم غيرهم ممن أقرهم المسلمون في بلاد الإسلام بالعهد والذمة فآتوهم حقوقهم كاملة، حفظوا نفوسهم وأعراضهم وأموالهم ووفوا لهم بالعهود والوعود وبجميع الحقوق، فعاش أولئك من غير المسلمين في ظل عدل الإسلام عيشة هنيئة .

حينما كان المسلمون بهذه الصفة من تمسكهم بكتاب ربهم، وسنة نبيهم r م ووفوا لهم بالعهود والوعود وبجميع الحقوق ، فعاش أولئك من غير المسلمين في ظل عدل الإسلام عيشة هنيئة حفظهم الله بحفظهم لحرمات الإسلام، وقيامهم بالعدل في حق الصغير والكبير والرجل والمرأة، والرئيس والمرؤوس، وهذا مصداق قوله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

عباد الله: لقد كتب الله عز وجل لأمة الإسلام العزة والكرامة على غيرها من سائر الأمم بما حباها من قوة روحية ليست عند غيرها، وإن تعاليم الدين القويم، والشرع المبين، لتؤكد على الأخذ بأسباب القوة والتقدم والرقي في مدارج الحضارة، إعلاء لشأن الأمة، وإبقاء لمكانتها وهيبتها . يقول سبحانه وتعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60].

 ولقد كان لدولة الإسلام في قرون متطاولة خلت صولة لا تبارى، وجولة لا تجارى، وهيبة لا تقارع، وما ذاك إلا باستمساكها بدينها حقًا وصدقًا، ولما كانت عليه من قوة مادية في مختلف المجالات .

فلقد حاز المسلمون الأوائل قصب السبق في مضمار التقدم الحضاري، وسبقوا غيرهم في مجالات علمية دنيوية كثيرة . وكان همهم العلم النافع، والعمل الصالح، والكسب المشروع، والتنافس المحمود، والرقي المطرد، حتى حقق الله ما وعدهم به من التمكين في الأرض، والسيادة على الخلق {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55].فهلا أعاد المسلمون تلك الأمجاد التليدة، والمكانة المرموقة، وهم يملكون أغلى الثروات وأكبر المقدرات ؟ .

إنه لن يتحقق لهم ذلك إلا في ظل التمسك بالدين القويم، والاعتصام بحبل الله المتين، والاجتماع على كلمة سواء، والتعاون على البر والتقوى في كل ما من شأنه أن يعلي مكانة الأمة، ويرفع شأنها بين الأمم، تحقيقًا لقوله جل شأنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:102-103].

إن على أمة الإسلام بما حباها الله من نعم كثيرة، وخيرات وفيرة، وعقول مفكرة، وأيد ماهرة في دولها المختلفة، أن تأخذ بأسباب القوة والمنعة في جميع المجالات، ومختلف نواحي الحياة، وأن تعمل على الاعتماد على ذاتها، وأن تحقق لنفسها الاكتفاء في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية وغيرها، وأن تتعاون فيما بينها حكومات وشعوبًا لتحقيق هذا الهدف، فما من أمة احتاجت إلى غيرها إلا ذلت وهانت، ولا استغنت بنفسها إلا قويت وعزت، وصار حقها بين الأمم محفوظًا، وجانبها بين الدول مرهوبًا، يخشاها العدو ويرجوها الصديق .

هذا هو المأمول من أمة الإسلام قيادة وشعوبًا، لكن المتأمل لحال الأمة الإسلامية اليوم، يشعر بعظيم الأسى لما آلت إليه هذه الحال .

عباد الله: لقد أصبح أعداء الله، وأعداء دينه، يسيطرون على مصالح المسلمين، ويسيرون كثيرًا من أمورهم السياسية والاقتصادية لما يخدم مصلحة غير المسلمين . ها هم الأعداء يتحكمون في مصير إخوان لنا في مواطن كثيرة من هذا العالم الواسع، تغتصب أراضيهم، وتسلب حقوقهم، ويُستولى على ثرواتهم وخيراتهم .

أليس المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين، ومسرى سيد الثقلين، نبينا محمد r لا يزال مغتصبًا من قبل فئة معتدية آثمة، دنست مقدسات المسلمين، واغتصبت أرضهم، وقتلت إخواننا في فلسطين، وسلبت حقوقهم ؟! وإخوان لنا في أماكن أخرى في البوسنة والشيشان، وفي كشمير، وغيرها من بلاد كثيرة يعانون أنواعًا من الاضطهاد والظلم والفاقة والجوع .

كيف يرتاح لنا بال ويهنأ لنا عيش وهذه أحوال إخواننا في كثير من البلاد ؟! إن على المسلمين أن يقوموا بالدعم المادي والمعنوي لنصرة إخواننا المضطهدين في دينهم في كل مكان، تحقيقًا للأخوة الإيمانية التي عقدها القرآن الكريم بين المؤمنين { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10].

أما القادة والحكام المسلمون فعليهم تقع المسؤولية الكبرى، المتمثلة في الوقوف مع إخوانهم المسلمين، ومناصرتهم، وبذل جهد أكبر، واستخدام وسائل متعددة، سياسية واقتصادية وغيرها، من أجل إيجاد حلول لمشاكلهم ووضع نهاية لمآسيهم .ولنا أمل كبير في قادة هذه البلاد المباركة أن يستمروا في بذل مساعيهم الخيرة من أجل نصرة الإسلام والمسلمين، وإغاثة الملهوفين، ورعاية الحرمين الشريفين، زادهما الله تشريفًا وتعظيمًا، كما نسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرع الله، والعمل بسنة رسوله r، وأن يدلهم على ما فيه خير الإسلام والمسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بالذكر الحكيم، وبهدي سيد المرسلين . أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

أول الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله وفق من شاء للرضا والقناعة وهداهم لسلوك سبيل أهل البر والطاعة، وحماهم عن طريق أهل التفريط والإضاعة، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أفضل الرسل، وخير الأنام، نصح الأمة، وأدى الأمانة وقام بالرسالة خير قيام . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله ربكم حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . وأخلصوا له العبادة والطاعة في كل وقت وحين، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له لعلكم تفلحون .

وتذكروا عباد الله، أن الله تعالى قد أسعد البشرية ببعثة سيد المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله الحق سبحانه رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . ولم ينقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حتى أكمل الله به الدين، وأتم النعمة على الخلق أجمعين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3].

فدين الله كامل في توحيده وعباداته وطاعته، شامل في حكمه وأحكامه، وتشريعاته وتوجيهاته، من تمسك به حقا، والتزم به إخلاصًا وصدقًا، حصلت له السعادة في الدنيا، وفاز بالنعيم الدائم في الأخرى .

عباد الله: إن من كمال هذا الدين، وشمولية أحكامه وتشريعاته، أنه ليس دين عبادة يؤديها العبد لله سبحانه فحسب، بل هو إلى جانب ذلك دين أخلاق كريمة، ومثل عالية، ومعاملات مع الناس حسنة، فعلى المسلم أن يكون محققًا لإيمانه بربه، مخلصًا له سبحانه وتعالى في طاعته، ملتزمًا بأوامره مجتنبًا نواهيه، فلا يراه حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، وتذكروا عباد الله أنه لا يكمل إسلام المرء ولا يتم إيمان العبد، إلا حين تنعكس عباداته على سلوكه، ويظهر أثرها في خلقه ومعاملاته وجميع تصرفاته .

أما حين تؤدى العبادات مع إغفال حقوق الناس فإن في ذلك خطرًا عظيمًا على المرء يوم القيامة، كما جاء التحذير النبوي الكريم عن ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار » ([7]).

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أن تقعوا في شيء من ذلك فإن ذلك من أسباب ذهاب الأعمال الصالحة ووقوع العذاب يوم القيامة .

أيها المسلمون: لقد ابتلي العالم الإسلامي اليوم بكثير مما تبثه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية مما يتنافى مع تعاليم الإسلام وآدابه، وما فيه خطر على الدين والأخلاق . فاحرصوا رحمكم الله على مراقبة النشء وتربيته على منهج الإسلام، والبعد به عن كل ما يتنافى مع تعاليم الدين . تلكم مسؤولية الآباء والأمهات، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، وعلى رجال الإعلام في بلاد الإسلام أن يتقوا الله، وأن يتجنبوا التبعية الإعلامية لمناهج الغرب، وأعداء الإسلام، وأن لا يقدموا للأمة إلا ما يتفق مع تعاليم دينها الحنيف .   

عباد الله: عليكم بالتخلق بأخلاق القرآن الكريم، والتأدب بآداب سيد المرسلين، حسنوا أخلاقكم مع إخوانكم المؤمنين، ومع أقاربكم وجيرانكم، فما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق . حسنوا أخلاقكم مع أهليكم وأزواجكم، فقد قال r « أكمل المؤمنين إيمانًا، أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم » ([8]).

أيتها المسلمة: اتق الله وحافظي على ما أوجب الله عليك في دينك وأمانتك وما استرعاك الله عليه، حافظي على كرامتك وعرضك، والتزمي الحشمة والوقار والبعد عن مزاحمة الرجال، مري أبناءك بالصلاة، وعوديهم على الطاعة، والصدق، والأمانة، ومكارم الأخلاق .

عباد الله: إن من تمام نعمة الله علينا إكمال شهر رمضان فنسأل الله أن يمن علينا بقبول الصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقائه من النار، ألا فداوموا رحمكم الله على الإقبال على طاعة الله، وأكثروا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه وشكره سبحانه، وصلوا الإحسان بالإحسان، والطاعة بالطاعة، فإن ذلك من أمارات قبولها، واستجيبوا لما ندبكم إليه r من صيام ست من شوال مبينًا عليه الصلاة والسلام فضل ذلك وثوابه بقوله e : « من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر» ([9]).

فاغتنموا رحمكم الله مواسم الخيرات، وتعرضوا لنفحات ربكم في جميع الأوقات، وتسابقوا إلى الخيرات، ينزل الله عليكم الرحمات .

ألا وصلوا عباد الله على خير البرية أجمعين، ورسول رب العالمين، فقد أمركم مولاكم بذلك في محكم كتابه حيث يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب:56] اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، المهاجرين منهم والأنصار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعملون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن العشرة المفضلين، وأهل بدر، والعقبة، وأصحاب الشجرة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر المجاهدين في سبيلك الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا في كل مكان يارب العالمين .

اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وفي البوسنة، والشيشان، وفي كشمير، وسائر أقطار المسلمين . اللهم كن معهم ولا تكن عليهم، اللهم قو عزائمهم، وسدد سهامهم وآرائهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا أكرم الأكرمين . اللهم أصلح أحوال إخواننا في أفغانستان، وفي الصومال، وألف بين قلوبهم، وأعذهم من نزغات الشيطان يا رب العالمين .

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، ووفق ولاة أمورهم، للعمل بكتابك، وسنة نبيك . اللهم احفظ إمامنا، وأيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وأدم عليه نعمة الصحة والعافية يا رب العالمين . اللهم أيده بالإسلام، وأيد الإسلام به، وانصر به الحق وأهله، اللهم كن له على الحق مؤيدًا ونصيرًا، ومعينًا وظهيرًا، واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين،

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك أنت الرؤوف الرحيم . اللهم ادفع عنا الغلا، والوبا، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار .

عباد الله:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }[النحل:90-91] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

 

([2])    تقدم تخريجه .

([3])    رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، رقم (3015)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير أيضًا، رقم (1744) .

([4])    في كتاب الجهاد، رق (2614) .

([5])    رواه أحمد في مسنده، رقم (2723) .

([6])    رواه النسائي في كتاب القسامة، رقم (4748)، وأحمد في مسنده 5/36، 38 .

([7])    رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2581) .

([8])    رواه الترمذي في كتاب الرضاع، رقم (1162)، وأحمد في مسنده 2/50، 472، 527 .

([9])    رواه مسلم في كتاب الصيام، رقم (1164) .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 5خطبة عيد الفطر المبارك 1416هـ.doc105 كيلوبايت
 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

الحمد لله على جزيل نواله وإحسانه، وترادف فضله وامتنانه، أعان عباده المؤمنين على الصيام والقيام، ووعدهم بجزيل العطاء الإكرام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام، شرع لهم الأعياد ليفيض عليهم السرور، وليضاعف لهم الإحسان والحبور، ويدفع عنهم المحن والشرور ." data-share-imageurl="">