خطبة عيد الفطر المبارك عام 1423هـ .

 

الحمد لله الذي شرفنا بالإسلام، وتابع علينا الإحسان والإنعام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام، شرع لنا الأعياد وأفاض السرور، ومنَّ علينا بالعطاء والحبور. أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله وآلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشـهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر .

لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

أما بعد : فيا أيها المسلمون اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واشكروه على نعمه العظمى، وآلائه التي تترى، اشكروه على إتمامكم عدة الصيام، واذكروه وكبروه على ما حباكم من نعمة الإسلام . أخلصوا العبادة لله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، فهو وحده المستحق أن يعبد، وأن يرجى ويقصد، وأن يستغاث ويستعان به، فهو سبحانه مالك الملك وبيده النفع والضر، وغيره لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ولا يملكون موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا.

وإن من الشرك بالله قصد المقامات، والقبور لطلب نفع أو دفع ضر . يقول جل شأنه {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 13، 14].

أيها المسلمون: إن واقع الأمة الإسلامية اليوم واقع مرير في كثير من أرجائها، فالأمة تعيش أوضاعًا محزنة ومآسي مؤلمة يندى لها الجبين، وتتفطر لها القلوب، في أماكن كثيرة من بلاد المسلمين، نهب للأموال وتدمير للممتلكات، وإخراج من الديار، وقصف وتهديد، وقتل وتشريد، اغتصاب للأرض، وهتك للعرض، عقود من السنين وأرض الإسراء والمعراج تئن تحت احتلال غاشم، تآمر على أرض الإسلام فاغتصبتها، وعلى مقدسات المسلمين فدنسها، وعلى أبناء الإسلام فقتلهم وشردهم، وفي مواقع أخرى جرائم مختلفة ومآس متعددة ترتكب بحق المسلمين .

كل ذلك يحدث بمرأى ومسمع من أمة الإسلام، ومن دعاة السلام، وحقوق الإنسان، دون أن يكون هناك جهود مؤثرة، تحفظ الدماء وتحمي الديار، وترفع الظلم، وتعيد الحق إلى أهله، إن ذلك دون ريب تآمر على دين الله، وعلى أمة الإسلام، من أمم انفردت بالهيمنة والسيطرة، فطغت في الأرض، وفقدت ميزان التعقل والمنطق. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف: 8].

إن الأمر يتطلب من أمة الإسلام أن تنظر في واقعها، وأن تعود إلى منهج الإسلام القويم ؛ ليكون أساسًا لإقامة العدل والوئام، وعلى قادة المسلمين أن يتحدوا في مواجهة المؤامرة الكبرى، وأن يضعوا حدًا لهذه التبعية التي نجدها اليوم قد هيمنت على كثير من مناحي الحياة . حري بالقادة والعلماء أن يسعوا للعمل الجاد المثمر من منطلقات اقتصادية وسياسية لإيجاد مزيد من التكامل والتآزر بين أوطان المسلمين .

إن أمة الإسلام تملك من الثروات والمقدرات ما يمكن أن يضع لها وزنًا في عالم اليوم إلا أن ذلك يتطلب من قادة الدول الإسلامية أن لا يركزوا على أوطانهم فحسب، بل إن الأمر يقتضي إعطاء أهمية كبرى لمصلحة أمة الإسلام عامة، والحرص على الاستفادة مما منحه الباري سبحانه لكثير من الدول من إمكانات بشرية، وخبرات علمية، وثروات متنوعة، فالتعاون بين بلاد الإسلام وتحقيق التكاتف والتكامل أمر يفرضه واقع اليوم، من أجل أن تتمكن أمة الإسلام من تحقيق السيادة والريادة، لتعيد مجدها السالف في قرون خلت، وتكون قادرة على صد الظلم، ورد العدوان الواقع على أمة الإسلام اليوم في أماكن كثيرة من عالمنا الإسلامي { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

أيها المسلمون: إن من أبرز ما عانت منه الأمم عبر القرون ما وجد من غلو وتنطع لدى بعض أتباع الأنبياء والمرسلين، على مدى الأزمان والأديان، ولا يزال الغلو والتنطع موجودًا في كثير من الأمم والشعوب في عالم اليوم . وقد جاء التحذير الإلهي لأهل الكتاب من التنطع والغلو في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77].

 وهذا أبرز أسباب الانحراف عن الطريق السليم، والمنهج القويم . وحين بعث الله سبحانه نبيه محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام خاتمًا به الرسالات جاء التأكيد الإلهي على منهج الوسطية في الدين، بعيدًا عن الإفراط والتفريط، يقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

فحري بالأمة أن تحقق ذلك وأن تبتعد عن الغلو والتنطع، وتعمل على تحقيق الإيمان بالله، وتطبيق الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لتتحقق لها الخيرية الحقة:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران :110] .

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا عباد الله من أعظم الواجبات التي أمر لها الإسلام، حماية للدين والأخلاق، ودرءًا للفساد عن العباد والبلاد . فعلى المسلم القيام به في حدود قدرته واستطاعته، وفق شرع الله، وهدي نبيه، حيث يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » .

فالتغيير باليد لولي الأمر أو من يكلفه بذلك . والتغيير باللسان للعالم المؤهل بعلمه، وحكمته، والتغيير بالقلب لمن ليس له ذلك . فالمسلم مأمور بإنكار المنكر وتغييره في حدود قدرته واستطاعته، دون تقصير وإخلال، أو زيادة وتعد.

ومن التعدي في الإنكار للمنكر أن يصل إلى حد البحث عن العورات، وتتبع الزلات، والتجسس، فإن ذلك مما نهى عنه الإسلام، وحذر منه، فالتزموا الحكمة واللين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك أدعى للقبول . وحري بالمجتمع والأفراد أن يستجيبوا لما أمروا به أو نهوا عنه . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال: 24].

إن مما يؤسف له يا عباد الله أن نرى كثيرين من المنتسبين إلى الإسلام لا يعيشونه واقعًا عمليًا، يفرطون في أركان الإسلام، ويهملون شعائر الدين، يقعون في كثير من المحظورات، فيأكلون أموال الناس بالباطل، ويميلون في حياتهم إلى اللهو وارتكاب الآثام، ويستجيبون لداعي النفس الأمارة بالسوء، ألا فاتقوا الله، أيها المسلمون واحذروا الوقوع في ما يبعدكم عن حقيقة دينكم، ويوردكم في حمأة المآثم والمعاصي .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } [الزمر: 54 - 56].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله وفق من شاء للرضا والقناعة، وهداهم لسلوك سبيل أهل البر والطاعة، وحماهم عن طريق أهل التفريط والإضاعة، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أدى الأمانة، ونصح الأمة، وقام بالرسالة خير قيام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر .

لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله ربكم حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

عباد الله: إن من كمال هذا الدين، وشمولية أحكامه وتشريعاته أنه ليس دين عبادة يؤديها العبد لله سبحانه فحسب، بل هو إلى جانب ذلك، دين أخلاق كريمة، ومثل عالية، ومعاملات مع الناس حسنة، فعلى المسلم أن يكون محققًا لإيمانه بربه، مخلصًا له سبحانه وتعالى في طاعته ملتزمًا بأوامره مجتنبًا نواهيه .

عباد الله: حسنوا أخلاقكم مع أهليكم وإخوانكم وجيرانكم، تخلقوا بأخلاق القرآن، وتأدبوا بآداب سيد الأنام، يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : «إن أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون » . ويقول عليه الصلاة والسلام : « ما وضع في ميزان المرء يوم القيامة أثقل من حسن الخلق» .

واعلموا عباد الله، أن يومكم هذا يوم عيد وبشر وحبور، فأظهروا البهجة والسرور أمام  أهليكم وإخوانكم المسلمين .

أيها المسلمون : لقد ابتلي مجتمع الإسلام اليوم بكثير مما تبثه أجهزة الإعلام عبر وسائلها المختلفة، من تزيين للباطل ومحاربة للفضيلة وبث للفرقة ونقل لكثير من الآراء المخالفة لمنهج الشرع الحنيف . وقد انشغل بها كثيرون عن ذكر الله وإقام الصلاة، وهذا مؤذن بخطر عظيم على الأفراد والمجتمعات . ألا فليتق الله مسئولوا الإعلام، وأن يتجنبوا التبعية لأعداء الإسلام، وأن لا يقدموا للأمة إلا ما يتفق مع تعاليم دينها الحنيف، فإنهم محاسبون، وغدا بين يدي الله موقوفون، واحرصوا رحمكم الله على مراقبة النشء، وتربيته على منهج الإسلام، والبعد به عن كل ما يتنافى مع تعاليم الدين . تلكم مسؤولية الآباء والأمهات، ورجال التربية والتعليم، فكلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته .

أيتها المرأة المسلمة: اتقي الله تعالى، وحافظي على ما أوجب الله عليك في دينك، وأمانتك، وما استرعاك الله عليه . احفظي كرامتك بالتزام الحشمة والوقار، والبعد عن مزاحمة الرجال، مري أبناءك بالصلاة، وعوديهم على الطاعة، ومكارم الأخلاق .

عباد الله: إن من شكر الله تعالى على إتمام شهر الصيام المداومة على الطاعة، ومواصلة الإحسان بالإحسان، وإن مما ندب إليه النبي e صيام ست من شوال حيث يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : « من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر » فاغتنموا رحمكم الله مواسم الخيرات، وتعرضوا لنفحات ربكم في جميع الأوقات .

ألا وصلوا عباد الله على خير البرية أجمعين، ورسول رب العالمين، نبي الهدى، والرسول المجتبى كما أمركم بذلك المولى جل وعلا : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

 

 

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 6خطبة عيد الفطر المبارك 1423هـ.doc88 كيلوبايت
 

الحمد لله الذي شرفنا بالإسلام، وتابع علينا الإحسان والإنعام، وتفضل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام، شرع لنا الأعياد وأفاض السرور، ومنَّ علينا بالعطاء والحبور. أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله وآلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشـهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">