من وصايا المصطفى (صلى الله عليه وسلم)

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على جوده المدرار، ونعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا لله عباد الله، اتقوه بفعل الطاعات، والبعد عن السيئات، وتفهموا كتاب ربكم تفلحوا، واعملوا بسنة نبيكم، واهتدوا بهديه ترشدوا، فإنه r هو الناصح الأمين، وهو المرشد إلى أقوم طريق، لم يأل r خيرا إلا دل أمته عليه، ولا شرا إلا حذرها منه.

لقد كان من توجيهاته الحكيمة، ووصاياه الكريمة ما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: « اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ الناس، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ الله لك تَكُنْ أَغْنَى الناس، وَأَحْسِنْ إلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، ولا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فإن كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».

ما أعظمها من تعليمات ! وما أجلها من نصائح! فقوله r: «اتق المحارم». أي: اجعل بينك وبين المحارم التي حرم الله عليك وقاية تقيك منها، ومن مغبتها يوم القيامة، وذلك بامتثال المأمورات التي أمر الله بها، من تحقيق التوحيد، وإخلاص العمل لله، وعدم التعلق بغيره، وإخلاص المتابعة للرسول الكريم r، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج، والبر بالوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما أوجبه الله عليك، وكذلك البعد عما حرم الله عليك من الشرك بالله، ودعاء غيره، والنذر، والذبح لغير الله، أو التهاون في أداء ما فرض الله عليك من صلاة أو زكاة، أو شيء من فرائض الدين التي فرضها الله عليك، وأمرك بالقيام بها على وجهها، فإذا اتقيت الله في ذلك كله، فقد كنت من أعبد الناس؛ لأن عبادة الله وطاعته إما بفعل مأمور، أوترك محظور، وفعل الطاعات، وترك المحرمات، وهو مقتضى التقوى التي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس: 62، 63].

فأولئك حققوا إيمانهم بربهم بقلوبهم، وأعمالهم، فكان جزاؤهم عند الله أن أمنهم من الخوف، ونفى عنهم الحزن ؛لأنهم اتقوا ما حرم الله عليهم خوفا من الله، ورغبة فيما عنده.

وأما الرضا بما قسم الله فإنه دليل الإيمان والقناعة. والقناعة كنز لا يفنى، كما قال r: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس». فإذا رضي العبد بما قسم الله له كان أغنى الناس قلبا، وأنعمهم بالا، وأهنأهم عيشا، وأقلهم هلعا وجزعا، فحصلت له الطمأنينة والراحة العاجلة، ولم يفته شيء مما كتب الله له من الرزق.

والإحسان إلى الجار الذي ندب إليه r في هذا الحديث في قوله: ((وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا)). فمن أحسن إلى جاره دل ذلك على إيمانه؛لأن حقوق الجيران مما أوجبها علينا إيماننا، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة t يقول رسول الله r: « والله لا يؤمن. والله لا يؤمن. والله لا يؤمن. قيل:من يا رسول الله؟قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ». وفي رواية لمسلم: « لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ».

أي: غوائله وشروره، وفي الحديث الآخر يقول r: « خير الجيران خيرهم لجاره ». وفي الحديث المتفق عليه قال رسول الله r: « مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ».

ثم كان من وصاياه r في هذا الحديث قوله: « وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا ». فهذه أخلاق الإسلام، وهذه صفة المسلم الذي ليس في قلبه غل، ولا حسد لأحد من المسلمين، كما قال r: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ». فيحب لإخوانه ما يحب لنفسه من الخير والعمل الصالح وسعادة الدين والدنيا بعيدا عن التكبر عليهم، والازدراء لهم، يفرح بفرحهم، ويحزن بحزنهم، ويبذل النصيحة، ويشفق عليهم، فهذه صفات المسلمين الذين كمل إسلامهم.

وكان ختام هذه الوصايا المباركات منه r قوله: « ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ». وذلك أن كثرة الضحك دليل على فراغ القلب، وقلة شغله، والقلب الحي بعيد عن كثرة الضحك، والاستغراق فيه؛ لأنه مشغول بمهامه التي كلفه الله بها، وواجباته ومتطلباته في أمور دينه ودنياه، ففراغ القلب من الشواغل دليل على ضعف الإيمان، وسقوط الهمة؛ ولذلك يقول r: « والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرًا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ».

فعليكم عباد الله بالعمل بوصاياه r، ومحاولة تطبيقها على أنفسكم بكل جهدكم، فإنه الناصح الأمين، لا خير إلا دلكم عليه، ولا شر إلا حذركم منه، واحرصوا على الاقتداء به، والاهتداء بهديه، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[التوبة: 128].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الفضل العظيم، أحمده سبحانه، وأشكره على منه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوه، وعظموا شعائره، فإن تعظيم شعائر الله دليل على التقوى. يقول سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32]. وشعائر الله أوامره، ومتعبداته التي تعبد بها خلقه: من مناسك الحج، وغيرها، وإن من أحق ما عظم من شعائر الله هذا القرآن العظيم الذي جعله الله نورا وهدى، وتعظيمه يكون بالعمل به، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وكذلك اتباع سنة نبيه r، والعمل بها، وتعظيمها، فيجب على المسلم تعظيم شعائر الله، وحرماته، وعدم التعرض، أو التسبب لشيء من إهانتها، لاسيما آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبيr .

ومما يؤسف له أن كثيرًا من الناس يحصل منهم الإهانة لها، وهم قد لا يشعرون بذلك، فترى كثيراً منهم يرمي الأوراق المشتملة على بعض الآيات والأحاديث في الطرقات والشوارع، وفي الأمكنة التي تمتهن فيها، وربما جعل بعضهم هذه الأوراق المشتملة على شيء من الآيات لفائف لبعض حاجاتهم، وتمتهن، ويستهان بها.

وهذا يكثر في أوراق الجرائد، والصحف، وهي محتوية على آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، ولا يحترمها كثير من الناس، فترمى في الطرقات، وتجعل في النفايات، وهذا في الحقيقة إهانة لها، وهو خلاف ما أمر الله به من تعظيم شعائر الله، وإن من أعظم شعائر الله هذا القرآن العظيم؛ فيجب أن تصان آياته عن الإهانة بأي طريق من الطرق، أو أي وسيلة من الوسائل، وكذلك أحاديث رسول الله r.

فينبغي للمسلم أن يتنبه لهذه الأوراق المشتملة على الآيات، والأحاديث، ولا يتسبب لإهانتها، ورميها في الشوارع والطرقات، يطأها الناس بأقدامهم، ويمتهنونها وتدوسها المراكب من حيوانات وغيرها، ربما وضعت بسبب ذلك مع سائر النفايات القذرة، بل ينبغي أن تجعل في مكان مناسب لها أو تدفن في أمكنة لا تمتهن فيها، فعظموا شعائر الله وحرماته : {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } [الحج: 30].

 

 

 

 

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على جوده المدرار، ونعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا لله عباد الله، اتقوه بفعل الطاعات، والبعد عن السيئات، وتفهموا كتاب ربكم تفلحوا، واعملوا بسنة نبيكم، واهتدوا بهديه ترشدوا، فإنه r هو الناصح الأمين، وهو المرشد إلى أقوم طريق، لم يأل r خيرا إلا دل أمته عليه، ولا شرا إلا حذرها منه." data-share-imageurl="">