فضيلة يوم الجمعة

 

الحمد الله ذي العز والاقتدار، يخلق ما يشاء ويختار، أحمده سبحانه على نواله، وأشكره على أفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الذي اصطفاه على العالمين، وأكمل به رسالة النبيين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -تعالى- حق تقاته، واعلموا أن الله اختصكم –معشر المسلمين- باتباع خير المرسلين، وفضلكم به على العالمين وقد امتن سبحانه عليكم بخصائص وفضائل لم تحصل لمن كان قبلكم من الأمم، ببركة هذا النبي الكريم r، فقد أعطاه الله ما لم يعطه أحدا قبله، كما قال r: « أعطيت خمسا لم يعطها أحد من الأنبياء قبلي».

وكما أعطاه الله ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وكما أعطاه واختصه بهذا اليوم المبارك الذي هو يوم الجمعة، فقد ثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه، فاختار اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، واختار لهذه الأمة يوم الجمعة، الذي أكمل الله فيه الخليقة، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: « نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يوم الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِنَا، ثُمَّ هذا يَوْمُهُمْ الذي فُرِضَ عليهم، فَاخْتَلَفُوا فيه، فَهَدَانَا الله له، فَالنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ. الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ».

وفي لفظ مسلم: «أَضَلَّ الله عن الْجُمُعَةِ من كان قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكان لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ الله بِنَا فَهَدَانَا الله لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ».

عباد الله، إن يومكم هذا يوم مبارك، وهو من أفضل الأيام، قد خصه الله بخصائص ليست لغيره من الأيام، كما جاء في حديث أبي هريرة tأن رسول الله r قال: « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فيه خُلِقَ آدَمُ u وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ منها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا في يَوْمِ الْجُمُعَةِ».

وقد ورد أحاديث كثيرة تدل على أنه في هذا اليوم ساعة الإجابة للدعاء التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه الله إياه، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة t قال:قال رسول الله r: « إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم –وهو قائم يصلي- يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وقال بيده يقللها ».

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة tأن النبي r قال: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر».

وقد ورد في صحيح مسلم: « أن ساعة الإجابة هي مابين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة ».

وإن لهذا اليوم آدابًا، وسننًا، ينبغي للمسلم أن يقوم بأدائها طلبا للثواب، والمزيد من الأجر، فمنها الاغتسال، والتنظف، والتبكير للمسجد لأدائها، فقد صح عنه r أنه قال: « مَنِ اغْتَسَلَ يوم الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فإذا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ».

ومن المستحب في هذا اليوم التنظف، والتطّيب، وإزالة الروائح الكريهة من الجسد والفم، وكل ما يؤذي المصلين، وأن يتقدم إلى المسجد بأدب، وخشوع، وسكينة ووقار، فإذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو كان الإمام يخطب، فقد ثبت في الصحيحين عن جابرtقال: « دخل رجل يوم الجمعة والنبي r يخطب فقال:صليت؟ قال:لا. قال r: قم صل ركعتين ».

ولا ينبغي له أن يفرق بين اثنين، ثم يصغي لاستماع الخطبة، فقد جاء عنه r أنه قال: « لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يوم الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ من طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ من دُهْنِهِ، أو يَمَسُّ من طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يروح فلا يُفَرِّقُ بين اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلا غُفِرَ له ما بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ».

ومما ينبغي اجتنابه والحذر منه إشغال المصلين وأذيتهم بتخطي رقابهم، ومزاحمتهم، والتفريق بينهم، فإن هذا من المنهي عنه، ومن إساءة الأدب وعد الاحترام لإخوانه المسلمين، فإن بعضا من الناس يأتي متأخرا، ويذهب يتخطى رقاب الناس، إلى الصفوف الأولى، فيؤذيهم ويشوش عليهم صلاتهم، وقراءتهم، وإنه بهذا الصنيع فوت على نفسه فضيلة التقدم إلى المسجد، وارتكب المنهي عنه في تخطي رقاب عباد الله المؤمنين الذين سبقوه إلى هذا المكان. جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي r يخطب فقال له r: «اجلس فقد آذيت وآنيت».

أي آذيت الناس بتخطي رقابهم. وآنيت أي:تأخرت عن المبادرة إلى الصلاة.

عباد الله: هذا إنكاره r على من تأخر مجيئه إلى المسجد، حتى وقت الخطبة، فكيف يكون الإنكار على من ترك المجيء إلى الجمعة، واشتغل عنها بتجارته، أو شهواته، أو رحلاته، أو تهاونا، وكسلا، واستخفافا بقدرها، لقد حذر r أشد التحذير عن التخلف عنها، ولقد تعرض تاركها إلى أمور كبيرة:عرض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله. أو بانتظامه في مسلك المنافقين، أو بالطبع على قلبه، لقد قال r: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم بالنار».

وجاء عنه r أنه قال: « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين » ، وعنه r: قال: « من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه ». وروى عنه r: « من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين » .

فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على الطاعات، ولا سيما الجمع والجماعات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الجمعة:9-10].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الكريم الوهاب، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلَّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، واعلموا أن الصلاة على رسول الهدى r من أفضل الأعمال في هذا اليوم الشريف، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: في هذا اليوم استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي r وفي ليلته لقوله r: « أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة » ورسول الله r سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فالصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنها نالته على يده، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم، وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيد لهم في الدنيا، ويوم القيامة فيه يسعفهم الله بطلباتهم، وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه، وحصل لهم بسببه، وعلى يده فمن شكره وأداء القليل من حقه أن يكثروا من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 2 - فضيلة يوم الجمعة.doc79 كيلوبايت
 

الحمد الله ذي العز والاقتدار، يخلق ما يشاء ويختار، أحمده سبحانه على نواله، وأشكره على أفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الذي اصطفاه على العالمين، وأكمل به رسالة النبيين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين." data-share-imageurl="">