مناسك الحج

الحمد لله ذي المن الجسيم، والفضل العميم، أحمده سبحانه على إحسانه، وأشكره على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وحققوا التقوى التي أمركم بها ربكم، ووصاكم بالاتصاف بها، وأخلصوا له العبادة وحده لا شريك له، فإنه سبحانه هو الذي خلقكم ورزقكم، وأنشأكم من العدم، خلقكم لتعبدوه وحده . يقول سبحانه: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ }[العنكبوت:56] { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5].

فلا يجوز لنا أن نشرك معه أحدًا في العبودية، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل. يقول سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56] فعبادته طاعته، وإفراده بالعبادة بجميع أنواعها، فلا خوف إلا من الله، ولا رجاء إلا له، ولا دعاء إلا له، ولا نذر إلا له، ولا استغاثة ولا استعانة إلا به، فاعبده وتوكل عليه.

ولا يجوز لنا طلب الحاجات، أو العون، أو المدد إلا منه وحده، فقد أمرنا سبحانه بدعائه، وحذرنا من أن ندعو معه أحدًا، يقول سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }[الجن:18] وهو سبحانه له الملك كله، وله الخلق والأمر، وغيره لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا يملك موتًا ولا حياة ولا نشورًا، يقول عز من قائل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر:13-14].

أيها الحجاج الكرام، وفود بيت الله الحرام: احرصوا أن يكون حجكم خالصًا لوجه الله، لا يشوبه شيء من الرياء والسمعة، وأن يكون على وفق سنة نبيكم r ،امتثالًا لأمره حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» ([1])، وقد نقل لنا صحابته الكرام وسلفنا الصالح بيان حجه، وكيفية أدائه لمناسكه .

واعلموا عباد الله أنكم إن شاء الله متجهون في صباح اليوم الثامن إلى منى، كما فعل نبيكم r، فإنه أمر أصحابه أن يحرموا للحج من منازلهم من مكة، ويتوجهوا صباح اليوم الثامن إلى منى، فتوجه عليه الصلاة والسلام هو وأصحابه إلى منى، وصلى فيها صلاة الظهر قصرًا في وقتها، وصلى صلاة العصر قصرًا في وقتها، وصلى المغرب في وقتها، وصلى العشاء قصرًا في وقتها، وصلى الفجر في وقتها، وبعد طلوع الشمس توجه إلى نمره، وأقام فيها إلى الزوال،ثم ركب ناقته، وذهب إلى مكان المسجد الآن في بطن الوادي وخطب فيه خطبته الشهيرة البليغة، التي علم فيها الناس مناسكهم، وأصول دينهم، ثم أمر المؤذن فأذن للصلاة، وصلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ثم توجه إلى الموقف، ووقف عند الصخرات مستقبل القبلة، وجعل يذكر الله ويهلله ويكبره ويلبي ويدعو وهو راكب على راحلته .

ولما غربت الشمس، واستحكم غروبها، توجه إلى مزدلفة، وصلى بها المغرب والعشاء جمعًا وقصر صلاة العشاء، ثم بات بها إلى الفجر، وصلى صلاة الفجر في أول وقتها، ثم ركب راحلته، ووقف عند المشعر الحرام يدعو ويهلل ويكبر .

ولما أسفر جدًا توجه إلى منى قبل طلوع الشمس، ولما وصل إلى منى قصد جمرة العقبة ورماها بسبع حصيات، ثم نحر هديه، وحلق رأسه وتطيب، وفي هذا اليوم جاءه رجل فقال:يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي،قال: «ارم ولا حرج، وأتاه أخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، وأتاه آخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، وأتاه آخر فقال: إني فضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال:  ارم ولا حرج» ([2]).

ثم ذهب إلى مكة وطاف بالبيت الحرام طواف الزيارة، ثم رجع إلى منى، وأقام بها، وكان يرمي كل يوم من أيام التشريق بعد زوال الشمس، وفي آخر أيام التشريق رمى بعد الزوال وذهب إلى مكة، ثم من الغد طاف طواف الوداع، وتوجه إلى المدينة .

فاقتدوا بنبيكم في حجكم، وفي جميع عباداتكم، ومعاملاتكم،{لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب:21].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

([1])    رواه مسلم في كتاب الحج، رقم (1297) .

([2])    رواه البخاري في كتاب الحج، رقم (1736) .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 10مناسك الحج.doc72 كيلوبايت
الحمد لله ذي المن الجسيم، والفضل العميم، أحمده سبحانه على إحسانه، وأشكره على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وحققوا التقوى التي أمركم بها ربكم، ووصاكم بالاتصاف بها، وأخلصوا له العبادة وحده لا شريك له، فإنه سبحانه هو الذي خلقكم ورزقكم، وأنشأكم من العدم، خلقكم لتعبدوه وحده ." data-share-imageurl="">