الخوف من الله والرجوع إليه

 

الحمد لله الحكيم الخبير، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره على إحسانه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المرسل رحمة للعالمين . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه .

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله ربكم تفلحوا، واتبعوا أوامر نبيكم تربحوا .

واعلموا عباد الله أن الله خلق الخلق من أجل عبادته، وركب فيهم العقول، ليعرفوه وليتفكروا في مخلوقاته فيخافوه، وأنزل عليهم كتابه العظيم، فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وهو الفصل ليس بالهزل، شرع فيه الأحكام ووضح الحلال والحرام، وبين قصص الماضين، وماذا حصل للمؤمنين منهم من العزة والتمكين، ونصر الله لهم النصر المبين، وبين أحوال المكذبين للرسل وما حصل عليهم من النكال، والعذاب المهين وكيف عاقبة أمرهم لما عصوا رسل ربهم.

فذكر سبحانه قصة قوم نوح، وكيف كان عذابهم، وأنه أهلكهم سبحانه بالغرق الذي عم جميعهم، ولم يبق منهم سوى من آمن بنوح u، وذلك أنه لما اشتدت أذيتهم له وأيس من إيمانهم دعا الله عليهم، قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ }[القمر:10-14] .

وهذه قصة قوم عاد وثمود، وفرعون ومن قبله، يوضحها لنا القرآن الكريم لنأخذ منها العظة والعبرة ونخشاه فنعبده حق عبادته يقول الله عز وجل:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}[الحاقة:4-10].

ويذكرنا القرآن بقصة قوم لوط u لما عصوا وتمردوا وارتكبوا الفواحش{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:82-83] قال بعض العلماء: وما هي من الظالمين من هذه الأمة ببعيد، وقال قتادة: والله ما أجار الله منها ظالمًا بعد اليوم . فاتقوا الله وكونوا على حذر .

عباد الله: ارجعوا إلى ربكم، وأخلصوا له العبادة، واقتدوا بهدي نبيكم r ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور . واعلموا أن التهاون في أداء الواجبات، وقلة الاهتمام بأوامر الله، وعدم التقيد بأحكام الشريعة، المطهرة، وارتكاب المحظورات، موجب لسخط الله، وحلول عذابه ونقمته . أما ترون ما حصل من نقص الثمار، وارتفاع في الأسعار، وما وجد في كثير من البلاد من الجفاف، وقلة الأمطار، ونقص في الأموال، وما حدث في بلاد أخرى من الفيضانات، والتعرض لتلف بعض الأنفس، والأمتعة، والمساكن، إن هذا في الحقيقة موعظة وذكرى لعباد الله، ليرجعوا إلى ربهم، وينيبوا إلى طاعته، فهي عقوبة لقوم، وموعظة وذكرى لآخرين، والسعيد من وعظ بغيره فاتعظ .

يقول الله عز وجل:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف:96-99].

فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إلى الله واستغفروه، فإن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الغيث، وتوفر المياه، وكثرة الأموال، والأولاد، والبركة في البساتين والثمار، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

عباد الله: إن الله يحب التوابين من عباده، ويحب المتطهرين، فتوبوا إلى ربكم، وتطهروا بالتوبة النصوح من درن ذنوبكم وعيوبكم، فالله يفرح بتوبة عبده، وهو غفور يحب المغفرة، عفو يحب العفو .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 2الخوف من الله والرجوع إليه.doc73 كيلوبايت
 

الحمد لله الحكيم الخبير، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره على إحسانه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المرسل رحمة للعالمين . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه ." data-share-imageurl="">