التمسك بالشريعة الإسلامية

الحمد لله العليم الخبير، له الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه السادة الأبرار، والتابعين لهم بإحسان .

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى ربكم، وراقبوه في أعمالكم، والتزموا طاعته فيما أمركم به، واجتنبوا معصيته فيما نهاكم عنه، واحذروا من سطوته وعقابه، ولازموا التوبة والاستغفار، فقد أمر الله نبيه والمؤمنين بذلك في محكم كتابه فقال عز وجل: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة:199] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا }[التحريم:8] وقال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[النور:31].

ولقد كان رسول الله r يأمر أصحابه بالتوبة والاستغفار، فكان يقول: « والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة » ([1]) فينبغي الاقتداء بفعله r والامتثال لأمره، وما أمر بذلك إلا لما يعلمه من عاقبة الذنوب، وشؤم الإصرار عليها وعدم الاكتراث بها، والتساهل في تعاطيها . وكما نبه على خطرها وأنها تكون سببًا لهلاك العبد إذا تجاوزت به الشهوات وتمادت به اللذات المحرمة فتكون سببًا لهلاكه والقضاء على حياته الحقيقية، حياة القلب والروح ونعيمها، وحذر r من ذلك المرض الخطير وبين علاجه وما يقضي عليه .

فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: « إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب، ونزع، واستغفر، صُقلَ قلبه، وإن زاد زادت، حتى يعلو قلبه ذلك الران، الذي ذكر الله عز وجل في القرآن »{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:14] )) ([2]).

وإن المعاصي يا عباد الله تتفاوت، فبعضها أخطر من بعض، فأعظمها على الإطلاق الشرك بالله الذي أخبر الله أنه لا يغفره . قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48]. وإن من أعظمها خطرًا القول على الله بلا علم، وتحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، قال الله عز وجل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}[النحل:116].

وإن أعظم المعاصي خطرًا، وأشدها فسادًا، وأسوئها عاقبة على المجتمعات، نبذ حكم الله، وحكم رسوله، وتحكيم آراء الرجال وقوانينهم، والاعتياض عن الوحي المبين الذي أنزله الله من عنده، أنزله الحكيم الخبير، الذي لا أحكم منه، ولا أعلم منه بمصالح عباده، وهو العالم بما كان، وما يكون، وهو العالم بمستقبل الأجيال، وتغير الأحوال، بل هو سبحانه الفعال لما يريد، فهو الذي يغير العصور، ويقلب الدهور . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «قال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار» ([3]) فإذا كان معلومًا لدى من له أدنى مسكة من عقل أن الله هو الذي يسير الدهور، ويحدث فيها ما يحدث، بعلمه وقدره، فكيف يدعي بعد هذا من يدعي الإسلام أن القرآن العظيم، وحكمه، وحكم النبي r ، لا يتناسب مع هذا الزمن، ولا يتمشى مع هذا التطور، ولا يتلاءم مع هذه الأجيال، ولا يساير هذه الحضارة، ولا هذه المدنيّة . تبًا لمن يتفوه بهذا . إن هذا هو عين المحادة لله ولرسوله r ، وإن هذا يعتبر استدراك على حكم الله، وحكمته، وعلمه الشامل ! إن أصدق الحديث كتاب الله، فهل لصدق حديث الله زمن مخصوص ينتهي ويصير غير صالح لإصلاح البشر وأحوالهم ؟!! كلا بل هو الصالح لكل الأحوال والأزمان .

وإن خير الهدى هدي محمد r فهل لخيرية هديه أمد وينقطع ؟! كلا بل هديه هو الكامل على مر الدهور وتعاقب العصور .

إن من أعرض عن كتاب الله أو استبدل به غيره غير مؤمن بأن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد r .

إن من رغب عن سنته إلى غيرها من المذاهب الهدامة والمبادئ والنظريات في ميدان السياسة أو الثقافة أو الاجتماع أو الأخلاق أو السلوك فإنه لم يصدق تصديقًا حقيقيًا بل مجرد قول باللسان يخالف فعله قوله .

فكيف بمن يعتقد بأن تلقى الأفكار المادية والمبادئ القومية في تلك الشؤون أجدى وأنفع للحياة !! وأن بها يحصل الرقي والتقدم والحضارة والتطور كما يزعمه بعض العصريين في كثير من البلاد الإسلامية اليوم . إن هذا في الحقيقة يناقض شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] .

إن ترك التحاكم إلى كتاب الله، وسنة نبيه r لمن أسباب الفرقة والاختلاف والشقاق وعدم الاستقرار، ومن أسباب خراب البلاد وانتهاك الأعراض، وسفك الدماء . يقول النبي الكريم r: « وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم » ([4])، وفي حديث آخر: « وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر » .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[المائدة:50].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى بلزوم طاعته، وطاعة رسولهe ، وذلك بتصديق خبره، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فمن فعل ذلك فقد استقام على الصراط المستقيم، صراط الله، وهو الطريق المعتدل الموصل إلى جنات النعيم، فقد أمركم الله بسلوك هذا الصراط والاستقامة عليه . قال الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153]، وأمركم أن تسألوه الهداية إلى الطريق القويم ففي الحديث القدســي: « يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم » ([5]). فكل أحد مضطر إلى هداية ربه في جميع أحواله بأن يسدده في أقواله وأفعاله وأخلاقه {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:17] .

 

 

 

 

([1])    رواه البخاري في كتاب الدعوات، رقم (6307) .

([2])    رواه الترمذي في التفسير، رقم (3331)، وابن ماجه في الزهد، رقم (4244) .

([3])    رواه البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن، رقم (4826) .

([4])    رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الفتن، رقم (4019) .

([5])    رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2577 .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 12 - التمسك بالشريعة الإسلامية.doc67 كيلوبايت
الحمد لله العليم الخبير، له الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه السادة الأبرار، والتابعين لهم بإحسان ." data-share-imageurl="">