أداء الأمانة

الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، العالم بجليل الأمر ودقه، لا يخفى عليه خافية من خلقه، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. أحمده سبحانه على كل حال، و أعوذ به من أحوال أهل النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الموصوف بالأمانة والخلق العظيم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله في السر والعلانية، واعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، ويعلم ما تبدون وما تكتمون، فعليكم بمراقبة مولاكم، والحذر من كل ما يكون سببا إلى سخطه وعقابه، واتصفوا بأوصاف عباده المؤمنين، وأنبيائه المرسلين، وأوليائه المخلصين، الذين أثنى الله عليهم U بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المؤمنون: 1 - 8]  

وإنه يا عباد الله من أهم الأمور وأعظمها وأشدها خطرا الأمانة، الأمانة التي عظم الرب شأنها، وعرضها على أعظم مخلوقاته، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها هذا الإنسان الضعيف، لظلمه، ولجهله بعظم هذه الأمانة، وما يترتب عليها. لقد كانت الأمانة وصفا لأفضل الخلق وسيد البشر محمد r ؛ لقد كان يدعى الأمين قبل نزول الوحي عليه، وقبل بعثته، عليه الصلاة والسلام، وذلك لما طبع عليه من الصفات الحميدة، والخصال الكريمة، لقد كان محل الثقة للجميع في كل شأن من شئونه؛ إن أرادوا حفظ أمانة لم يجدوا أكمل منه، وإن أرادوا طلب الإنصاف لم يلقوه كاملا إلا عنده؛ وإن اختلفوا في شيء رضوا به لقطع خلافهم والحكم بينهم.

وهذه أخلاق طبعه الله عليها قبل النبوة؛ استعدادًا للأمانة الكبرى، والرسالة العظمى، ولهذا لما اختلفت قريش عند بناء الكعبة في من يضع الحجر الأسود مكانه رضوا به حكما بينهم، وقالوا - لما دخل عليهم من باب المسجد - : «هذا محمد هذا الأمين رضينا به، رضينا به» فلما نزل الوحي عليه، وجاء الله بالإسلام؛ لإنقاذ البشر على يد صاحب الخلق العظيم، والمصطفى الأمين، جاء مؤكدا لهذه الخصلة العظيمة، مبينًا عظمتها وأهميتها، لتعلقها بكل شأن من شئون الإسلام الخاصة والعامة.

إن الأمانة هي الركيزة والأساس لكل عمل ديني أو دنيوي في كل أمر بينك وبين إلهك، أو بينك وبين أقربائك، أو مجتمعك. إن الأمانة أساس في الإيمان، وإن الصادق في إيمانه بربه حفظ أمانته، وإن المخادع لله في إيمانه خان أمانته.

إن تضييع الأمانة من خصال النفاق، ومن صفات المنافقين، إن الأمانة أصل في جميع العبادات؛ في الوضوء وأدائه على وجهه، في الغسل من الجنابة، في أداء الصلاة في أوقاتها وتكميل شروطها وواجباتها.

إن الصيام أمانة بينك وبين الله.

إن الزكاة أمانة، والله مطلع عليك في أدائها كاملة أو بخسها.

إن الأيمان والعهود المواثيق والالتزامات والمواعيد أمانة.

إن سمعك أمانة عندك، وبصرك ولسانك وفؤادك أمانة، وسوف تسأل عن ذلك:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36]

ولكن مع الأسف الشديد يا عباد الله أن هذه الأمانات قد ضيعت عند الكثيرين. ضعفت الأمانة في النفوس لضعف الإيمان، وقل الأمين لقلة التمسك بالدين، روى عنه r  أنه قال: « لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له » .

لقد أصبح الكثيرون اليوم لا يعبأون بالأمانة، ولا يقيمون لها وزنا، ترى المسئول عن عمل ما لا يقوم به على وجهه، لا يؤديه بأمانته، غير مؤتمن في أدائه في وقته الملزم به، غير مؤتمن في إيصال الحقوق إلى أهلها، غير مؤتمن في نصحه لعمله.

كثر الغش والخداع، وفشت الرشوة بين الكثيرين، وكثرت شهادة الزور، والمطل بالحقوق، وكل هذا خلاف الأمانة، بل هو من الخيانة، لا يصل الحق في الغالب لصاحبه إلا بعد المشقة الشديدة، أو اقتطاع جزء منه بغير حق. أين الخوف من الله؟! أين مراقبة عالم الغيب والشهادة؟! أين نحن من زجر القرآن وتخويفه وتهديده ، أين التذكر لقوله  U : {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [ إبراهيم: 42-43]، لسنا في شك من هذا - إن شاء الله - ولكن غلب على النفوس الطمع وحب الدنيا وطول الأمل.

فاتقوا الله عباد الله، ولا تكونوا ممن وصفهم الله بقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الحجر: 3].

فانتبهوا عباد الله من رقدتكم، وأدوا أماناتكم، ولا تخونوها، فما هي إلا أيام قلائل يعقبها هول شديد، ومطلع رهيب، ولحد ضيق، وقبر موحش.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 27، 28].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

 الحمد لله دائم الفضل والإحسان، وأشكره على ترادف إنعامه والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله - عز وجل - واعلموا أن الأمانة من أهم الأسس التي يرتكز عليها الأمن في المجتمعات، والوئام بين الجماعات، والمحبة والثقة والاحترام، وإنها لمن أقوى العوامل على استئصال جذور الفساد والجرائم والمآثم؛ لأن الأمانة شاملة لجميع نواحي الحياة، ودائرتها متسعة تشمل جميع التصرفات؛ من قول وفعل يؤديه المسلم في مجتمعه، وكل بحسبه؛ فعلى ولى الأمر من الأمانة ما ليس على غيره، وعلى الوزير ما ليس من دونه، وعلى الأمير والقاضي ما ليس على من سواهما، وكل بحسبه؛ حتى الزوجة في بيت زوجها مؤتمنة على نفسها وماله، والخادم مؤتمن فيما وكل إليه، وكل مسئول عن أمانته.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 2أداء الأمانة.doc73 كيلوبايت
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، العالم بجليل الأمر ودقه، لا يخفى عليه خافية من خلقه، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. أحمده سبحانه على كل حال، و أعوذ به من أحوال أهل النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الموصوف بالأمانة والخلق العظيم." data-share-imageurl="">