بر الوالدين

الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أنعم على عباده بالنعم الجسام، وأمرهم ببر الوالدين وصلة الأرحام. أحمده سبحانه على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن الله - جل وعلا - أنعم عليكم بأصناف النعم لتشكروه، وتعبدوه حق عبادته، فعبادته سبحانه طاعته فيما أمركم، والانتهاء عما نهاكم عنه، فامتثلوا أمره، وابتعدوا عن نهيه، وأخلصوا أعمالكم له، وعلقوا قلوبكم بربكم، رغبة ورهبة إليه، فالأمر كله له وحده، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، إن الخلق جميعهم لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعا، ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورا، بل هو سبحانه المالك المدبر، من التجأ إليه حماه، ومن لاذ به وقاه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54].

إن حق الله علينا أعظم الحقوق، لأنه أنشأنا من العدم، ووالى علينا أصناف النعم، ووعد من آمن به وعمل بطاعته أن يدخله جنته. فارغبوا عباد الله إلى ربكم بإخلاص العبادة له ،بدعائه وحده؛ ورجائه وحده، لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة، ألا وإن من طاعته سبحانه امتثال أمره، والقيام بما أوجبه، فقد أوجب سبحانه علينا البر بالوالدين، وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام، ومراعاة حق الجوار، وحقوق الإخوة في الدين.

ومن أهم ذلك ما ذكره سبحانه موجبًا له، ومكررا له، ومثنيًا به بعد حقه، وهو البر بالوالدين كما قال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]. ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. ويقول U:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان: 14]. فقد قرن سبحانه حق الوالدين بحقه، لبيان وجوبه وتأكده.

والنبي r حث على بر الوالدين، وبين عظمه وأوضحه غاية الإيضاح، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود t قال: سألت رسول الله r : أي العمل أفضل؟ قال: « الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ».

وعن أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى النبي t فقال: «يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك » رواه البخاري ومسلم، وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو  رضي الله عنهما  قال: « أقبل رجل إلى رسول الله r فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما حي، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ».

عباد الله بهذه الآيات الكريمات وهذه التوجيهات النبوية، وغيرهما مما ورد في معناها يتضح لك أيها المسلم عظم حقهما، وتأكده عند الله، وعند رسوله r، أليس الوالدان سبب وجودك في هذه الحياة؟! وهما اللذان يسهران على راحتك، وهما اللذان يبذلان كل غال ورخيص في سبيل راحتك وطمأنينتك، كم ليلة سهرا من أجلك؟! وكم من مشاق تحملاها لإسعادك، كم أمرضهما مرضك، وكم أسهرهما سهرك. وكم تمنيا أن ما أصابك يحل بهما عنك، تنام قرير العين وهما يحرسانك، وأنت لا تشعر بشيء من ذلك. حتى إذا كبرت وبلغت الغاية التي كانا يتمنيان لك، وبلغ بهما السرور ما بلغ بصحتك وعافيتك وتكامل قواك البدنية والعقلية وانتظرا منك رد الجميل والمعاملة، ولو بالمثيل تنكرت لهما، ونسيت برهما بك، وتجاهلت حقهما عليك، وكأنهما عندك من سائر الأقارب، أو من سائر الناس، فيا خيبة الأمل!! ويا خسارة ما حصل!!، كأنهما لم يرعياك طويلا، ولم يخدماك أمدا مديدا، جعلت جزاءهما غلظة وفظاظة، واحتقارا وازدراء، كأنك أنت المنعم المتفضل.

أما تتذكر إحسانهما عليك، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! أما تخشى عقوبة الله؟! فما أسرع عقوبة قاطع الرحم, فقد روي عنه r أنه قال: «كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين, فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ». رواه الحاكم وصححه عن أبي بكرة t.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء:23- 24].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدْي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام, ومن علينا بمعرفة الحلال والحرام, أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أن البر بالوالدين من طاعة الله, وطاعة رسوله, ومن أفضل الطاعات فإن الله أوجب البر بهما, ولو لم يكونا مسلمين فأوجب الإحسان إليهما، ومصاحبتهما بالمعروف وإن أمراك بمعصية الله, فلا تطعهما ولا تقطع معروفك وإحسانك بهما يقول I:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].   

وإن من البر بالوالدين بعد موتهما الدعاء والاستغفار لهما, كما جاء عن النبي r أنه سأله رجل من الأنصار فقال: « يا رسول الله، هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم. خصال أربعة: الصلاة عليهما -أي: الدعاء لهما- والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما, وإكرام صديقهما, وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما, فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما ». رواه الإمام أحمد وغيره.

عباد الله: إن البر بالوالدين سبب للبركة في الأعمار, والسعة في الأرزاق, ودفع المكروهات, وهو من أقوى أسباب حصول البر لك من أولادك, فكما تدين تدان, والجزاء من جنس العمل, وقد روي عنه r أنه قال: « برّوا آباءكم تبركم أبناؤكم ».

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 3بر الوالدين.doc74.5 كيلوبايت
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أنعم على عباده بالنعم الجسام، وأمرهم ببر الوالدين وصلة الأرحام. أحمده سبحانه على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن الله - جل وعلا - أنعم عليكم بأصناف النعم لتشكروه، وتعبدوه حق عبادته، فعبادته سبحانه طاعته فيما أمركم، والانتهاء عما نهاكم عنه، فامتثلوا أمره، وابتعدوا عن نهيه، وأخلصوا أعمالكم له، وعلقوا قلوبكم بربكم، رغبة ورهبة إليه، فالأمر كله له وحده، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، إن الخلق جميعهم لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعا، ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورا، بل هو سبحانه المالك المدبر، من التجأ إليه حماه، ومن لاذ به وقاه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54]." data-share-imageurl="">