صلة الأقارب

الحمد لله المنعم المتفضل، أحمده سبحانه على ما أعطى وأجزل، وأشكره على نعمه المتواصلة، وآلائه المتكاملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الموصوف بالرأفة والرحمة لعباد الله المؤمنين. اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة المحسنين، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله في أقوالكم، وأفعالكم، وسركم وعلنكم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

إن الله U يأمرنا بتقواه، وينهانا عن معصيته، وعن موجبات غضبه، كما يأمرنا بطاعته، وامتثال أمره، والبر بالوالدين، وصلة الرحم، وينهانا عن عقوق الوالدين، وعن قطيعة الرحم.

عباد الله: إن صلة الرحم مما أمر الله بها، ووصى بها عباده المؤمنين، وحث عليها ورغب فيها، وبين لنا ثواب صلة الرحم، وما يترتب عليها من خيري الدنيا والآخرة، كما أمر بها نبينا r، ورغب فيها، وبين جزاء الواصلين للرحم، وما أعد الله لهم من الخير العظيم، والثواب الجسيم، وما يترتب على ذلك من سعة الرزق، وطول العمر، والبركة في المال والولد، ولقد وصف الله الذين يصلون أرحامهم، ويقومون بحقوقهم وحقوق غيرهم من المساكين والمنقطعين ابتغاء وجه ربهم، وطلبا لمرضاته، وصفهم بالسعادة والفلاح في دينهم، ودنياهم، يقول الله سبحانه:{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم:38].

وقد قال r: « من يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» وفي البخاري ومسلم عن أبي أيوب t: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ للنبي r  وهو في سفر فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ-أو بِزِمَامِها-ثم قال: يا رَسُولَ اللَّهِ، أخبرني بِمَا يقربني مِنَ الْجَنَّةِ، ويباعدني مِنَ النَّارِ، قال:فكف النبي e ، ثم نظر في أصحابه ثم قال:لقد وفق-أو هدي-قال:كيف قلت، قال:فأعادها، فقال النبي r: تَعْبُدُ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ. دع الناقة-وفي رواية-وتصل ذا رحمك، فلما أدبر قال رسول الله r:إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة».

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرةt قال: سمعت رسول الله r يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه».

ومعناه: يؤخر له في أجله، ويزاد له في عمره، وروى البزار والحاكم وقال:صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي r قال: «مكتوب في التوراة:من أحب أن يزاد في عمره، ويزاد في رزقه، فليصل رحمه».

وفي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي r قال: «الرحم معلقة بالعرش، تقول:من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ».

وكما أمر سبحانه بصلة الرحم، فقد نهى عن قطيعة الرحم وبين ما يترتب على ذلك من سوء العقاب، الدنيا والآخرة، وأن من قطع رحمه قطعه الله، وحرمه من الخير الكثير، وعرض نفسه لغضب الله ولعنته.

كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «إن الله تعالى خَلَقَ الْخَلْقَ حتى إذا فَرَغَ منهم قَامَتْ الرَّحِمُ فقالت: هذا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ من الْقَطِيعَةِ. قال:نعم. أما تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ من قَطَعَكِ؟ قالت: بَلَى. قال فذاك لَكِ». ثم قال رسول الله r: اقرءوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22، 23].

وروى أبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث صحيح عن عبد الرحمن بن عوف t قال: سمعت رسول الله r يقول: «قال الله U: أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته-أو قال: بتته».

وإن من أفضل صلة الرحم يا عباد الله أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتحلم عمن جهل عليك، وتحسن إلى من أساء إليك، حفاظا على صلة الرحم، وطاعة لله ورسوله.

فقد روى مسلم عن أبي هريرةt: « أَنَّ رَجُلًا قال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلي، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟ فقال r: إنْ كُنْتَ كما قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، ولا يَزَالُ مَعَكَ من الله ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك ».

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 21 - 25].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على سوابغ آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، واعلموا أن الرحمة من صفة المؤمنين، وعلامة المتقين، وفيها رضا رب العالمين، وأولى الناس بها الأقارب، فهم أحق بالرعاية، وأجدر بالشفقة والحماية وصلتهم تكون بالملاطفة، والمودة والرحمة والدفاع عنهم بالحق، وتفريج همومهم، وكشف غمومهم، وقضاء حاجاتهم، ومد يد العون إليهم أن احتاجوا لذلك. فصلة الرحم خصلة حميدة، وكلما زادت المودة بين المرء وأقاربه كانوا عونا له يشدون أزره، ويقوون ظهره، ويعينونه على أمره، فعليكم بصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والأيتام، طاعة لله، ورجاء لثوابه، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 7صلة الأقارب.doc77 كيلوبايت
الحمد لله المنعم المتفضل، أحمده سبحانه على ما أعطى وأجزل، وأشكره على نعمه المتواصلة، وآلائه المتكاملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الموصوف بالرأفة والرحمة لعباد الله المؤمنين. اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة المحسنين، ومن تبعهم بإحسان." data-share-imageurl="">