الأخوة الإيمانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا لاتباع هدي خير الأنام، ألف سبحانه بين قلوب المؤمنين، فأصبحوا بنعكته إخوانا. ونزع الغل من صدورهم فكانوا عند الشدائد أعوانا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. الهم صل وسلم على سيدنا محمد واله و صحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واهتدوا بهدي نبيه واسلكوا سبيله؛ فإنه سبيل الفلاح والرشاد، وبه الفوز والعزة والكرامة. إن الله I يأمرنا بالاعتصام بحبل الله، وإن حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به هو هذا القران العظيم، وهذا النبي الكريم، وهذا الشرع المتين، يقول سبحانه:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103] ويقول النبي r: (( إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولاتشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )).

عباد الله: لقد بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق، وجاء الله بالإسلام، و البشر أجناس متفاوتون متعادون متفرقون مختلفون في اتجاهاتهم وعقائدهم وأديانهم، فهناك مذاهب شتى، ومشارب متعددة؛ عصبية قبلية، وحمية جاهلية. يقاتل كل فريق منهم من يخالفه في أي وصف من الأوصاف، أو مذهب من هذه المذاهب، فلما جاء الله بالإسلام صاح بهم صيحة حق واحدة؛ دعاهم إلى الفطرة السليمة؛ فطرة الله التي الناس عليها، دعاهم إلى الأخوة الإيمانية، وإلى الوحدة الإسلامية، وفرضها عليهم فرضا، وحرم التفرق والاختلاف، وبين لهم ما تجلبه الفرقة من ضعف ووهن، أرشدهم إلى ما تجلبه العداوة من تفكك وانحلال:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا} [الأنفال:46].

إن أمة الإسلام أمة واحدة، لا بد من تكاتفها واعتصامها بحبل الله، ووقوفها أمام التحديات السافرة، والطغيان الغاشم، ضد دينها ووحدتها، وكيانها الإسلامي، يقول سبحانه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء: 92].

إن الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية هي القاعدة العظمي بين أجناس البشر وشعوبهم وقبائلهم ما تمسكوا بشريعة الله، سبحانه، هي الأساس لتكون الأمة وبناء صرح مجدها ومجتمعها الثابت، فليس أقوي في بناء المجتمع منها. إن أوضح دليل وأبين شاهد على الأخوة الإسلامية تساوي أفراد المسلمين في التكاليف الشرعية التي سوت بينهم في المأمورات والمنيهات بعد دعوتهم إلى العقيدة الصحيحة من توحيد الله، وإفراده بأنواع العبادة، وتنزيهه عن الأنداد والشركاء، ففي الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر التكاليف الشرعية تطهير للنفوس وتأهيل لها للقيام بما بجب عليها من شكر الله المنعم عليها بهذه النعم التي لا تحصي:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: 34].

وإن من شكرها الاعتراف لمسديها، والقيام بأوامره والتخلق بالأخلاق القرآنيه بين العبد وبين ربه وبينه وبين إخوانه في الدين. إن الأخوة الإسلامية أخوة صادقة تجعل المسلم سندا لأخيه، يشد أزره ويحمى حماه، ويدافع عنه كما يدافع عن نفسه، ويعمل على جلب الخير له ويحبه لأخيه كما يحبه لنفسه. إن الرسول الكريم r جعل الأخوة عمادا ترتكز عليه دعوته، وتشتد قوائمها، وتثبت دعائمها. لما وصل r إلى المدينة في هجرته من مكة عمل على تدعيم قواعد أخوة صادقة بين المهاجرين والأنصار، كان لها أحسن النتائج. وأطيب الثمرات، فكانوا كما وصفهم الله:{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].

وكما يقول الرسول الكريمr: (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )). إن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته واجتماع المسلمين في دار الهجرة واعتصامهم بحبل الله جميعا قوى الله شوكتهم وشد أزرهم بقوة إيمانهم ووحدتهم وحسن نيتهم التي بنيت على أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فما كان منهم إلا أن زلزلوا أركان الطغيان والفساد، وانهدت صروح الكفر وعبادة الأوثان، ودخل الناس في دين الله أفواجا، زالوا في علو ورقي، حتى ملكوا مشارق الأرض ومغاربها بفضل الإيمان بالله وحسن القصد والتمسك بهذه الشريعة الغراء.

ولما طال الأمد، وقست القلوب، وتنكر الكثير لعقيدتهم ودينهم ابتلوا بما ابتلوا به من تسلط بعض قوى الشر والفساد. فهل من متيقظ متذكر يعود إلى رشده وينيب إلى ربه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

وإنه ليجب على المسلمين الاستعداد بالقوة الإيمانية والمادية والحربية في كل ما من شأنه أن يرفع راية الإسلام ويعلي كلمته. فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المبادئ الحقة لا تحيا إلا بحياة الدعاة لها والاستبسال في سبيلها والتمسك بمبادئها، فعليكم أن تتمسكوا بالحق وتناصروه، وتحاربوا الظلم والباطل والطغيان، وتطاردوا جميع قوى الشر والفساد يكتب الله لكم عز الدنيا وسعادتها ونعيم الآخرة ورضوانها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستعفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله ذي العز والسلطان والفضل والإحسان. أحمد سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له. اللهم صل وسلم علي محمد وعلي آله وصحبه.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وتمسكوا بدينكم القويم، ونهج نبيكم الكريم، إن دينكم القويم دعا إلي وحدة الصف وتوثيق الروابط، ومساندة الحق، والوقوف أمام كل ظالم منحرف عن دين الإسلام، حتى يصبح دين الحق هو السائد في الأمة، ويصبح المسلمون في أنحاء الأرض قوة واحدة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويرعى قويهم حق ضعيفهم، وغنيهم حق فقيرهم، وبذلك ينتظم الشمل، وتقوى وحدتهم، وتعز بلادهم، وتسود أوطانهم، ويصبح جانبهم مرهوبا، وحقهم محفوظا وكل ذلك لا يتم إلا بالتمسك بكتاب ربهم ودينهم القويم وهدى نبيهم الكريم.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 10الأخوة الإيمانية.doc72.5 كيلوبايت
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا لاتباع هدي خير الأنام، ألف سبحانه بين قلوب المؤمنين، فأصبحوا بنعكته إخوانا. ونزع الغل من صدورهم فكانوا عند الشدائد أعوانا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. الهم صل وسلم على سيدنا محمد واله و صحبه." data-share-imageurl="">