الحث على تلاوة القرآن

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا } [الكهف: 1]. وجعله نورا يهدي به من يشاء إلى الطريق المستقيم. أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ إنعامه، وترادف آلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل كتابه يهدي للتي هي أقوم. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله-تعالى- حق تقاته، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واعلموا عباد الله أن تلاوة القرآن الكريم من أجل الطاعات، وأفضل القربات، خاصة في مثل هذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن، فإن له ميزة على ما سواه من الأوقات والشهور، وقد كان r يكثر التلاوة في رمضان أكثر من غيره، وقد كان جبريل-عليه السلام-يأتي إليه r يدارسه القرآن كل سنة في رمضان، وفي السنة الأخيرة من عمره r عرض عليه القرآن مرتين، وكان r يحث أصحابه على التلاوة ويرغبهم فيها، ويبين لهم فضلها، فقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r : «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف وميم حرف».

وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة؛ وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ».

وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «يقول الرب تبارك وتعالى : من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه».

وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله  r: « مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها مر ».

في البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله r : « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام  البررة: يعني ملائكة الرحمن، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، فله أجران ».

عباد الله: هذه بعض من فضائل القرآن، وكم وكم له من فضائل، ألا يجتهد كل منا في تلاوة القرآن، وتفهمه، والعمل بما فيه، والانتهاء عما نهى عنه، والامتثال لما أمر به، والتخلق بأخلاقه، فقد كان r خلقه القرآن، وقد وصف الله نبيه بالخلق العظيم: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9].

إنه يهدي للتي هي أقوم في كل شأن من الشئون، في شئون العقائد والتوحيد وإخلاص العبادة لله، فهو يقرر التوحيد، ويحذر من الشرك، ويدعو إلى التعلق بالله وحده دون من سواه، وينهى عن التعلق بغيره؛ لأنه سبحانه هو النافع الضار، وغيره -كائنًا من كان-لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فضلا عن أن ينفع غيره، أو يدفع عنه شرًّا.

يقول القرآن الكريم: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14].  

فلا يجوز الدعاء ولا الالتجاء إلا إليه، ولا الاستعانة ولا الاستغاثة إلا به، ولا خوف ولا رجاء ولا رغبة إلا له سبحانه، فالعبادة والاستعانة حقه سبحانه:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5]. فعبادة الله وحده هي التي تجلو القلوب، وتهذب النفوس، وتنمي شجرة الإيمان، وتقوى روح التوحيد:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5]. إن هذا القرآن يدعو إلى مكارم الأخلاق، إلى بر الوالدين، وصلة الأرحام، والعطف على الضعفاء والمساكين، وحسن المعاملة مع عباد الله، بهذه الأخلاق تحصل سعادة الدين والدنيا، وصلاح المجتمعات، ودوام طمأنينتها واستقرارها. إن حصول السعادة، وهدوء البال، وانشراح الصدر، وطمأنينة النفوس لا تتم إلا بذكر الله.

وإن تلاوة القرآن أعلى أنواع الذكر لله. يقول سبحانه: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، فأكثروا عباد الله من تلاوة القرآن في جميع أوقاتكم؛ لتنالوا رضا مولاكم، واغتنموا هذه الأيام والليالي المباركة في تعلم القرآن، وتعليمه، وتفهمه، وتفهيمه، والمحافظة على الصيام والقيام، فإنكم في أوقات شريفة تضاعف فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، وخاصة في هذا المكان الشريف، وهذه المواطن المقدسة التي اختصها الله بمزيد من الفضل، فالصلاة في المسجد الحرام تعدل مائه ألف صلاة فيما سواه. وكل الأعمال الصالحة فيه تضاعف، فاغتنموا أوقاتكم بكثرة الصلاة وقراءة القرآن والصدقة والإحسان، والطواف بالبيت الحرام، واحذروا مقارفة السيئات كل حين، والحذر في هذا الشهر آكد، وفي هذا البلد الذي تعظم فيه السيئات أشد. واحفظوا صيامكم عن اللغو، وقول الزور، والوقوع في أعراض الناس.

عباد الله: كيف صيام من لا يمنعه الصيام من السباب والفسوق، والغيبة والنميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، والغش والخداع والكذب والبهتان، والربا، وتطفيف الكيل والميزان.

فاتقوا الله، عباد الله، فإن أمامكم يوما عظيما ما أطوله! وحسابا دقيقا ما أثقله! وحاكما عليما ما أعدله! في ذلك اليوم يتخلى عنك الأب الرحيم، والصديق الحميم: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29، 30] نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدى سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد الله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. أحمده سبحانه، وأشكره على جوده العظيم، وفضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الناصح الأمين. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله، عباد الله، واستغفروا لذنوبكم، وتعرضوا لنفحات ربكم، فإنه رحيم كريم، وعفو يحب العفو عن عباده، ويفرح بتوبة التائبين، فبادروا بالتوبة قبل أن ينقضي شهر الرحمة والغفران، وإياكم أن تفسدوا صومكم بالفسوق والعصيان، واستكثروا من طاعة الله والاستغفار، وسؤال الجنة والاستعاذة من النار، وعليكم بتلاوة كتابه العزيز، والتدبر لمعانيه، فإنه حبل الله المتين، ودينه القويم، من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، فاعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، واعتبروا بأمثاله، وقفوا عند حلاله وحرامه، واجعلوا لبيوتكم حظًا من قراءته، في ليلكم ونهاركم، وأخلصوا أعمالكم لله، وسيروا على نهج رسول الله، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 4الحث على تلاوة القرآن.doc74.5 كيلوبايت
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا } [الكهف: 1]. وجعله نورا يهدي به من يشاء إلى الطريق المستقيم. أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ إنعامه، وترادف آلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل كتابه يهدي للتي هي أقوم." data-share-imageurl="">