حرمة البلد الحرام

الحمد لله العزيز الغفار، يخلق ما يشاء ويختار، وهو الحكيم الخبير،  أحمده سبحانه وأشكره على فضله الغزير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوه بفعل المأمورات، وترك المنهيات، واشكروه بقلوبكم، وألسنتكم، وأعمالكم على نعمه التي لا تحصى، أمدكم بالنعم العامّة والخاصة، هداكم إلى دين الإسلام، واتباع خير الأنام، وخصكم بالمقام في هذا البلد الأمين، الذي جعله بلدا آمنا، تجبي إليه ثمرات كل شيء، ونعمة الأمن أعظم النعم بعد نعمة الإسلام، فأنتم بها تتقبلون، وفي أثوابها ترفلون في هذا البلد الحرام، وعند بيته العتيق، إن هذه الخصوصية لم تحصل لغيركم في أي بلد سواه، والله يذكرنا هذه النعم لنقوم بشكرها عملا واعترافا، فقال سبحانه:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [القصص: 57].

فهو سبحانه يذكرنا بهذه النعم التي يسرها وهيأها في هذا البلد الأمين، من كثرة الخيرات، وسخر عباده لنقلها إليه من كل حدب وصوب، تجبى إليه من كل قطر، تتوافد إليه أنواع الأرزاق، وأطايب الثمار تسخيرا منه، واستجابة لدعاء خليله إبراهيم-عليه السلام-حين دعا ربه، وسأله أن يجعل هذه البقة الطاهرة التي شرفت ببيته العتيق بلدا آمنا تتوالى عليه أنواع الثمار، يقول U:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126].

فاستجاب الله دعاءه، وأولى عليهم النعم:نعمة الأمن، والاستقرار، ونعمة الخير والبركة والثمار، وكثرة الأجور والثواب، ومضاعفة الأعمال الصالحات. الصلاة الواحدة فيه بمائة ألف صلاة، والحسنات كلها تضاعف، بلد حرام حرمه الله، ورفع مكانه وأعز جنابه، وجعله أول بيت وضع للناس، من دخله فهو في أمن وأمان لا يجوز أن يُسفك فيه دم، ولا ينفّر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا يعضد شوكه، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرّف، جعل في قلوب المؤمنين محبته، والشوق إليه، وأوجب على جميع المسلمين حجه وزيارته، وجعل حجه ركنا من أركان دين الإسلام، فاعرفوا عباد الله قدر نعم الله عليكم، وما خصكم به من دون الناس واحذروا من كفران النعم، وعدم القيام بشكرها، فالله-U-يقول مرغبا بالشكر، ومحذرا من كفر النعم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]. فأدوا الشكر بلزوم الأدب مع الله، والقيام بأداء الواجبات، والمحافظة على الأوامر الإلهية، والبعد عن المحرمات، وعن اقتراف الذنوب والسيئات، فإن المعصية في هذا البلد الحرام أعظم حرمة، وأسرع عقوبة من الذنب في غيره، وإن من خصوصيات هذا البلد أن من هم بعمل السيئة فيه. فإن الله يعاقبه ولو لم يفعل، بل بمجرد العزم على إرادة الظلم يذيقه الله العذاب الأليم، كما قال سبحانه:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25].

فاتقوا الله عباد الله، وألزموا الأدب مع الله بتوحيده وطاعته، ومع إخوانكم المقيمين بجوار هذا البيت العتيق، ومع الوافدين إليه من كل فج عميق، عظِّموا بيته الحرام، واحذروا سخطه وغضبه، وابتعدوا عن ظلم أنفسكم بالذنوب والمعاصي، وإياكم والظلم، والتسلط على عباد الله المؤمنين، في هذا البلد الأمين الذي نهى الله سبحانه فيه عن صيد الحيوان، أو تنفيره أو إزعاجه، ورتب الجزاء على من فعل شيئًا من ذلك متعمدًا، بل حرم قطع شجره، وحَشَّ حَشِيشه، حتى الشوك الذي قد يكون فيه شيء من الأذية حرّم قطعه، كما جاء ذلك في البخاري وغيره فكيف يا عباد الله بحرمة المؤمن؟! وأذيته والاستطالة عليه في عرضه أو ماله، أو الاستيلاء على شيء من حقوقه، أو خيانته، وظلمه، أو بخس حقه، أو مماطلته فيه، أو التطاول والترفع عليه، أو ازدرائه، سيما إذا كان ذا قربة، أو حق، وأعظم ذلك عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، فما أعجل عقوبة العاق لوالديه، أو قاطع رحمه، وما أحرى قبول دعوة المظلوم، خصوصا إذا انطلقت دعوته من هذا المكان المقدس، من بلد الله الحرام، وبيته العتيق، والنبي r يقول لمعاذ t: «وَاتّق دَعْوةَ المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حِجَاب ».

اللهم وفقنا للقيام بخدمتك، وأعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، ومُنَّ علينا بحسن الأدب، في هذا البلد الأمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67].

 نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 15حرمة البلد الحرام.doc71.5 كيلوبايت
الحمد لله العزيز الغفار، يخلق ما يشاء ويختار، وهو الحكيم الخبير،  أحمده سبحانه وأشكره على فضله الغزير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوه بفعل المأمورات، وترك المنهيات، واشكروه بقلوبكم، وألسنتكم، وأعمالكم على نعمه التي لا تحصى، أمدكم بالنعم العامّة والخاصة، هداكم إلى دين الإسلام، واتباع خير الأنام، وخصكم بالمقام في هذا البلد الأمين، الذي جعله بلدا آمنا، تجبي إليه ثمرات كل شيء، ونعمة الأمن أعظم النعم بعد نعمة الإسلام، فأنتم بها تتقبلون، وفي أثوابها ترفلون في هذا البلد الحرام، وعند بيته العتيق، إن هذه الخصوصية لم تحصل لغيركم في أي بلد سواه، والله يذكرنا هذه النعم لنقوم بشكرها عملا واعترافا، فقال سبحانه:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [القصص: 57]." data-share-imageurl="">