الحذر من مغبة الذنوب

الحمد لله ذي العز والاقتدار، عالم الغيب والشهادة الواحد القهار، أحاط بكل شيء علما، وجعل لكل شيء سببًا،{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] أحمده سبحانه وأشكره على أفضاله،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، اتقوا ربكم، اتقوا من يعلم سركم وجهركم، اتقوه بفعل الطاعات، والبعد عن المحرمات.

عباد الله: إن الله رتب الأسباب على مسبباتها، وجعل لكل شيء سببا يحصل بوجوده وينتفي بانتفائه، ويزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، وأنه سبحانه له القدرة الكاملة والنعمة الشاملة، ولكنه جعل هذه الدنيا دار تكليف وامتحان، وابتلاء واختبار،{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، والاعتماد والتوكل عليه، وتكفل بأرزاقهم كما تكفل بأرزاق جميع المخلوقات،{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].

عباد الله: لقد أخبر سبحانه أن رزق بني آدم وقوام معيشتهم مما ينزله من السماء عليهم كما قال سبحانه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] وإذا أراد U نقص الأرزاق حبس القطر من السماء فتوقفت الأنهار،وغارت العيون، ونضبت مياه الآبار فهلكت الأشجار  والزروع والمواشي والحيوانات وهذه أغلب مصادر رزق أكثر المخلوقات، وأنه سبحانه جعل أسباب نقص الثمار وقلة الأمطار ما يصدر من معاصي  بني آدم، معاصي من يعلم أن الله الذي خلقه ورزقه، ومع ذلك لم يقم بشكر هذه النعم، فنسي ربه واتبع هواه، وتمرد على الأوامر الإلهية، والأحكام الشرعية، والله أخبر أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإن استقاموا أقام لهم أحوالهم، وإن كفروا بنعم الله غير الله عليهم{جَزَاءً وِفَاقًا }[النبأ: 26].

ولقد حذر سبحانه غاية التحذير من مغبة المعاصي، وأخبر أنه ما وقع  في البر والبحر من فساد إلا وسببه الذنوب، وما أصاب من مصيبة إلا كان سببها اقتراف السيئات والمعاصي يقول سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأعراف: 96].

قال بعض السلف: أنتم تستبطئون المطر، وأنا استبطأ العذاب، إن الله سبحانه عذب الأمم السابقة بسبب تماديهم في طغيانهم وعصيانهم وتكذيبهم لرسلهم.

فهذه قصص القرآن تتلى عليكم وتتلونها، وهذه عاقبة المعاصي تقرؤونها وتعرفونها، ماذا حل بقوم نوح حين عصوا واستمروا على تكذيبهم؟ أما عمهم الغرق، ولم ينج إلا من آمن منهم.

وهكذا قوم عاد لما تجبروا وعتوا عن أمر ربهم أما أهلكوا {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة: 6، 7].

وهؤلاء ثمود لما عصوا أمر ربهم واعتدوا على ناقة  الله التي جعلها آية لهم أرسلت عليهم الصيحة فقطعت قلوبهم في أجوافهم وهؤلاء قوم شعيب لما نقصوا المكيال والميزان، وكذبوا رسل الله
{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [الأعراف: 78].

وكذا قوم لوط لما ارتكبوا الفاحشة الشنعاء وكذبوا رسولهم، أرسل الله عليهم جبريل، فاقتلع أرضهم وديارهم، ورفعهم إلى عنان السماء، ثم كفأها عليهم، وأتبعوا بالحجارة، فهلكوا جميعًا إلا لوطًا ومن كان معه من المؤمنين.

أليس في هذا يا عباد الله مزدجر؟ ألم تكن هذه أكبر العبر؟ وما هذه العقوبات من الظالمين ببعيد.

عباد الله: ارجعوا إلى ربكم، توبوا إليه، أقلعوا عما أنتم عليه من المعاصي قبل الأخذ بالنواصي، أما يحاسب كل منا نفسه ويخاف من ذنبه ويراقب خالقه، ويخشى عقابه!! لقد استولت علينا الشهوات، وغلب حب الدنيا والتكاثر والتنافس فيها، ونسي الكثيرون منا الله والدار الآخرة.

أليس الربا قد فشا؟ أليست الأمانة قد ضيعت؟ أليست الصلاة قد استخف بها وهي من أهم أمور الدين؟ أين الإسلام ممن لا يصلي الله، ولا يتقي ما حرم الله، ولا يخاف عقاب الله؟!

عجب أمرنا!! إنه لعجب، نرجو المطر، ونأمل النصر، ولا نبالي بالخطر، ونحن نبارز الله بالذنوب، نحاربه بارتكاب ما نهانا عنه!! هل هذا منا شك في قدرة الله؟ أو أنه طال الأمد فقست القلوب؟

احذروا عباد الله سطوة الجبار، إن أخذه أليم شديد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10، 12].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 4الحذر من مغبة الذنوب.doc72 كيلوبايت
الحمد لله ذي العز والاقتدار، عالم الغيب والشهادة الواحد القهار، أحاط بكل شيء علما، وجعل لكل شيء سببًا،{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] أحمده سبحانه وأشكره على أفضاله،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">