الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب المخلصين الصادقين من عباده، ويكره المنافقين المرائين بأعمالهم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الصادقين، وإمام المتقين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن الله مطلع على السرائر والظواهر، لا تخفى عليه خافية، يعلم ما تسرون وما تعلنون، وهو عليم بذات الصدور، يعلم السر وأخفى، يعلم السر الذي لا يطلع عليه أحد من المخلوقين سوى صاحبه، ويعلم ما هو أخفى من ذلك، وهو الشيء الذي لم يخطر لك ببال، يعلم سبحانه أنه سيخطر ببالك.
وهذا والحمد لله كل مؤمن يؤمن بذلك، ويعلم أن الله يعلم ما كان وما سيكون، ولكن مع الأسف إن بعضا من الناس يخادعون الله ويخادعون عباد الله المؤمنين بأقوالهم المعسولة، وعباراتهم الخلابة، فترى البعض يلقاك بوجه طليق، ويظهر لك المحبة والمودة والصدق والإخلاص، ولكنه بخلاف ما يظهر، وعلى عكس ما يُبدي قد امتلأ قلبه غيظًا، وحقدًا، ونفاقًا، ومراوغة، يُبدي خلاف ما يكن، ويظهر خلاف ما يبطن، يبيع دينه بعرض من الدنيا، ويهدر كرامته في سبيل نيل بعض غرضه الشخصي، أو حاجته الدنيوية، اتخذ صفات المنافقين له مركبا، وابتعد عن صفات المؤمنين الصادقين. لما سقطت نفسه عن درجة الأخلاق العالية، واستحلت المهانة والذلة وسفساف الأخلاق، هبط عن درجة المؤمنين، وهوى في هوة المنافقين، إن النفاق مرض خطير، وخزي كبير.
إنه داء مهلك ما فشا في أمة من الأمم إلا كان نذير دمارها، وخرابها، وسبيل شقائها وعذابها، وما حل في نفس إلا كان دليلا على مهانتها، وضياع عزتها، وفقدان شرفها، وشهامتها، فالنفاق عار في الدنيا، ونار في الأخرى، يقول سبحانه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء:145]. المنافق شخص حارب الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين. إن النفاق نوعان:
نفاق في الاعتقاد، وصاحبه مخلد في النار، وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، يكره الإسلام ويحب الكفر، يكره خصال الإيمان ويحب خصال النفاق.
ونفاق عملي، وهو العمل بصفات المنافقين من الكذب والخيانة وخلف الوعد، وصاحبه على خطر عظيم نسأل الله السلامة.
أيها المسلم: إذا أردت معرفة المنافق، والتعرف على صفات المنافقين، وعلاماتهم لتحذر منهم وتبعد عن هذا الصنف من الناس، وتبعد عن صفاته، فاعلم أن الكذاب منافق، وأن الكذب من صفات أهل النفاق، فنجد أحدهم يحلف في بيعه وشرائه، ويكرر الأيمان المغلظة، وهو يعلم كذب نفسه، يخادع الناس بهذه الأيمان المغلظة، اتخذ الكذب مطية له في حديثه، وفي مواعيده، وفي معاملاته، وفي نقله وخبره، وفي هزله وجده يكذب ويعزز كذبه بيمينه، حتى يجوز كذبه على محدثه، ويطاع فيما يقول، وقد نهى الله عن طاعة أمثال هؤلاء، ووصفهم في محكم كتابه فقال سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}[القلم:10-12].
إن خلف الوعد خلق ذميم، وهو من صفات المنافقين، كما أن الخيانة من علامات النفاق، الخيانة في الأمانة، الخيانة في الأهل والمال، الخيانة في كشف الأسرار وهتك الأعراض. إن من صفات المنافقين في القرآن الكريم ما ذكره الله بقوله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا }[النساء:142].
إن من صفات المنافقين التهكم بعباد الله المؤمنين. وكثرة الاستهزاء بهم، وتنقصهم في دينهم، وتمسكهم بسنة نبيهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14- 15].
إن المنافقين إن سمعوا عن مؤمن أن تصدق بالكثير من ماله لمزوه بأنه مراء، وإن تصدق بالقليل على قدر جهده عابوه بإخراج القليل، وسخروا منه، وهم لا هذا أخرجوا، ولا ذاك أعطوا، وقد ذكر الله ذلك من صفاتهم بقوله سبحانه:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:79].
إن نبيكم الكريم r نصحكم غاية النصيحة، وحذركم من صفات أهل النفاق وبين لكم شيئًا من علاماتهم لتحذروهم، ولتجتنبوا صفاتهم المذمومة، فقال r: « آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ».
فهذه من أحوالهم الظاهرة، وصفاتهم الواضحة، فاحذروا أيها المؤمنون أن تتصفوا بشيء من صفاتهم، فتشاركوهم في عذابهم، وتشاطروهم اسم النفاق:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون:1- 2].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدْي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله عالم الغيب والشهادة,أحمده سبحانه وأشكره,وأسأله المزيد من فضله,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله,اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله,وأخلصوا أعمالكم لله، واحذروا من صفات أهل النفاق، ومجالستهم، والإقتداء بهم، فإن جليس السوء يكسبك من صفاته من غير أن تشعر بذلك، وقد بين لنا r صفات أهل النفاق ؛ لنبعد عن أهلها فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي r قال: « أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر ».
فاحذروا عباد الله من هذه الخصال الذميمة، وعليكم بالصدق والبر؛ فإنه يهدي إلى الجنة كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ».
المرفق | الحجم |
---|---|
6التحذير من صفات المنافقين.doc | 74.5 كيلوبايت |