التحذير من مظالم العباد

الحمد لله ذي الفضل العميم، والمن الجسيم، أنعم على عباده بأصناف النعم، وحذرهم أسباب النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله-تعالى-وراقبوا في سركم وعلنكم، واعلموا أن الله أمركم بأن تتقوه في أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم، وقد وعدكم سبحانه على ذلك صلاح أعمالكم، ومغفرة ذنوبكم في الدنيا، وحصول الفوز العظيم، والفضل الجسيم في آخرتكم، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله عباده المؤمنين بأن يتقوه في جميع أحوالهم، يتقوه في أقوالهم وأعمالهم وذلك بتحقيق الامتثال لأوامره، وأدائها على وجهها، كما أرادها سبحانه منهم، والبعد عما نهاهم عنه من المحرمات من الأقوال والأفعال، فبتحقيق التقوى يحصل للمؤمن كل خير في دينه ودنياه، ويزول عنه كل شر في عاجله وآجله، من استقام على التقوى، ولزم في منطقه القول السديد؛هداه الله إلى الطيب من القول، ووفقه إلى صراطه الحميد، من اتقى الله واستعمل لسانه بالكلم الطيب من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وتلاوة القرآن، وذكر الله U والتوبة، والاستغفار، والكف عن أعراض الناس، والطعن فيهم، وسوء الظن بهم؛جعل الله له من كل همٍّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، من اتقى الله في أعماله وأقواله يسره الله لليسرى، وجنبه العسرى، ورزقه الحسنى وأمنَّه في الآخرة والأولى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }[الطلاق:4].

عباد الله: إن التقوى واجبة على العبد في جميع أحواله، عليه مراقبة ربه في سره وعلنه، في دينه ودنياه، في معاملته مع ربه، في معاملته مع أهله وأقاربه وجيرانه، في معاملاته في بيعه وشرائه، في مواعيده ومواثيقه، في عمله ووظيفته، وما ائتمن عليه مؤديا حقوق عباد الله، ناصحا لهم صادقا في أقواله، مؤتمنا في معاملاته، بعيدا عن الغش والخداع والمكر والحيلة والتدليس والخيانة، متجنبًا الأيمان الكاذبة وقول الزور، وشهادة الزور، إذا لم يكن المسلم كذلك فأين التقوى؟! وأين الإيمان الحقيقي؟! والنبي r يقول: « المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ».

كيف يكون من المتقين من أهمل فرائض الله وضيعها، وتجرأ على محارم ربه وانتهكها، كيف يكون متقيا من تجرأ على أكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا، وعامل الناس بالغش والخداع وبخس المكاييل والموازين، وأطلق لسانه في أعراض عباد الله المؤمنين، ومشى بالنميمة، واتصف بالكذب، وارتكب الآثام.

كيف يكون متقيًا من يخون أماناته التي ائتمن فيها من ولاية أو عمل، أو مال أو سر من الأسرار التي جعل مؤتمنا عليها، لقد ابتلي كثير من الناس اليوم بالخيانة، وعدم الأمانة، إن كان عليه حق لم يؤده كاملا، أو كلف بعمل لم يقم بأدائه على وجهه، وإن كان في طريق حقوق للناس تبرم منهم، وماطل بحقوقهم، وربما لم يؤد الحق لصاحبه، إلا باقتطاع جزء منه أو الاستيلاء على بعضه أو أخذ عوض عليه، أليست هذه خيانة لعمله؟! أليس هذا ظلما لعباد الله؟! أليس هذا أكلا للمال الحرام؟! أليست هذه الرشوة التي قال فيها رسول الله r:«لعن الله الراشي والمرتشي والرائش»؟! أليس هذا العمل بعيدا عن التقوى؟! أليس هذا من الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة؟ إن الظلم يخرب البيوت العامرة، ويدمر الديار الناضرة، ويبدل حال الظالمين من هناء ورخاء إلى بلاء وشقاء أو يذيقهم من العذاب ما لم يكونوا يحتسبون؟!

إن أكل أموال الناس بالباطل وظلمهم، وبخس حقوقهم من طبيعة اللئام، وضعفاء النفوس والإيمان، كيف بك أيها المجترئ على حقوق العباد وظلمهم إذا قيل لك يوم القيامة:رد المظالم إلى أربابها؟والحقوق إلى أصحابها؟تذكر ذلك الموقف العظيم يوم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }[المطففين:6].

وتذكر قول نبيك الكريم، الناصح الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه حينما قال r لأصحابه: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال r: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه؛أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار » .

فاتق الله أيها المسلم، واجعل خوف الله أمام عينيك، واحذر سخطه وعقوبته، واعلم أن متاع الدنيا قليل، وأن الآخرة هي دار القرار{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ }[هود:102-103].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أقام بالعدل نظام ملكه، وجعل القيام بالعدل من أسباب حفظه وبره، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في سركم وعلا نيتكم، واحذروا المعاصي والآثام، وظلم العباد، وابتعدوا عن مظاهر الجبروت والكبرياء، والانتقام والاعتداء والشر والفساد، والإضرار بالناس، وعاملوا العباد بما تحبون أن يعاملوكم به من العدل، والشفقة، والرحمة، فإن الجزاء من جنس العمل، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وبادروا-رحمكم الله-بالتوبة والاستغفار قبل أن تقول نفسٌ:يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله. وقد قال r: « من كانت عنده مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه » .

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 8التحذير من مظالم العباد.doc75 كيلوبايت
الحمد لله ذي الفضل العميم، والمن الجسيم، أنعم على عباده بأصناف النعم، وحذرهم أسباب النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله-تعالى-وراقبوا في سركم وعلنكم، واعلموا أن الله أمركم بأن تتقوه في أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم، وقد وعدكم سبحانه على ذلك صلاح أعمالكم، ومغفرة ذنوبكم في الدنيا، وحصول الفوز العظيم، والفضل الجسيم في آخرتكم، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]." data-share-imageurl="">