التحذير من شهادة الزور

الحمد لله العليم القادر، المحيط علمه بالظاهر، وما تكنه الضمائر، يعلم السر وأخفى، وإليه المآب والرجعى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، الداعي إلى البر والهدى، والمحذر من أسباب الهلاك والردى، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.

 أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى حق تقاته، واحذروا أسباب سخطه وانتقامه، واعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية، يعلم سركم وجهركم، ويعلم حركاتكم وتصرفاتكم، وما يصدر عنكم من الأقوال والأفعال؛ فاجتهدوا في إخلاص عملكم لله، وتحروا الصدق في أقوالكم، وأدوا الأمانات، كما أمركم إلهكم، وقولوا الحق، إذا نطقتم، وأدوا الشهادات كما علمتم، وتحققتم، ولا تنقصوا، ولا تزيدوا عما تعلمون، فمن نقص شيئا فقد كتم الشهادة، والله يقول في كتمانها: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283].

ولا تزيدوا عليها فتكون شهادة زور، وشهادة الزور من الفجور، ومن كبائر الذنوب، ولقد حذر منها r  غاية التحذير، كما روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة t قال: قال رسول r : « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان r متكئا فجلس فقال: ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت ».

عباد الله: إن شهادة الزور من أكبر الكبائر. إن شاهد الزور مخادع لله، خائن لعباد الله، والله سبحانه لا يحب من كان خوانا أثيما. إن شهادة الزور من الإفساد في الأرض،والله يقول:(  فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) [يونس: 81].

فاتقوا الله إذا قلتم، وقولوا الحق إذا شهدتم، وأدوا الأمانات إذا اؤتمنتم، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، فشاهد الزور خوان أثيم، وله عند الله العذاب الأليم، وقد قال r : «لا إيمان لمن لا أمانة له ». وهل يكون شاهد الزور ذا أمانه؟! هل يؤمن شاهد الزور في حال من الأحوال؟!.

 إن الذي شهد شهادة الزور قد أوبق نفسه في الآثام، وظلم كلا من الطرفين، ظلم المشهود عليه، وقهره وغلبه بالباطل، وأوغر صدره عليه، وحرمه حقه، وأفسد مجتمعه، وظلم المشهود له بإعانته على أكل الحرام، وظلم الناس، وعصى الله بأمره في قوله سبحانه:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

 إن شاهد الزور قد أوقع الحاكم في الخطأ في الحكم، وإصدار الحكم بما هو خلاف الواقع. إن شاهد الزور بفعله هذا غير حكم الله، واستحق المقت والغضب من الله. إن شاهد الزور والمشهود له تعاونا على الباطل، تعاونا على الإثم والعدوان، جادلا بالباطل في هذه الحياة الدنيا على سحت من المال قد يتمتع به آكله ويفني عن قريب؛ وقد يعاقب بالحرمان منه، فيكون سببا لهلاك نفسه، أو هلاك ماله، أو هلاك ولده، أو أهله.

إن جادل عنه بالباطل في هذه الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنه يوم القيامة؟! أو ليس الشاهد مسئولا عن شهادته؟ أليس آكل المال بالباطل مسئولا عنه ومحاسبا عليه؟.

ماذا تقول لربك أيها الخائن يوم تجتمع خصماؤك؟! ويتعلق المظلومون بك وأنت وحيد لا مدافع عنك، ولا محاج ولا محامي لك، ترى باطلك ميتا، وحق صاحبك حيا، يجاء بك وبالأموال التي أكلتها ظلمًا وأنت على وجهك مسحوب، والحاكم عليك علام الغيوب، فاتق الله أيها الخائن، وراقب ربك مادمت في وقت الإمكان، قبل فوات الأوان: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

 لقد أثنى الله U على الذين لا يشهدون شهادة الزور، ولا يحضرون مجالس اللغو والفجور، ترفعوا عن كل ما يدنس أديانهم وأعراضهم، وراقبوا الله في إسرارهم وإعلانهم قال سبحانه:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفرقان: 72].

عباد الله هذه الحياة أيام محدودة، وأنفاس معدودة، فعلام يقحم المسلم نفسه في الكبائر والآثام؟ وما يدري لعله في يومه أو غده ينتقل عن هذه الدار، ويخلو بلحده وحده، ليس له مؤنس إلا عمله الصالح، إن كان له عمل صالح، وإلا فسيوحشه في قبره عمله السيئ ولا ينفعه حينئذ ما جمعه وما ثمره، ولا يقبل منه توبة ولا معذرة.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: 36].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 11التحذير من شهادة الزور.doc70.5 كيلوبايت
الحمد لله العليم القادر، المحيط علمه بالظاهر، وما تكنه الضمائر، يعلم السر وأخفى، وإليه المآب والرجعى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، الداعي إلى البر والهدى، والمحذر من أسباب الهلاك والردى، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه." data-share-imageurl="">