التحذير من التبرج

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .

أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، وتخلقوا بأخلاق القرآن، وتأدبوا بآداب سيد الأنام، فلقد كان نبينا r خلقه القرآن، يمتثل أوامره، ويبتعد عن نواهيه، ويسير على نهجه، وذلك لأن القرآن أنزل هدى ورحمة للمؤمنين، أنزل لهداية البشر، ليخرجهم من الظلمات إلى النور .

إنه الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، إنه يهدي للتي هي أقوم في كل شيء من أمور الدنيا والدين، يهدي للتي هي أقوم في الأوامر والنواهي، والتوجيه والإرشاد، في الأمور الاجتماعية والأخلاقية .

وإن من تعاليم ديننا، وتوجيهات القرآن الكريم لهذه الأمة، ما أرشد به سبحانه أمهات المؤمنين، وزوجات سيد المرسلين، ونساء المؤمنين، بقوله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه الكريم، الطاهرات المطهرات، المؤمنات القانتات،{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }[الأحزاب:33-34] فهذا توجيه لهن ولغيرهن من نساء المؤمنين فهن القدوة الحسنة، وهن القمة بين نساء العالمين، في العمل بكتاب الله، وامتثال أوامر الله، وأوامر نبيه r، ومع ذلك يجيء توجيههن في القرآن الكريم ليكون ذلك أمرًا لهن، ونبراسًا لغيرهن من المؤمنات إلى قيام الساعة.

فالقرآن يأمرهن بالاستقرار في البيوت، وملازمة المنازل لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية، والاشتغال فيما يعنيهن من تدبير أمور المنزل ومراعاة شؤونه، وتلاوة ما يتلى عليهن من كتاب الله، وسنة نبيه r، وتذكير من يأوي إليهن، وتعليمهن الآداب الشرعية، لمن يتصل بهن من نساء المؤمنين، فهن العالمات المعلمات، وهن الراشدات المرشدات.

 كما نهاهن عن التبرج، وإظهار الزينة للرجال الأجانب، وعن البعد عن كل ما يخدش كرامتهن من أفعال وأعمال الجاهلية الأولى، من التبرج، والخروج لغير ضرورة، أو حاجة، لما لهن من القدر، والفضل، والميزة، والرفعة، فأمرهن بالتحلي بالفضائل، والبعد عن الرذائل، ليطهرهن الله مما يخدش من كرامتهن ويتصفن بالحشمة والعفة و الصيانة .

عباد الله: إذا كان هذا التعليم الإلهي لأمهات المؤمنين وهن الغاية في العفة والورع، والصيانة والاستقامة، والدين والتقوى، فكيف بغيرهن من النساء، فهن لقلة فقههن، وضعف إيمانهن، أحق وأولى بالبعد عن كل ما يخل بكرامتهن، وما يدنس أعراضهن، فإن من أقبح المنكرات، وأسوأ الحالات،وأعظم البليات تبرج المرأة، وإظهار زينتها أمام الرجال الأجانب، وبين أهل الفسق، وأصحاب الأمراض الأخلاقية، والصفات الدنيئة.

إنه لمن المنكرات أن تخرج المرأة إلى الأسواق والطرقات، وأماكن البيع والشراء بدون ضرورة لذلك أو حاجة ملحة، فيراها العاقل، والسفيه، والمؤمن والفاسق، وهي متبرجة مظهرة لزينتها، لا دين يردعها، ولا حياء يمنعها، إن الحياء شعبة من شعب الإيمان، ضعف الوازع الديني في النفوس، وقل الورع، والوازع الخلقي، وأكثر الأولياء تركوا لهن الحبل على الغارب، فترى الكثير منهن تجوب الأسواق بزينتها وتبرجها لا يمنعها حياء ولا خجل، ولا يردعها وليّ ولا بعل، تتفنن في أشكال ملابسها المبدية لمحاسنها . إن العاقل يكرهها والفاسق يطمع فيها .

أيها المسلمون: إن تهتك المرأة، وإظهار زينتها، ومواضع الفتنة فيها، واختلاطها بالرجال الأجانب ؛ من المنكرات الممقوتة، والعادات السيئة المحرمة، التي لا يجوز السكوت عليها، فقد أوضحت الشريعة المطهرة سوء عاقبتها، وأدرك العقلاء شدة خطرها، وإن التساهل في الأمر عاقبته وخيمة ونتائجه قبيحة.

فعلى المسلم أن يغار على أمته من تلاعب الشيطان بها، ولا ينبغي أن يتهاون في هذه الأمور التي قد يراها البعض من الناس ممن ضعفت بصائرهم، أو رق دينهم، أو خالط قلوبهم مرض الشهوات أمورًا ليست بذات الأمر الكبير، والشأن الخطير، وهي في الحقيقة من أخطر الأمور، ومن أقوى الأسباب الجالبة للشرور، والموجبة لسخط الجبار، ولهذا يقول r وهو الناصح الأمين: « لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم » . رواه الترمذي وحسنه ([1]).

فاتقوا الله عباد الله، وخذوا على من تحت أيديكم، قوموهم على الأخلاق المرضية، والآداب الشرعية، والأوامر الإلهية، صونوا نساءكم عن التبرج المشين، والتقليد لأعداء الدين، إنكم معشر الأولياء مسئولون أمام الله عن أماناتكم، وعن أولادكم، وأهليكم .

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) ([2]).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[التحريم:6].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفضلنا به على سائر الأنام، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعة ربكم، وانهجوا نهج عباد الله المؤمنين، واحذروا من التشبه والتقليد لأعداء دينكم، الذين يحاولون أن تتبعوهم في كل أمورهم، يريدونكم أن تقتدوا بهم، وتسيروا على نهجهم حتى لا يكون لكم عليهم ميزة، ولا يكون لكم سلطان قوي تتميزون به، وقد أكرمكم الله بهذا الدين العظيم، الذي نظم لكم جميع أموركم، على أحسن وجه، وأتم حال، وأعدل شيء، فتمسكوا بدينكم تفلحوا، واقتدوا بهدي نبيكم تربحوا .

وإنه لمما يؤسف له أشد الأسف، أن كثيرًا من الناس، ابتلوا بتقليد الأجانب، من غير تمييز بين ما ينفعهم وما يضرهم،، قلدوهم في عاداتهم، ولباسهم، وكثير من أمورهم، حتى فيما حرم الله عليهم، من اختلاط النساء بالرجال، ومن حلق اللحى، ومن إظهار زينة النساء، وكشف أبدانهن أمام الرجال وفي الأسواق وقد قال r: («من تشبه بقوم فهو منهم » ([3]).

فاحذروا عباد الله التقليد الضار، ومن محاكاة الفساق والفجار، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم ،تفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة .

 

([1])    رواه الترمذي في كتاب الفتن رقم (2169) .

([2])    رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة، رقم (2128) .

([3])    رواه أبو داود في كتاب اللباس، رقم (4031)، وأحمد في مسنده 2/50، 92 .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 19التحذير من التبرج.doc72 كيلوبايت
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ." data-share-imageurl="">