التحذير من اختلاط الجنسين

الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، يهدي من يشاء من عباده إلى طريق السداد، ويضل بعدله من يشاء إلى طريق الغي والفساد. أحمده سبحانه، وهو للحمد أهل، وأشكره على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الناصح الأمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، وآمنوا به، وحققوا إيمانكم، واستقيموا على ذلك؛ فقد وعد الله المستقيمين على إيمانهم الجنة، وحصول البشرى العاجلة في هذه الدار، والآجلة في دار النعيم. واعلموا أن المعول في الحقيقة على الصدق في القول والعمل، وأن مجرد الدعوى دعوى الإيمان أو دعوى الإسلام بدون حقيقة لذلك لا ينفع صاحبه، فلا بد من الإيمان باللسان والقلب والجوارح.

ولا بد للمسلم أن يتفقد حاله في أقواله وأعماله؛ فقد قالrفي الحديث الذي رواه البخاري: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ».

إن المسلم يجب عليه أن يحاسب نفسه، مخافة أن يقع في أمر عظيم وهو لا يشعر، أو أن يقع في النفاق وهو لا يعلم، أو أن يقع في المحادة لله ولرسوله وهولا يدري، وإن من المحادة لله ولرسوله أن يقوم المرء بدعوة تخالف أوامر ربه أو هدي نبيه، والله U يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 20، 21].

فهو سبحانه القوي الذي لا يغلب، وهو العزيز الذي يعز من يشاء، ويذل من يشاء. وإنه لمما يؤسف له أن ناسا أخذوا في تحسين الباطل والدعوة إليه وتحبيذه؛ يريدون أن يروجوا على السذج وعلي من قصرت ثقافتهم الدينية، وقل فقههم في الدين أمورا لا يرضاها الله، وإن قلة الفقه في الدين دليل على الحرمان، كما قال r : « من يرد الله خيرًا يفقهه في الدين». ومفهوم هذا الحديث : أن من لم يفقه في دينه، لم يرد الله به خيرًا.

عباد الله: إن الجرأة على تحسين الباطل والدعوة إليه وتسمية الاختلاط بين الرجال والنساء من التقدم والحرية والتطور إثم كبير. وأصحاب هذه الدعوة يرون أن تقليد الغربيين، ومسايرتهم، والسير خلفهم هو التطور، فهؤلاء يخشي عليهم من الطبع على قلوبهم، فإذا طبع على قلب المرء أصبح لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، بل ربما رأى المعروف منكرًا، والمنكر معروفا، وهذه صفة من صفات المنافقين؛ كما قال سبحانه:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التوبة: 67].

إن الله I لم يجعل الحرية المطلقة للمرأة؛ بل لها حريتها في أشياء أوضحها الشرع، وجعل للرجل عليها فضلا ودرجة؛ كما قال سبحانه: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 228]. وجعل للرجال القيام بشئونهن وتأديبهن وتعليمهن في حدود ما أمر به الشرع المطهر،{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34].

إن قيام الرجل على المرأة برعاية مصالحها وما يصلحها أمر حتمي فرضه الإسلام على المسلمين، وليس من حق المرأة الخروج عن هذا الإلزام الإلهي، والوصاية الربانية، فالذي فرض هذا هو أحكم الحاكمين، وهو الغاية في العدل، وهو العالم بما يصلح الجنسين، وهو الذي خلق هذا الجنس وذاك، وركب في طبائع كل منهما ما يناسبه، فالرجال قوامون على النساء، قوامون في كل ما من شأنه المحافظة عليهن، وبكل ما تدل عليه هذه الكلمة من معنى، فهم قوامون عليهن بالنفقة والكسوة والمسكن، قوامون على تربيتهن تربية إسلامية صالحة، قوامون عليهن بالمحافظة عليهن من أيدي العابثين، والمستكلبين من الرجال الذين ضعفت نفوسهم، وفسدت أخلاقهم، وانحطت مكانتهم الاجتماعية.

وإنه لمن العجيب أن ينبري أناس وينادوا بإطلاق الحرية للمرأة باسم الحرية والتقدم، وأنهم يقفون بزعمهم في صف المرأة، كلا! بل هم أعداء المرأة، إنهم ينادون بأن تخرج المرأة إلى المجتمعات وإلى مزاولتها الأعمال مع الرجال، والاختلاط بهم، إنهم بهذا أساءوا إلى أنفسهم أولاً ، وأساءوا إلى مجتمعهم ثانيًا. إنهم أساءوا إلى دينهم، وخرجوا عن هدي الرسول r وتعاليمه، حيث يقول r فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباسt : «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ».

لقد أدب القرآن الكريم نساء نبيه، وأرشدهن إلى ما فيه الصلاح والعفة والتقى؛ فقال سبحانه: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } [الأحزاب: 32]. وهذا إرشاد لهن، ولسائر نساء الأمة الإسلامية، إن الذي يحبذ الاختلاط، ويهواه، يخشى عليه أن يكون ممن في قلبه مرض، وهل يحصل الطمع في هتك الأعراض واقتناص الفتيات إلا بالاختلاط بهن ومجالستهن والخلوة بهن؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}
[محمد: 29، 31].  

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد الله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله-تعالى-وأطيعوه، واحذروا من سخطه وأليم عقابه.

عباد الله: إن الذين يحاولون إيجاد الانحلال والتفسخ الخلقي باسم الحرية والتقدم وغير هذه الألفاظ مما يهذي به المتطرفون في كتاباتهم يدل على أنهم إما أن يكونوا سذجا للغاية، أو ممن في قلوبهم مرض، والمرض: إما مرض الشهوات البهيمية، أو مرض النفاق. إنهم يخدمون دعوة المعادين للإسلام، سواء أشعروا بذلك أو لم يشعروا.

إن الدين الإسلامي يحارب التفسخ الخلقي، يحارب اجتماع الجنسين الأجنبيين بعضهم مع بعض، يحرم الخلوة بالأجنبية يقول الرسول الكريمr : « لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما »، ويقول عليه السلام: « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي رحم محرم ».

إنه مهما بلغت المرأة من التدين، وقوة العزيمة، وطهارة القلب، وصيانة النفس، فلن تبلغ ما وصلت إليه زوجات النبي r يقول الله في محكم كتابه إرشادا لأصحاب النبي rوتوجيهًا لزوجاته: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن} [الأحزاب: 53]. وهذا تعليم لأولئك ولغيرهم إلى قيام الساعة. ولكن الخطاب موجه للمؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ويمتثلون أمره.

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 20التحذير من اختلاط الجنسين.doc74.5 كيلوبايت
الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، يهدي من يشاء من عباده إلى طريق السداد، ويضل بعدله من يشاء إلى طريق الغي والفساد. أحمده سبحانه، وهو للحمد أهل، وأشكره على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الناصح الأمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">