النهي عن التسبب في غلاء الأسعار

الحمد لله الرازق ذي القوة المتين، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله الذي خلقكم، وصوركم، ورزقكم من الطيبات، واشكروه على آلائه ونعمه، سخر لكم ما في الأرض جميعا، وهيأ لكم الأرزاق، والخيرات، ووهب لكم العقول والبصائر؛لتعرفوا بها مصالحكم، ولتقوموا بشكر إلهكم. جعل لكم الأرض قرارا، وأجرى فيها أنهارا، ومدها لتسيروا عليها، فتعتبروا فيها، وتنتفعوا منها:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك: 15].

وقال سبحانه: ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ) [المزمل:20]. أي:يطلبون الرزق في سيرهم وسفرهم من بلد إلى آخر لطلب التجارة والربح وزيادة الرزق وهذا من تيسير الله، وتسهيله لعباده، ولكن يجب على العبد القيام بالشكر لله على هذه النعم، والشكر إنما يكون بالقلب، واللسان، والعمل، فالشاكر: هو الذي يعامل الناس بمعاملة المسلم للمسلم في بيعه، وشرائه، وأخذه وإعطائه، لا غش، ولا خديعة، ولا خيانة، ولا مخاتلة، ولا كذب، ولا أيمان فاجرة، سمحا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى، فمن كان هذا وصفه يرجى له الخير من الله، ويحبه عباد الله، وتحصل له سعادة الدين والدنيا، كما روى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r أنه قال: « التاجر الصدوق مع النبيين، والصديقين والشهداء » .

أما إذا كان على خلاف هذا الوصف، فصار مخادعا كاتما للعيوب، مكثرا للأيمان الكاذبة، إن قال كذب، وإن مدح بالغ، قد ألهته تجارته عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهذا على خطر في دينه وماله ونفسه وآخرته، فقد روى الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح عن عبد الرحمن بن شبلt قال: سمعت رسول الله r يقول: « التجار هم الفجار. قالوا يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى. ولكنهم يحلفون ويأثمون، ويحدثون فيكذبون» وقد قال r: « إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق، ثم يمحق ». أي: ينفق السلعة، ويمحق بركة البيع.

وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم فذكر منهم: رجلا بايع رجلا بسلعته بعد العصر، فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه وأخذها ».

عباد الله: إن بعض الناس ابتلوا بتطفيف الكيل والوزن، فعرضوا نفوسهم لمحق بركة الرزق، وعرضوها لمذمة الناس لهم، والوعيد الشديد من الله، وتشبهوا بالأمم السالفة التي عذبها الله؛ لبخس الكيل والوزن ألم يسمعوا قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 1 - 6].

وإن من الناس من ابتلي بالاحتكار؛احتكار الطعام الذي حذر رسول الله r منه غاية التحذير، وتهدد فاعله بقوله عليه الصلاة والسلام: « من احتكر طعاما فهو خاطئ ». وروى عنه r أنه قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه ». وروي أنه r قال: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون ». وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول: « من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ». وروي عن معاذ t قال: سمعت رسول الله r يقول: « بئس العبد المحتكر، إن أرخص الله الأسعار حزن، وإن أغلاها فرح ».

وإن الاحتكار بمكة يا عباد الله، له مزية في النهي على غيرها، فقد روى عنه r أنه قال: « احتكار الطعام بمكة إلحاد ». وتعلمون أن الله توعد من أراد الإلحاد بمكة بقوله:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أليم عقابه، وشدة بطشه، وابتعدوا عن الجشع والهلع، إياكم والغش، والتدليس، والنجش بمحاولة الزيادة بدون سبب، والدخول في شيء من أسعار المسلمين، بقصد إغلائها عليهم، فلقد توعد r من فعل ذلك أشد الوعيد، فقد روى عن معقل بن يسار tأنه قال:سأحدثكم شيئا ما سمعته من رسول الله r مرة ولامرتين، سمعت رسول الله يقول: « من دخل في شيء من أسعار المسلمين، ليغليه عليهم كان حقًّا على الله تبارك وتعالى أن يقعده من النار» وفي رواية: « كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقذفه في معظم النار ».

فاتقوا الله أيها المسلمون، وأطيعوا الله ورسوله، وأولي الأمر منكم، فلقد بذلت حكومتكم الرشيدة ما في وسعها من إسعادكم، وإدخال الرفاهية عليكم ما لم يسبق له نظير عند غيركم، فتعاونوا معها على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب.

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله عالم الغيب والشهادة، تأذن للشاكرين من عباده بالزيادة، وتوعد الجاحدين لنعمه بالعذاب الشديد، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، واتبعوا هدي نبيكم تهتدوا، فلقد أشفق عليكم أشد الإشفاق، ونصحكم غاية النصيحة، وحذركم سوء عملكم، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله r فقال: « يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ حتى يُعْلِنُوا بها، إلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ، التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا الْقَطْرَ من السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عَهْدَ الله وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلا سَلَّطَ الله عليهم عَدُوًّا من غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ ما في أَيْدِيهِمْ، وما لم تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله تعالى وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ الله إلا جَعَلَ الله بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ».

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 26النهي عن التسبب في غلاء الأسعار.doc78.5 كيلوبايت
الحمد لله الرازق ذي القوة المتين، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على جوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">