فوائد شهر رمضان وحقه

الحمد لله الذي أذاق الطائعين حلاوة الطاعة، وعلق قلوب  المؤمنين بالمساجد والجماعة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وفق من شاء للصيام والقيام، وهيأ لهم سبيل الوصول إلى دار السلام. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الصابرين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأخلصوا عملكم لله، ولا تتعلقوا بغيره سبحانه، فإنه خلقكم لعبادته وحده، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، فيجب  على العباد أداء العبادة لله وحده، ولا يلتفت إلى غير الله، ولا يتعلق قلبه بغير ربه وإلهه، الذي أنشأه من العدم، ووهب له سوابغ النعم، ودفع عنه أسباب  النقم، فإن دعا دعا الله وحده، وإن استنصر استنصره وحده، وإن استغاث فبالله، وإن استجار فبالله، وإن نذر فلله،وإن أصابه ضر التجأ إلى الله، وإن أصابه خير شكر الله، فلا يتعلق قلبه بغير ربه في طلب محبوب، أو هرب من مكروه، فهذه حقيقة العبادة التي أمر الله بها بقوله U :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ونهانا سبحانه أن نطلب حاجاتنا من غيره، فقال U : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14] فاعبدوه مخلصين له الدين، واشكروه على نعمه التي تتجدد ومننه التي لا تحد.

وإن من نعمه، ومننه علينا، أن بلغنا هذا الشهر الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185] جعل الله صيامه فريضة، وقيامه فضيلة،وكتبه  سبحانه علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، شرعه U لما اشتمل عليه من آثار حسنة، ومنافع جمة، وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة. 

فمن فوائد الصيام ضبط النفس عن التمادي وراء شهواتها ولذاتها، فإن الصيام يطفئ نار شهوتها فإنها متى ما تمادت في شهواتها تمردت وسعت وراء لذاتها المحرمة وإذا ضبطت النفس عن التمادي في الشهوات، ضاق  طريق شيطانها، وضعف سلطان هواها، ولذلك كان الصيام من أقوى أسباب التقوى، والعمل بطاعة الله، والبعد عن معصيته، وهذه بعض الحكم في فرضية الصيام، يقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183] فجعل سبحانه الصيام من أسباب التقوى، وهي العمل بما أوجب الله، والبعد عما حرمه الله، وقد أرشد r من لم يتزوج من الشباب إلى الصيام، للحفاظ على دينهم بقوله r : « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء » ([1]).

فالصيام يربي ملكة الفضيلة، والبعد عن الرذيلة، ينمي ملكة الإخلاص والأمانة، يربي ملكة الصدق والوفاء، يعود على الصبر على الشدائد، ويقوي العزيمة على فعل الخيرات والطاعات؛ لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن تناول الحلال من الغذاء طلبًا لمرضاة الله، وخوفًا من عقابه، فأولى أن تنقاد في سبيل طاعة ربها، وكف نفسها عن المعاصي، والشهوات المحرمة، فكان الصوم سببًا في اتقاء المحارم، وقوة العزيمة،والتحلي بالفضيلة والتخلي من الرذيلة.

إن الصيام يبعث في المسلم فضيلة الرحمة بالفقراء، والعطف على البائسين، وإعانة المعوزين.

عباد الله: إن شهركم هذا موسم من مواسم التجارة مع الله، موسم شريف، لا يماثله موسم من مواسم الدنيا، فينبغي لنا اغتنامه، وعدم التفريط فيه، فما هو إلا أيام قلائل يفوز بها العاملون، ويربح المتقون، ويخسر فيها المذنبون، ويحرم منها المفرطون، ومن اتجر فيه مع مولاه نال ما يتمناه، وفاز بمغفرة ما تقدم من ذنبه، وعتق رقبته من النار، فصونوا عباد الله فيه أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم عن اللغو والرفث والفحش وقول الزور، وطهروا ألسنتكم عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والطعن في أعراض إخوانكم  المؤمنين، فإن الصيام ليس هو ترك الطعام والشراب فحسب، ولكنه مع ذلك صيام عن اللغو والرفث، صيام عن السباب والشتائم، صيام عن أكل أموال الناس بالباطل، صيام عن تناول الحرام، صيام عن الطعن في أعراض الناس، وعن التعرض لهم بالأذية بالقول أو الفعل.

إن الصيام فيه جهاد النفس على الطاعات، ولزوم الجمع والجماعات، والإكثار من ذكر الله، وتلاوة  كتابه، والتضرع إليه في طلب الحاجات، وغفران السيئات، إنه مجاهدة النفس على تلاوة القرآن الكريم، والتدبر لمعانيه، والعمل بما فيه، ائتمار بأمره، وانتهاء عن نهيه، وطمع في وعده، وخوف من وعيده، وتصديق بخبره، وعمل بمحكمه، وإيمان بمتشابهه، وتخلق بأخلاقه.

فاتق الله أيها الصائم، وحافظ على صيامك، ولا تنهمك في تجارة الدنيا، وتغفل عن تجارة الآخرة، فما عند الله خير وأبقى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 96].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29، 30].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أول الخطبة الثانية

الحمد لله معين الصابرين، ومجزل العطاء للعابدين، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله فضّل الصيام وشرفه على كثير من العبادات والطاعات، ورفع منزلته وميزهعلى أنواع العبادة بقوله في الحديث القدسي: « الصوم لي وأنا أجزي به » ([2])، وبقوله r : « والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك » ([3])، وقد قال r عن هذا الشهر: « وهو شهر الصبر » ([4])، والصبر ثوابه الجنة وقد قال سبحانه: { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10].

عباد الله: إن للصوم آدابًا، منها: كف النظر عن الحرام، وحفظ اللسان عن الآثام، ومنها: الإفطار على الحلال، وأن يعجل فطره ويؤخر سحوره، وأن يكون الفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، وإن لم يجد فعلى ماء، ويقول إذا أفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت. وقد قال r : «إذا كان أحدكم صائمًا فلا يجهل ولا يرفث، فإن امرؤ قاتله أو شتمه فليقل إني صائم» ([5]) ، فاحفظوا رحمكم الله صيامكم، وأخلصوا نياتكم وأعمالكم لله، يحصل لكم الأجر والمثوبة .

 

 

 

 

([1])    رواه البخاري في كتاب النكاح، رقم (5066) ومسلم أيضًا في كتاب النكاح، رقم (1400).

([2])    رواه مسلم في كتاب الصيام رقم (1151).

([3])    رواه البخاري في كتاب الصوم، رقم (1894).

([4])    رواه أحمد في مسنده(2/263).

([5])    رواه البخاري في كتاب الصوم، رقم (1894) ومسلم في كتاب الصيام أيضًا رقم (1151).

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 5فوائد شهر رمضان وحقه.doc78 كيلوبايت
الحمد لله الذي أذاق الطائعين حلاوة الطاعة، وعلق قلوب  المؤمنين بالمساجد والجماعة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وفق من شاء للصيام والقيام، وهيأ لهم سبيل الوصول إلى دار السلام. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الصابرين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">