خطبة أول جمعة من شهر شوال

الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وجوده تكفر السيئات، وبتوفيقه وعونه تضاعف الحسنات، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أعلى البرية قدرا، وأزكاهم طاعة وبرا، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله في السر والجهر، فإن تقواه سبب لتفريج الكربات، وتكفير السيئات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [الأنفال: 29]. واشكروه على ما منّ به عليكم من صيام وقيام هذا الشهر الكريم، الذي فضّله وشرّفه على سائر الشهور، وخصه بإنزال القرآن الكريم، الذي أنزله هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فالسعيد من لم يفرّط في شهره، وقام بحقه، فصان صيامه عن اللغو والرفث، واغتنم أوقاته بالطاعات والإحسان والذكر وتلاوة القرآن، والتوبة والاستغفار، فهنيئا لمن اتصف بذلك، وما أحراه بالقبول والمغفرة والعتق من النار، ويا خسارة من فرط في شهره ولم يقم بحقه، ولم يعرف قدره، فما أحراه بالخيبة والخسران.

عباد الله: إن الله-سبحانه- خلقنا لعبادته، ورزقنا من الطيبات لنقوم بشكره، والشكر إنما يكون بأداء الحقوق الواجبة؛من مجاهدة النفس في طاعة الله، وطاعة رسوله، في أداء العبادات، في البعد عن المحرمات، في تحقيق التوحيد والإخلاص في العمل، في تحقيق المتابعة للرسول r، في العمل بكتاب الله وسنة رسوله.

عباد الله: لقد منَّ الله عليكم وأكرمكم بصيام هذا الشهر المبارك، الذي يحصل من المعاني السامية والتربية الروحية العالية ما لا يعد ولا يحصى، فيه إخلاص العمل لله؛ لأن الصيام سر بين العبد وبين ربه؛ ولهذا يقول U في الحديث القدسي: (( الصومُ لي وأنا أجزي به )). فيه التعود على الصبر، وتحمل المشاق، فيه حبس النفس وكبح جماحها عن الانزلاق في الشهوات المحرمة، فيه الإكثار من تلاوة القرآن، والذكر والتسبيح والتوبة والاستغفار، فيه ملازمة الجُمع والجماعات، فيه الكف عن اللغو والفحش، فيه التفطن لحالة الفقراء والمساكين، والعطف عليهم، فهل اتصفنا بهذه الصفات؟!وهل انتفعنا من هذه التربية الروحية لنكون متصفين بها. في أوقاتنا كلها؟! هل عزمنا على الاستقامة على الطاعة والبعد عن المعصية؟!فإن الاستقامة على طاعة الله من أهم الأمور، ومن الأدلة على إرادة الخير للعبد، وإن الإعراض عن الله وعن عبادته دليل على نقصان الإيمان وضعف العزيمة، فراقبوا الله عباد الله، واستقيموا إليه في جميع الأوقات، وتقربوا إليه بالأعمال الصالحات، فالإله الذي يُصام له ويُعبد، ويُركع له ويُسجد في شهر رمضان هو الإله في جميع الأزمان، وما أجمل الحسنة تتبعها الحسنة!وما أقبح السيئة بعد الحسنة!فلا تضيعوا عباد الله زمنكم باللهو والغفلة، ولا تفسدوا ما أسلفتم في شهر الصيام من صالح العمل، ولا تكدِّروا ما صفا لكم فيه من الأوقات والأحوال، ولا تغيروا ما أعد لكم من لذة المناجاة، والإقبال على الله، فإن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن أمارة ردها السيئة بعدها، قيل لبشر الحافي: إن قوما يتعبدون في شهر رمضان، ويجتهدون فإذا انسلخ رمضان تركوا: قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: لا يكون لعمل المؤمن من أجل دون الموت، ثم قرأ:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر: 99].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 11خطبة أول جمعة من شوال.doc69 كيلوبايت
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وجوده تكفر السيئات، وبتوفيقه وعونه تضاعف الحسنات، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أعلى البرية قدرا، وأزكاهم طاعة وبرا، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه." data-share-imageurl="">