خطبة أول العام

الحمد لله الذي جعل في اختلاف الليل والنهار عبرا (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ ) [يونس:5].

أحمده سبحانه وأشكره على نواله وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الحق المبين . ( هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد: 3].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه الله على العالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله - تعالى - واشكروه على سوابغ آلائه، وجزيل عطائه، واعلموا أن مرور الليالي والأيام، وتصرم الدهور والأعوام مؤذن بانقضاء الآجال، وتغير الأحوال، فهذا يوم قد ذهب وانقضى، وهذا شهر قد تصرم وانتهى، وهذا عام قد طويت صحائفه ومضى، وهكذا تتغير الأحوال، وتنقضي الآجال، والكل منا في غفلة وتسويف، وآمال متشعبة، وغفلة مستولية، وانهماك في الشهوات، وتلهف على ما فات، وأفكار تدور على جمع الحطام، ونفوس تتلوث بأوضار الذنوب والآثام، إلى متى ونحن في سكرة الدنيا، وحتى متى ونحن في حظيرة اللهو والهوى، متى تستيقظ ضمائرنا؟! وتتنور بصائرنا ونجعل همنا ما أمامنا من القدوم على الله، والسؤال عن الصغير والكبير، والجليل والحقير.

لقد زجرنا القرآن بمواعظه وآياته، وصروف الدهر بنوازله وتقلباته، ولكننا في ثياب الغفلة رافلون، وعما يراد بنا غافلون. (ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَة مُّعۡرِضُونَ( ١ )مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡر مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ( ٢ )لَاهِيَة قُلُوبُهُمۡۗ  ) [الأنبياء:1-3]  

عباد الله: لقد ودعتم عاما مضت أيامه ولياليه، وطويت صحائفه وما تحويه، وهل يمكن رد شيء مما فيه؟! أو إصلاحه أو تلافيه؟! كلا؛ فليس إلى هذا من سبيل؛ إلا بالتوبة الصادقة المقرونة بالندم على ما سلف وكان، والرجوع إلى طاعة الملك الديان. وقد استقبلتم عاما جديدا فجددوا عزمكم على التقوى؛ فإنها هي النجاة من المخاوف، وفيها السعادة الأبدية، وعليكم بالتمسك بكتاب ربكم وسنة نبيكم؛ فإن فيهما ما يكفل لكم السعادة والسيادة.

واعلموا عباد الله أن شهركم هذا شهر مبارك؛ كان r  يحث  فيه على الصيام لا سيما اليوم العاشر منه، كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: « ما علمت أن رسول الله r صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم -يعني: يوم عاشوراء- ولا شهرًا إلا هذا الشهر -يعني: رمضان- »، وفي الصحيحين أنه r  قال: « هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر ».  وروى مسلم عن أبي قتادة  t  قال: قال r  : «صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية » . وقد ندبنا r  إلى صيام يوم قبله، أو يوم بعده؛ لأجل مخالفة اليهود.

ولم يثبت في هذا الشهر شيء من فضائل الأعمال إلا الصيام، وأما ما يروي فيه من ذكر الصلوات أو القراءات أو الأوراد أو الأدعية الخاصة به فلم يثبت منها شيء عنه r، وكذلك ما ورد من استحباب التوسعة على الأولاد والأهل فيه فقد ذكر الإمام أحمد أنه لم يثبت. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يرد فيه شيء عنه r من طريق صحيح. وبذلك صرح الإمام ابن القيم.

فعلى المسلم أن يتقيد بما جاء عن الرسول الكريم، إذ هو المشرع r، والمخبر عن الله، والعبادات مبناها على الأمر، وكثير من الجهال يتخذون هذا الشهر موسما للأعياد والأفراح، وبعض الفرق تجعله موسما للمآتم والأتراح، وكل هذا وذاك مخالف لهديه r ، وهدى أصحابه وسلف هذه الأمة.

فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على اتباع هدي نبيكم e ، وسلفكم الصالح، فلقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ) [المائدة 92] .

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله الذي جعل في اختلاف الليل والنهار عبرا (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ ) [يونس:5].

أحمده سبحانه وأشكره على نواله وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الحق المبين ." data-share-imageurl="">