الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين الذي لقدرته يخضع من يعبد،ولعظمته يخشع من يركع ويسجد، ولطلب ثوابه يصوم الطائع ويتهجد.
أحمده سبحانه على فضله العميم، وإحسانه القديم، وأشكره على نعمه الوافرة، ومننه المتكاثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير الخلق أجمعين، ورسول رب العالمين، نصح الأمة، فأبدى وأعاد، ورفع منار الحق وأشاد، وشرع لنا الجمع والأعياد، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد ما صام صائم وأفطر، وما زمجر سحاب برعده وأمطر،وعلى آله الذين خصوا بالفضل والقربى وعلى أصحابه الذين حازوا قصب السبق في الصدق والتقى، وعلى خلفائه الراشدين الأبرار، وعلى المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فإن تقواه هي الحصن المنيع من المخاوف، والدرع الواقي من المهالك، من اتصف بها أوتي فرقانا يفرق به بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، وحصلت له السعادة في الدنيا، وفاز بالنعيم المقيم في الأخرى، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الأنفال: 29] واشكروه سبحانه على ما أنعم به من إكمال عدة الصيام، وما من به عليكم من الغبطة والسرور بهذا العيد السعيد الذي يتفضل فيه إلهكم على الصائمين، ويكمل لهم الأجر الجزيل فهو عيد سعيد لأهل طاعته، يفيض عليهم من جوده وكرمه وبره وإحسانه، واذكروا الله وكبروه على ما هداكم وما حباكم من نعمة الإسلام، فإنه لا سعادة للبشرية ولا هناء للإنسانية إلا في ظل التمسك به، والعمل بأحكامه وتطبيقها في جميع الشؤون.
فالتزموا به أيها المؤمنون، وافرحوا بهدايتكم له{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58] حققوا أركانه التي لا يتم الإسلام إلا بها، حافظوا على صلواتكم وأدوها في أوقاتها بطمأنينة وخشوع، وأخرجوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم إن استطعتم إليه سبيلا.
أخلصوا عملكم لله، وتمسكوا بهدي رسوله الناصح الأمين، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. اسلكوا سبيله في الدعوة إلى الله، فهي من أهم واجبات الدين، ومن أفضل الأعمال التي فرض الله على الأمة القيام بها، إنها طريقة الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم إلى يوم الدين، فيجب على العلماء الدعوة إلى الله بالحكمة واللين امتثالًا لقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
ولا بد للدعوة أن تكون على بصيرة وفق سبيل المصطفى r الذي سار عليه هو وأصحابه، نبراسهم في ذلك وقدوتهم التوجيه الإلهي الكريم في قوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] دعوة إلى الله، لا لدنيا، ولا لطلب جاه أو محمدة عند الناس، ولا لحزبية، أو قومية، أو طلب زعامة، بل هي دعوة إلى الله وإلى دينه بالحكمة التي سار عليها نبينا الكريم u، وصحابته الأبرار، وجهابذة علماء الأمة المصلحين.
عباد الله: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نوع من أنواع الدعوة إلى الله، وهو من أعظم واجبات الدين، إنه سبب لدفع العذاب. والعقاب عن الأمة، ومن أسباب النصر على الأعداء إنه سبب لرضا الله عن خلقه، وتركه سبب لغضبه وأليم عقابه، كم أهلك الله من أمة ولعنها حين تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! يقول سبحانه:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] ولذا جاء الأمر الإلهي الكريم لنا أمة الإسلام في قوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي والقيام به يقتضي الالتزام بحدوده وشروطه وقيوده حسب التوجيه النبوي الكريم، بقولهr: « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان »([2]) فالتغيير باليد لولاة الأمور أو لمن يسندون له القيام بذلك وعلى العلماء بما حباهم الله من علم وبصيرة تبيين المنكر والنهي عنه باللسان، دون تجريح للمأمورين، أو تشهير بهم بل يكون بحكمة ولين ومحبة، لهداية الناس وستر لما يقع والبعد عن إشاعة الفاحشة في عباد الله المؤمنين، وبدون أن يكون التغيير سببًا لحدوث منكر آخر قد يكون أعظم جرمًا مما يراد تغييره، فأوامر الشرع مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن فاته تطبيق هذه القاعدة العظيمة كان فساده أكثر من صلاحه، وضرره أكثر من نفعه.
عباد الله : إن أناسًا أدت بهم غيرتهم الدينية إلى التجاوز لحدود الشرع بقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنجم عن ذلك فساد عريض وعداوة وبغضاء وخروج على ولاة الأمور. وكل من سبر تاريخ هذه الأمة واطلع على ما حدث من المنكرات، أدرك أن من أسبابها عدم الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ولكن الله قيض لتلك المآسي المحزنة، والأمور المؤلمة، أئمة كانوا هداة مهتدين، أعطاهم الله علمًا وبصيرة في الدين، وحكمة في التصرف، وقوة في التنفيذ، فوضحوا للناس الحق، وأعادوا الأمور إلى نصابها، وردوا من خرج عن الصواب بالبيان والسنان، حتى استقام الدين، واتضح الأمر اليقين، وتبصر الناس بدينهم، فكان هؤلاء الأئمة مثالًا يحتذى به إلى يوم الدين، وكم وكم حدثت أمور مشابهة في كل زمان ومكان.
وكل صحوة وإقبال في الدين لا تخلو من وجود نادة تند، أو شاذة تشذ في غالب الأحوال، فنسأل الله أن يقيض لهذه الصحوة الدينية التي يشهدها عالمنا الإسلامي اليوم من يقودها إلى أقوم السبيل، ويرشدها إلى الطريق المستقيم، والسير بها على نهج النبي الكريم r، ومن سار على نهجه من الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالحين والأئمة في الدين.
وإن مما يؤسف له أن لا يجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبولًا لدى البعض فهم يريدون أن يتركوا وشأنهم يعرضون عن الحق ويسخرون من أهله، عجبًا لأولئك !! أيطلبون من المجتمع المسلم أن يعطل واجبًا شرعيًا قرنه الله سبحانه بالإيمان به؟ أيريدون نفي الخيرية التي خص الله سبحانه بها هذه الأمة وهي خيرية مشروطة بالقيام بهذا الأمر{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110] فعلى من أُمر بمعروف أو نُهي عن منكر أن يتقي الله U، وأن يقبل الحق ممن جاء به، وأن يستجيب لأمر الله ورسوله.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 24، 25].
إن على العلماء والأفراد في بلاد الإسلام القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلٌّ على قدر استطاعته ومسئوليته.
أما قادة الأمة الإسلامية فالواجب عليهم أكبر، والمسؤولية أعظم، فعليهم تطبيق شرع الله، وتحكيم كتابه، والقيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر حق القيام. إن الشعوب المسلمة لا تريد لدين الله بديلًا ولا ترضى بغير الإسلام حكمًا. { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50].
إنه لأمر يندى له الجبين أن تظل كثير من بلاد المسلمين بعيدة عن منهج الإسلام غير حاكمة بما أنزل الله.
أيها القادة المسلمون: حكموا شرع الله، في بلاد الله، على عباد الله، تسعدوا بالخير والأمان في دنياكم، وتنعموا بالأجر والنعيم المقيم في أخراكم.
وإنا نحمد الله U ونشكره، ثم نشكر قادة هذه البلاد على ما يقومون به من تطبيق لشرع الله، وقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة حدود الله الشرعية، حتى عم الأمن في أرجاء هذه البلاد وربوعها.
عباد الله: إن العالم الإسلام قد ابتلي اليوم بكثير مما تبثه وسائل الإعلام في أنحاء العالم مما فيه خطر على الدين والأخلاق، مما يرى ويسمع منها فإن كثيرًا منها يتنافى مع تعاليم دين الإسلام وآدابه فالله الله في حماية أبنائكم وأسركم.
أيها الآباء والأمهات: إنكم مسئولون أمام الله عن تربية أبنائكم وأهليكمâ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6] إن أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية تتحمل مسئولية كبيرة فعليها تقع ضرورة الالتزام بمنهج إسلامي، بعيد عما يخالف شرع الله، وعليها أن تقدم المنهج السليم، الذي يتمشى مع تعاليم ديننا القويم.
إن ثقافة الأجيال المسلمة تعتمد في غالب أحوالها على مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، فالمسئولية كبيرة، والمهمة جسيمة، فعلى رجال الفكر والصحافة والإعلام والتعليم أن يتقوا الله ويراقبوه، وأن لا يقدموا للأمة إلا ما يتفق مع تعاليم دينها، وأن يكونوا على حذر مما يخطط لها أعداؤها، وأن يكونوا سدًا منيعًا يحمي الإسلام وأهله.
أيها المسلمون: لقد انتشرت العلوم في هذا العصر، وكثر طلاب العلم الشرعي بفضل الله، غير أن البعض لم يسلك الطريق الأقوم، والسبيل الأسلم في طلب العلم، لقد زهد هذا البعض بأمهات الكتب الشرعية؛ كتب التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه، للأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام، التي بنيت على أساس من الكتاب الكريم، وهدى المصطفى الأمين، لقد هجر بعض طلاب العلم ذلك أو بعضه، واتجهوا نحو النشرات والأشرطة التي يقوم بعضها على الارتجال، وتبث بين الناس دون تحرير لها، أو تثبت عما يرد فيها، فجاء بعضها يناقص البعض، وبعض أصحابها من أولئك الذين لم يصلوا في علمهم الشرعي إلى درجة تؤهلهم للفتوى أو إصدار الأحكام الشرعية في القضايا النازلة والأمور الحادثة مما تسبب في حيرة البعض، وصد الكثيرين عما هو أهم وأنفع، إنها وإن كانت نافعة في الجملة، وربما يستفيد منها بعض عامة الناس إلا أن طلاب العلم ينبغي أن يحرصوا على حفظ المتون والتفقه في الدين، ومعرفة القواعد والضوابط، التي حررها المحققون من أهل العلم، خصوصًا في أصول التوحيد، والعقائد وأصول الأحكام والمعاملات.
فالله الله أيها الطلاب بأخذ العلم من معينه الصافي، عليكم بالكتاب والسنة وكتب السلف الموضحة لهما، خذوا العلم من العلماء الراسخين في العلم، وإياكم أن تلتفتوا إلى بنيات الطريق، ومعسول القول، والعبارات اللامعة في مبناها، القليلة في معناها، أخلصوا نياتكم لله، وألحوا بالسؤال والابتهال إليه سبحانه بالدعاء المأثور: اللهم أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه.
عباد الله: إنه لمما يؤلم كل مسلم،ويدمي قلب كل مؤمن، ما يحدث بين إخواننا في أفغانستان، أولئك الذين حرروا بلادهم، وضربوا أروع الأمثلة في الجهاد، لكن وقع بينهم ما كان سببًا في اختلافهم، وتفرق كلمتهم.
إن الجموع المسلمة في هذه البقعة المقدسة، لتناشد القادة الأفغان بضرورة الاعتصام بحبل الله، وتحكيم الشرع والعقل فيما شجر بينهم، والعودة إلى ما تم بينهم من وفاق قبل عام في هذه الديار المباركة على يد ولاة أمور هذه البلاد.
إن عليهم أن يتقوا الله U، ولا ينقضوا الميثاق، فإن الله يأمر بالوفاء بالعهود،واحترام المواثيق، كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [النحل: 91].
إن المسلمين في هذا المجتمع الكريم، وهذا المكان الشريف، يرفعون أيديهم إلى الله، ويتضرعون إليه سبحانه، أن يعيذ الإخوة الأفغان من نزغات الشيطان،وأن لا يجعلهم شماتة لأعداء الإسلام، وأن يجمع كلمتهم على الحق، ويصلح ذات بينهم، ويوحد صفوفهم، ويحقق الوفاق فيما بينهم، ويهديهم إلى طريق الهدى، إنه على كل شيء قدير.
أيها المسلمون: إن المتأمل لحال الأمة الإسلامية اليوم ليشعر بالأسى الكبير والألم الشديد لما آلت إليه هذه الحال.
لقد أصبح أعداء الله، وأعداء دينه، يسيطرون على مصالح المسلمين، ويسيرون كثيرًا من أمورهم السياسية والاقتصادية لما يخدم مصلحة غير المسلمين، لقد تحول الأمر من الخفاء إلى العلن، ومن السر إلى الجهر، هاهم الأعداء يتحكمون في مصير إخوان لنا في مواطن كثيرة من هذا العالم الواسع، تغتصب أرضهم، وتسلب حقوقهم، هذا هو المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، ومسرى سيد الثقلين، نبينا محمد r ، لا يزال مغتصبًا من قبل فئة معتدية آثمة، دنست مقدسات المسلمين، واغتصبت أرضهم، تقتل إخواننا في فلسطين، وتسلب حقوقهم، وتسيطر عليهم، وتتحكم بهم منذ زمن طويل.
وها هي المجازر يرتكبها اليهود الغاصبون في أقدس البقاع، بيوت الله، وفي أشرف عبادة، تأدية الصلاة، وفي أفضل الشهور، شهر رمضان المبارك، وفي أفضل الأيام، يوم الجمعة، إنه لحادث جلل، روع المسلمين، وأدمى قلوبهم، وأكد لمن عميت بصائرهم هذا الحقد الدفين الذي يكنه هؤلاء الأعداء لأمة الإسلام.
وفي مكان آخر من عالمنا الإسلامي، نرى إخواننا في البوسنة والهرسك يعانون أنواع الظلم، تسفك دماؤهم، وييتم أطفالهم، وتنتهك أعراضهم من قبل الصليبيين الحاقدين، ومن يعينهم من أعداء الإسلام.
وإخواننا المسلمون في الصومال، وفي الهند، وفي كشمير، وفي الجمهوريات الإسلامية، وغيرها من البلاد، يعانون أنواعًا من الاضطهاد والظلم والفاقة والجوع، كل ذلك يحدث والعالم المتحضر بزعمه يقف متفرجًا في معظم الأحوال، أين ما يتشدقون به من حقوق الإنسان، وضمان حريات الشعوب؟! أم أن هذه الأمور تخص شعوبًا دون أخرى.
عباد الله: كيف يرتاح لنا بال، ويهنأ لنا عيش، وهذه أحوال إخواننا في كثير من البلاد؟!
إن مسئولية الأفراد كبيرة في الدعم المادي والمعنوي لنصرة إخواننا المضطهدين في دينهم في كل مكان، لتتحقق الإخوة الإيمانية التي عقدها القرآن الكريم بين المؤمنين.{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
أما القادة والحكام المسلمون، فعليهم تقع المسؤولية الكبرى، المتمثلة في الوقوف مع إخوانهم المسلمين، الذين يعانون من الجور،والظلم، والعدوان، والمجاعة في بلاد كثيرة، وفي بذل جهد أكبر، واستخدام الوسائل السياسية والاقتصادية وغيرهما، من أجل إيجاد حلول لمشاكلهم، ووضع نهاية لمآسيهم، ولنا أمل كبير في قادة هذه البلاد أن يستمروا في بذل مساعيهم الخيرية المعتادة منهم من أجل نصرة الإسلام والمسلمين، ونسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرع الله على عباد الله،وأن يدلهم على ما فيه الخير للأمة الإسلامية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.لا إله إلا الله،والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله، له الحمد في الحال والأزل، أنعم على عباده وتفضل، وواصل فضله علينا وأجزل، نحمده على نعمة الأمن والإيمان، ونشكره على آلائه التي تتوالى كل آن، ونحمده على إتمام شهر الصيام والقرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تفرد بالخلق والتدبير، وتعالى عن المثيل والنظير،{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أزكى الورى محتدًا، وأفضل البرية منتدى، وأعلاهم سؤددا.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، أفضل الخلق طرا، وأعلاهم قدرًا، وعلى عترته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الأكرمين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اعبدوه حق عبادته، واذكروه واشكروه ولا تكونوا من الغافلين، لا تكونوا ممن حذر الله منهم، ومن طاعتهم واتباعهم،{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
لا تتشبهوا بمن كان قبلكم من الأمم ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ونسوا ربهم{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
ائتمروا عباد الله بأمر ربكم وانتهوا عما نهاكم عنه، واقتدوا بهدي نبيكم، واعملوا بسنته، وعليكم ببر الوالدين، وصلة الأقارب والأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام أسعفوا المعوزين، وتذكروا إخوانكم المضطهدين والمشردين في كثير من البلاد ممن يعانون من شظف العيش، وسوء الحال، أعينوهم بما حباكم الله من خير عميم، يسروا على المعسرين، وأعينوا المدينين، (( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة )) ([3]). إن الصدقة تدفع البلاء وميتة السوء وبسببها يحفظ المرء في نفسه وولده وأهله وماله.
وعليكم بالصبر الجميل على الأقدار، واحذروا موبقات الأوزار، وإياكم، وأكل أموال الناس بالباطل، أو المماطلة في حقوقهم، واحذروا الغش والخداع في المعاملات{ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [هود: 85]، وأدوا الأمانات كما أمركم الله بها، فإنه لا إيمان لمن لا أمانة له، وقروا اليمين بالله في خصوماتكم في جميع أحوالكم، وابتعدوا عن الربا، فإنه يمحق البركات،{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] وإياكم والغيبة، والنميمة، والإفك، والبهتان، وشهادة الزور، وعليكم بالتواضع، فإن من تواضع لله رفعه، ومن استكبر وضعه. لا تزدروا من هو دونكم
{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] أفشوا السلام بينكم، وأظهروا البشر والابتسام في وجوه إخوانكم، لا سيما في يومكم هذا، فهو يوم عيد وسرور وبهجة وحبور.
أيها المسلمون: حسنوا أخلاقكم مع آبائكم، وأمهاتكم، ومع أزواجكم، وأولادكم، وأقاربكم، وجيرانكم، ومع سائر إخوانكم المؤمنين.
أيتها المرأة اعملي بطاعة الله، وطاعة رسوله، وقومي بأداء أمانتك في حق زوجك وبيتك وأولادك التزمي بالحشمة والوقار وابتعدي عن مزاحمة الرجال. ولا تظهري زينتك أمام الأجانب وغضي بصرك عما حرم الله عليك، واحرصي على عدم الخروج من بيتك من دون حاجة.
أدى حق الجوار من بذل المعروف، وكف الأذى، والصبر عليه، تنالي بذلك سعادة الدنيا والآخرة، مرى أبناءك بالصلاة. عوديهم على الأخلاق الفاضلة، من أداء الأمانة، والصدق، والبعد عن الكذب، والنميمة، فإن الأبناء أمانة في أعناق الوالدين.
عباد الله: إن من تمام نعمة الله علينا أن وفقنا لاستكمال صيام شهر رمضان، فينبغي لنا الإكثار من ذكره، والقيام بشكره، والاستجابة لتوجيه نبيه الكريم u لما ندبنا إليه من صيام ستة أيام من شوال بقوله r « من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر »([4]) .
فداوموا رحمكم الله على فعل الطاعات، ولا تعرضوا عن إلهكم بعد إقبالكم عليه في شهر الفضائل والحسنات، واستجيبوا لأمر ربكم بقوله : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133 - 136].
ألا وصلوا عباد الله على الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، فإن الله أمركم بذلك بقوله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن العشرة المفضلين،وأهل بدر، والعقبة، وعن أصحاب الشجرة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا يارب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في فلسطين. اللهم قو عزائمهم وخذ بأيديهم لنصرك المؤزر. وارحم شهداءهم يا أرحم الراحمين.
اللهم دمر اليهود الغاصبين، واشدد وطأتك عليهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم الطف بإخواننا في البوسنة والهرسك وأيدهم بنصرك، أنزل الرعب في قلوب أعدائهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر إخواننا المستضعفين والمجاهدين في كل مكان. اللهم سدد سهامهم وآرائهم يا قوي يا عزيز. اللهم وفق إخواننا في أفغانستان، وفي الصومال، وألف بين قلوبهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يارب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك r .
اللهم احفظ إمامنا وأيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وأيده بالإسلام، وأيد الإسلام به، وانصر به الحق وأهله، واجمع به كلمة المسلمين يارب العالمين. اللهم كن له على الحق مؤيدًا ونصيرًا، ومعينًا وظهيرًا . اللهم اجعل بطانته صالحة تعينه على الحق إذا ذكر، وتذكره إذا نسي.
اللهم جنبنا المعاصي والفتن، وكوارث الزمن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يارب العالمين. اللهم عاملنا بإحسانك، ومن علينا بفضلك وامتنانك، وتولنا برحمتك وغفرانك، واجعلنا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
([2]) رواه مسلم في كتاب الإيمان ، رقم 49
([3]) رواه مسلم في صحيحه، في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم (2699).
([4]) رواه مسلم في كتاب الصيام ، رقم 1164 .
المرفق | الحجم |
---|---|
3خطبة عيد الفطر المبارك 1414هـ.doc | 110.5 كيلوبايت |